[٢]
الاستعارة والصور الفنية في رواية كافكا على الشاطئ
لا يُمكن للرواية أن تكون ناجحة ما لم يتمكّن الكاتب من خلق جوٍّ خاص به عبر مجموعة من الصور الفنية و الاستعارات التي يتقن الكاتب نثرها ، وهذا بالضبط ما استطاع الكاتب فعله؛ حيث تناول القارئ من كتفيه ودفعه دفعًا ليرى نفسه في أقوال الشخصيات وتصرفات الأبطال، وأنّ كل شخصية من تلك الرواية بمثابة نفسه الناطق. [٣]
من جملة ما جاء في الرواية من حديث: "كل منا يفقد شيئًا عزيزًا عليه فرصًا، إمكانيات، مشاعر لا يمكننا استعادتها أبدًا، كل هذا جزء من معنى كوننا نعيش ولكن في داخل رؤوسنا -أو هذا ما أتصوره أنا- نخزن الذكريات في غرفة صغيرة هناك، غرفة كالرفوف في هذه المكتبة". [٣]
"ولنعي الأعمال التي كتبتها قلوبنا، علينا أن نصنفها وننظمها ببطاقات، ونزيل عنها الغبار من حين لآخر، ونجدد لها الهواء، ونغير الماء في أواني الزهور بكلمات أخرى، ستعيش إلى الأبد في مكتبتك الخاصة بك". [٣]
استعمل الكاتب في هذا المقام صورة معقدة؛ قامت على مجموعة من العبارات المتلاحقة، فشبّه في بادئ الأمر المشاعر بالإنسان الذي يضيع ويختفي ويظهر، ثمّ أتى بعد ذلك على الإسراف في توصيف الذاكرة فتلاحقت العبارات بعضها تلو بعض كأنّها مجموعة من نجوم الدب الأكبر في السماء.
كافكا على الشاطئ جرير
ذات صلة شرح قصيدة قارئة الفنجان مقدمة إذاعة مدرسية عن اليتيم
التحليل الموضوعي لرواية كافكا على الشاطئ
تدور أحداث الرواية في فلك فلسفي واسع؛ حيث يبحث الإنسان عن الوجود، وهي ترتكز على وجود شخصيتين هما سبب تحقيق التوازن في القصة؛ وتتمثل الشخصية الأولى في شخصية كافكا الطفل الذي يُغادر من طوكيو بعد أن يستشير غرابه لفعل ذلك وينجح في ذلك الأمر فعلًا ليصل إلى إحدى المكتبات التي يجلس فيها ويبدأ بالقراءة عن كل شيء. [١]
تربط الطفل علاقة صداقة قوية مع أمين المكتبة، في أثناء تلك الفترة يكون والده قد تعرض للقتل، وتبدأ الأنظار بالاتجاه إلى كافكا بسبب غيابه عن ساحة الريمة، وعدم معرفة مكانه في أثناء وقوعها، عدا عن تنبؤ والد كافكا أنّ كافكا نفسه سيُضاجع أخته، ويتزوج من أمه، وسيقتل والده، وهنا تتجسد عقدة أوديب في هذه الرواية. [٢]
تكون والدة كافكا منفصلة عن والده وهو لا يعرفها، وتتسارع الأحداث ليلتقي كافكا بأمه ويُضاجعها دون أن يعرف أنّها أمه، وبذلك يكون الكاتب قد استقى بعض الشيء من الأساطير الإغريقية. [٢]
أمّا الشخصية الثانية فهي شخصية العجوز ناكاتا الذي يفقد ذاكرته إثر حادث حصل معه في الحرب العالمية الثانية، فيستيقظ جاهلًا القراءة والكتابة وأميًا لا يعرف أي شيء، لكن تُصبح لديه موهبة الفهم على لغة القطط.
رواية كافكا على الشاطئ
وينفذ "ناكاتا" الوصية. يتحتم على القارئ لفهم ألغاز رواية كافكا على الشاطئ أن يدع الخيال يسيطر وأن يبتعد عن التفسير العقلاني، ويتحتم عليه أن يجمع الأحداث، وأن يجد الألغاز قبل الشروع في حلها، عليه أن يبقي عقله يقظًا ليحافظ على تشابك الشخصيات. إنها رواية التي نستطيع تصنيفها أنها متاهة للعقل. اقرأ أيضًا: عوالم خاصة.. عندما يكون الأدب أكثر إنسانية من الواقع
هذه المدرِّسة هي والدة كافكا، وهي صاحبة المكتبة التي سيعمل بها بعد هروبه من المنزل، وسيضاجعها في أحلامه متخيلا صورتها وهي في شبابها، من خلال طيفها الذي يزوره كل ليلة، خاصة أنه فتى يعيش فترة المراهقة، ثم يضاجعها بعد ذلك فعليا في حجرته بالمكتبة دون أن يعرف أنه والدته، ليتحقق بذلك جزء آخر من نبوءة والد كافكا الأوديبية بأنه سيضاجع أمه. يشعر أمين المكتبة المخنث (أوشيما) بأن سيدته أو صاحبة المكتبة (الآنسة ساييكي) تنتظر موتها الذي سيأتي قريبا، وينقل شعوره لكافكا بذلك، وبالفعل تدور الأحداث ويبحث العجوز ناكاتا، بعد أن يقتل النحات، عن حجر ما ليفتحه محاولا بذلك فك بعض الطلاسم والأسرار التي يدهش لها القارئ، مثل استطاعته في لحظات معينة أن يجعل السماء تمطر أسماكا، وأن يتنبأ بحالة الطقس، وغير ذلك من أحوال لا يعرف أسبابها أو سر قوتها لديه. ومن خلال صحبة ناكاتا للسائق الشاب (هوشينو) الذي ترك كل شيء في حياته ليرتبط مصيره بمصير ناكاتا، يصلان إلى المكتبة مصادفة بعد أن ظلا يبحثان عن مفتاح الحجر لعدة أيام، ويدخل ناكاتا حجرة صاحبتها لنفاجأ أنها تنتظره منذ سنوات (ويبدو أنها كانت تعلم أن ذلك الفتى الذي ضربته وعنفته أثناء الرحلة الخلوية سيأتي لها ذات يوم منهيا بذلك رحلتها في الحياة، ليس عن طريق القتل، ولكنه القدر الذي يرسم ذلك بدقة متناهية).