احمد الفرطوسي
يعد الكرم من بين أهم وأرفع الصفات التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان، وهو من السمات السامية للإنسان التي تحظى بمنزلة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى، وهو احدى صفات الباري عز وجل، ويقال إن الكريم، ينادى به يوم القيامة، وإذا بجبرائيل يقول:"إنه حبيب الله"، فيعفون عنه. وقد قيلت بشأن صفة الكرم والجود والشخص الكريم، قصص وحكايات امتدت لقرون على مر التاريخ، عبّرت عن أروع وأنبل القصص في كرم العرب وسخائهم، بما يملكونه، اذ كان حاتم الطائي أحد رموز الكرم في تاريخ العرب، وذاع صيته لغاية اليوم. تحميل كتاب الكرم والجود والسخاء ل سمير حسين حلبي pdf. العراقي كريم
ولطالما كان العراقيون مضرباً للأمثال في الكرم والجود والسخاء، كما هو معروف عنهم؛ فالمجتمع العراقي يختلف بطبيعته حتى عن الشعوب العربية المعروفة بكرمها، كما هو الحال في السعودية والكويت، إذ إن الكرم العراقي لايرتبط بحسن الحال ولا بالوضع المادي للمواطن، بل إن العراقي كريم على بساطته، وهو الجواد بما يملك، ولو كان ذلك على حساب قوته وقوت عياله. "الصباح" استطلعت آراء عدد من المواطنين، بشأن موضوعة الكرم العراقي، وكانت الحصيلة كالتالي. قوت عياله
الشيخ ناصر حسين هلال الأعاجيبي، قال لـ «الصباح}: "الكرم احدى الصفات المقترنة بالشجاعة، والكرم العراقي لايرتبط بإمكانية المواطن وقدراته المادية، فهو كريم سواء كان فقيراً أو غنياً"، مضيفاً" فهو يبذل ما بوسعه ويبسط يده ولو برغيف من الخبز، وإن كان على حساب قوت عياله".
الكرم والجود والسخاء
والسَّخَاءُ أصلٌ من أصول النَّجَاة، وهو من أخلاقِ الأنبياء عليهم السلام [17] ، وهو رأسُ الزُّهد؛ لأنَّ مَنْ أَحبَّ شيئًا أمسَكَهُ، ولم يفارقِ المالَ إلا من صَغُرَتِ الدُّنيَا في عينيهِ [18]. وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أكرمِ النَّاسِ وأجودِهِم، حتى إنَّهُ جادَ بكلِّ موجودٍ، وآثَرَ بكلِّ مطلوبٍ، وماتَ ودِرْعُهُ مَرْهُونةٌ عندَ يهوديٍّ على آصعٍ من شعيرٍ لطعامِ أهلِهِ [19] ، وقد ملكَ جزيرةَ العَرَبِ. وعندما حازَ غنائمَ هَوَازِنَ، وهي منَ السبي ستةُ آلافِ رأسٍ، ومنَ الإبلِ أربعةٌ وعِشرُون ألفَ بعيرٍ، ومن الغنمِ أربعون ألفَ شاةٍ، ومن الفضةِ أربعةُ آلافِ أوقيةٍ، فجادَ بجميعِ حقِّهِ وعادَ خَلْوًا [20]. فهذا أنسُ بنُ مالك رضي الله عنه أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم يصِفُهُ فيقول: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ... » [21]. الكرم والجود والسخاء. وقد حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أتباعَهُ على الجُودِ والكرمِ وبشَّرَهم بالجائزة العظمى والقِيمَةِ المُثْلَى، ألا وهيَ حُبُّ اللهِ تعالى للكَرَم والكُرَمَاءِ، والجُوْدِ والأَجْوَادِ الأسخياء، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنَّ اللهَ كريمٌ يحبُّ الكرم، ويحبُّ مَعَالي الأخلاق، ويكره سَفَاسِفَهَا [22] » [23].
تحميل كتاب الكرم والجود والسخاء ل سمير حسين حلبي Pdf
الكَرَمُ والجُودُ والسَّخَاءُ
هذه الألفاظ الثلاثة تتشابه وتتقاطع في معانيها، فالكرَمُ: هو الإعطاء بالسُّهُولَةِ [1] ، وهو ضِدُّ اللؤمِ، والكَريمُ: الصَّفوحُ [2] ، والكَرِيمُ: من صفات الله عزَّ وجلَّ وأسمائِهِ، وهو الكثيرُ الخير، الجَوَادُ المُنعِمُ المُتَفَضِّلُ [3] ، والكَرِيمُ: اسمٌ جَامِعٌ لكلِّ مَا يُحْمَدُ، فاللهُ كَرِيمٌ حَمِيدُ الفِعَالِ [4]. د/فاضل السامرائي - ما الفرق بين السخاء .. الكرم .. الجود ؟ - YouTube. قال الرَّاغب: «الكرَمُ: الأفعال المحمُودَة، وأكرمها وأشرفها ما يُقْصَدُ بِهِ وجهُ اللهِ تعالى، فمن قَصَدَ ذلك بمحاسِنِ فِعْلِهِ فهو التَّقِيُّ، فإذًا أكرمُ النَّاسِ أتقاهم، وكلُّ شيءٍ شَرُفَ في بابه فإنَّهُ يُوصَفُ بالكرم» [5]. وأمَّا الجُودُ: فهو بَذْلُ المُقْتَنَيَاتِ، مالاً كان أو عِلمًا [6] ، وهو أيضًا: التَّسمُّح بالشيءِ، وكثْرةُ العَطاء [7]. وأمَّا السَّخَاوَة والسَّخاءُ: فهو الجُودُ، والسَّخِيُّ: هو الجَوَادُ، والجمع أسْخِياء [8] ، وهو نظيرُ الكرم والنَّدَى [9] ، وبهذا المعنى أيضًا الفُتُوَّةُ [10]. وقد عَرَّفَ الراغبُ السخاءَ بأنَّه: هيئةٌ في الإنسان، دَاعِيَةٌ إلى بَذْلِ المقتنيات، حصلَ معهُ البَذْلُ أو لا، ومقابِلُهُ الشُّحُّ، والجُودُ: بَذْلُ المُقتنى ويقابلُهُ البُخْلُ، وقد يُسْتَعْمَلُ كلٌّ منهما محلَ الآخرِ [11].
د/فاضل السامرائي - ما الفرق بين السخاء .. الكرم .. الجود ؟ - Youtube
أتأكلون دون الصِّرم؟!
[1] التعريفات 1: 236. [2] الصحاح في اللغة 2: 113. [3] تهذيب اللغة للأزهري 3: 374. [4] المصدر السابق. [5] المفردات ص706. [6] مفردات غريب القرآن للراغب 1: 103. [7] مقاييس اللغة 1: 438. [8] انظر: معجم مقاييس اللغة، مادة: سخي؛ ولسان العرب، مادة سخا. [9] انظر: المخصص لابن سيده 1: 243. [10] انظر: التعريفات 1: 212. [11] فيض القدير 14: 342. [12] إشارة إلى السخاء والشح. [13] فيض القدير للمناوي 14: 343. [14] انظر: التعريفات 1: 212. [15] انظر: إحياء علوم الدين 3: 57. [16] انظر: تفسير الكشاف للزمخشري 1: 82. [17] إحياء علوم الدين للغزالي 3: 243. [18] المصدر السابق 1: 25. [19] أخرج الخبر البخاري في الجهاد والسير برقم 2759. [20] انظر: أعلام النبوة للماوردي 1: 159. [21] أخرجه البخاري في الأدب برقم 5686. [22] السفساف: الأمر الحقير والردئ من كل شيء، وهو ضد المعالى والمكارم، وأصله ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل، والتراب إذا أثير. انظر: النهاية في غريب الحديث 3: 470. [23] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11: 143 عن طلحة بن كريز ؛ والحاكم في المستدرك 1: 111 ـ 112 وقال: حديث صحيح الإسنادين جميعًا ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي؛ والطبراني في الكبير 6: 181؛ والبيهقي في السنن الكبرى 10: 191؛ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 344 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه... ، ورجال الكبير ثقات.
وختم بالقول "خلاصة الكلام أن العراقيين تربعوا على عرش التضحية والسخاء، وطبعا هذا نابع من أصولهم العربية المتجذرة فيها صفة السخاء، وكذلك حبهم وإيمانهم بالعترة الطاهرة، راجين من وراء ذلك أن يكون الحسين (عليه السلام) شفيعاً لهم يوم الورود". محدودو الدخل
إلى ذلك، قال الإعلامي عبد الخالق العذاري، لـ"الصباح":"إن صدى السخاء العراقي بلغ الآفاق، ولم يعد له نظير في عموم العالم، وهذا ما أكّده زائرو المراقد المقدسة، لاسيما خلال الزيارة الأربعينية، وما يقدم لهم من موائد حافلة بالطعام"، مضيفاً" إن ما يؤكد تأصيل الكلام في النفس العراقية، إن تلكم الموائد متأتية من أشخاص محدودي دخل وفقراء، استجابة منهم لنداء الأخلاق التي نشؤوا عليها ونبتت طينتهم فيها". وتابع"وهذا لايعني، أن الكرم العراقي مقتصر على المناسبات الدينية، ومن يرتاد العتبات المقدسة، فهم يجودون بما يملكونه لضيفهم على مدار حياتهم لرسوخ هذه الصفة الإنسانية في صميم أخلاقهم التي توارثوها من أجدادهم عبر أجيال مضت وسنين خلت مع اهتمامهم بالمال وقيمته وطريقة الحصول عليه، التي كلفتهم بذل المزيد من الجهود وعرق الجبين"، مستدركاً" لكن هذه القيمة تنعدم أثمانها إزاء من يحل عليهم ضيفاً، إذ ان الكرم هو متمم للشجاعة التي يتصف بها العراقي؛ فهناك تمازج بين الكرم والشجاعة والوجاهة، وقد قال الإمام الحسين (عليه السلام):"من جاد، ساد".