ولعله مما يتفق مع هذه السمة افتتاح السورة بإيقاعات ذات رنين خاص: غافر الذنب. وقابل التوب. شديد العقاب. ذي الطول. لا إله إلا هو. إليه المصير.. فكأنما هي مطارق منتظمة الجرس ثابتة الوقع، مستقرة المقاطع، ومعانيها كذلك مساندة لإيقاعها الموسيقي! كذلك نجد كلمة البأس. وبأس الله. وبأسنا.. مكررة تتردد في مواضع متفرقة من السورة. وهناك غيرها من ألفاظ الشدة والعنف بلفظها أو بمعناها. وعلى العموم فإن السورة كلها تبدو وكأنها مقارع ومطارق تقع على القلب البشري وتؤثر فيه بعنف وهي تعرض مشاهد القيامة ومصارع الغابرين. وقد ترق أحيانا فتتحول إلى لمسات وإيقاعات تمس هذا القلب برفق، وهي تعرض حملة العرش ومن حوله يدعون ربهم ليتكرم على عباده المؤمنين، أو وهي تعرض عليه الآيات الكونية والآيات الكامنة في النفس البشرية. [ ص: 3066] ونضرب بعض الأمثال التي ترسم جو السورة وظلها من هذه وتلك..
من مصارع الغابرين: كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق. فأخذتهم. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الجاثية - القول في تأويل قوله تعالى " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم "- الجزء رقم22. فكيف كان عقاب؟.. أولم يسيروا في الأرض، فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم، كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق.
- إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الجاثية - القول في تأويل قوله تعالى " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم "- الجزء رقم22
- القرآن الكريم - مفاتيح الغيب للرازي - تفسير سورة الجاثية
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الجاثية - القول في تأويل قوله تعالى " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم "- الجزء رقم22
فإما شريعة الله. وإما أهواء الذين لا يعلمون. وليس هنالك من فرض ثالث، ولا طريق وسط بين الشريعة المستقيمة والأهواء المتقلبة; وما يترك أحد شريعة الله إلا ليحكم الأهواء فكل ما عداها هوى يهفو إليه الذين لا يعلمون! والله - سبحانه - يحذر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يتبع أهواء الذين لا يعلمون، فهم لا يغنون عنه من الله شيئا. وهم يتولون بعضهم بعضا. وهم لا يملكون أن يضروه شيئا حين يتولى بعضهم بعضا، لأن الله هو مولاه: إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض. القرآن الكريم - مفاتيح الغيب للرازي - تفسير سورة الجاثية. والله ولي المتقين..
وإن هذه الآية مع التي قبلها لتعين سبيل صاحب الدعوة وتحدده، وتغني في هذا عن كل قول وعن كل تعليق أو تفصيل: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين..
إنها شريعة واحدة هي التي تستحق هذا الوصف، وما عداها أهواء منبعها الجهل. وعلى صاحب الدعوة أن يتبع الشريعة وحدها، ويدع الأهواء كلها. وعليه ألا ينحرف عن شيء من الشريعة إلى شيء من الأهواء. فأصحاب هذه الأهواء أعجز من أن يغنوا عنه من الله صاحب الشريعة.
القرآن الكريم - مفاتيح الغيب للرازي - تفسير سورة الجاثية
قوله: (العزيز) ، وهو من أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهو الغالب القوي القادر الذي لا يمانع، فنقول هنا: إن العزيز هو القادر، ولكن نقول: هناك فرق بين الاسمين، فإن عزة الله عز وجل تمنع أن يمانعه أحد وأن يتحداه أحد، فإذا رفع إنسان رأسه بالتحدي أسقطه الله وأذله سبحانه وتعالى بقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117] ، فالله عز وجل هو العزيز الغالب، فإذا قضى أمراً فلا بد وأن يكون ما قضاه وقدره سبحانه وتعالى. قوله: (الحكيم) أي: الذي له الحكمة العظيمة، فقد يفعل الإنسان من الشر ما يفعل، ويحلم عليه لحكمة؛ لأنه يعلم أنه يتوب في يوم من الأيام ويرجع إلى الله، أو يعلم سيزيد فيمهله ليأخذه وينتقم منه ويجعله عبرة للخلق، فله سبحانه الحكمة العظيمة البالغة، فهو الحكيم.
مقدمة السورة: سورة الجاثية بسم الله الرحمن الرحيم { حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون}. فيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن قوله { حم ، تنزيل الكتاب} وجوها ( الأول) أن يكون { حم} مبتدأ و { تنزيل الكتاب} خبره وعلى هذا التقدير فلا بد من حذف مضاف ، والتقدير تنزيل حم ، تنزيل الكتاب ، و { من الله} صلة للتنزيل ( الثاني) أن يكون قوله { حم} في تقدير: هذه حم ثم نقول { تنزيل الكتاب} واقع من الله العزيز الحكيم ( الثالث) أن يكون { حم} قسما و { تنزيل الكتاب} نعتا له ، وجواب القسم { إن في السموات} والتقدير: وحم الذي هو تنزيل الكتاب أن الأمر كذا وكذا.