بتشبيه الشيب، في بياضه وإنارته، باللهب. وهذا بناء على أن المكنية قد تنفك عن التخييلية، وعليه المحققون من أهل المعاني. وقيل: إن الاستعارة هنا تمثيلية. فشبه حال الشيب بحال النار، في بياضه وانتشاره: ولم أكن بدعائك رب شقيا أي: ولم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت لم أعود منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردني قط. وهذا توسل منه إلى الله تعالى بما سلف له معه من الاستجابة، إثر تمهيد ما يستدعي [ ص: 4127] الرحمة ويستجلب الرأفة، من كبر السن وضعف الحال. فإنه تعالى بعدما عود عبده بالإجابة دهرا طويلا. لا يكاد يخيبه أبدا. لا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره. تنبيه:
استفيد من هذه الآيات آداب الدعاء وما يستحب فيه. - ((( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً )))!!!. فمنها الإسرار بالدعاء، لقوله خفيا ومنها استحباب الخضوع في الدعاء وإظهار الذل والمسكنة والضعف لقوله: واشتعل الرأس شيبا ومنها التوسل إلى الله تعالى بنعمه وعوائده الجميلة لقوله: ولم أكن إلخ كما قدمنا.
- ((( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً )))!!!
يجب أن ينصب التمييز أيضًا إذا وقع التمييز بعد أفضل التمييز بشرط أن يكون في المعنى هو الفاعل، مثل، (أنت أعلى منزلًا وأكثر مالًا) أو (المتعلم أكثر إجادًة). إذا لم يكن التمييز هو الفاعل في المعنى يجب جره بالإضافة، مثل، (أحمد أفضل جندي) أو (صفية أفضل طالبةٍ). يجب نصب التمييز عندما تضاف كلمة أفعل إلى غير التمييز، مثل، (أحمد أفضل الناس خلقًا). إذا وقع التمييز بعد التعجب القياسي أو السماعي يجب نصبه، كمل في المثال، (لله درك عالمًا) أو (كفى به نافعًا) أو (حسبك بالصادق رجلًا) أو (ما أحسن محمدًا فارسًا). ترتيب التمييز مع عامله
اختلف علماء اللغة في ترتيب التمييز مع عامله، ورفض الكثيرون تقديم التمييز على عامله، ومنع عالم اللغة الذي يدعى سيبويه هذا الأمر سواء كان عامل التمييز متصرفًا أو غير متصرف فلا يمكن على سبيل المثال أن نقول (عندي درهمًا عشرون) أو أن نقول (نفسُا طاب زيد). هناك بعض علماء اللغة مثل الكساني الذي قال أن من الجائز أن يتقدم العامل المتصرف على التمييز، فيمكننا أن نقول (نفسًا طاب زيد) أو (شيبًا اشتعل الرأس). هناك أمثلة من التاريخ العربي تدل على جواز تقديم العامل المتصرف على التمييز مثل، أتهجر ليلى بالفرق حبيبها وما كان نفسًا بالفراق تطيب.
وقيل لأعرابي عن الشيب:« ما هذا البياض الذي في رأسك ؟ فقال زبدة مخضتها الأيام ، وفضة سبكتها التجارب ». فخُصَّ ( الرأس) في ذلك كله بالشيب دون ( الشعر) ؛ لأن الرأس هو آخر ما يشيب من شعر المرء ، وهو أمارة التوغل في كبر السن كما تقدم. وهذا المعنى لا يفهم من قولنا: ( اشتعل شعر فلان) ، أو شاب شعر فلان) ؛ لأن شيب الشعر قد يكون عن كبر في السن ، وقد لا يكون. تأمل ذلك في قول الأخوص الرياحي: إذا شاب شَعْرُ المَرْءِ قَلَّ سُرورُه... وزَارتْه مِن وَفْدِ الهمومِ المَصائبُ ثم إن قولنا: ( شاب شعر فلان) ليس نصًّا في شعر الرأس ؛ لأنه يشمل شعر الرأس ، وشعر اللِّحية ، بخلاف قولنا شاب رأسه) ، ويدلك على ذلك قول الله عز وجل:﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾(البقرة:196) ، وقوله:﴿ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ ﴾(المائدة:6) ، فنهى سبحانه في الأول عن حلق الرؤوس مقيَّدًا ببلوغ الهدي محله ، وأمر في الثاني بالمسح بالرؤوس. فلو قيل: ( ولا تحلقوا شعوركم) ، و( امسحوا بشعوركم) ، لأفاد الأول النهي عن حلق شعر الرأس مع شعر اللحية والشاربين ، وأفاد الثاني الأمر بمسح شعر الرأس ، مع شعر اللحية والشاربين.. فتأمل ذلك.. والله تعالى أعلم!