ومن أهم ما حث عليه أبو الحسن وبنيت عليه الطريقة الشاذلية الترغيب في طلب العلوم الشرعية قبل سلوك طريق التصوف، وهو السنة التي واظب عليها أبو العباس وابن عطاء الله وياقوت العرش من بعده، فكانوا لا يسمحون بأخذ العهد لأحد إلا أن يكون وصل مرتبة من المقدرة على المناظرة في العلم. "أًصحاب المقامات العالية" (6)- أبو الحسن الشاذلي.. "سيدي" ال | مصراوى. الأهم من ذلك أن في سيرة أبي الحسن ما يخالف الروايات المعتادة عن تخاذل الصوفية عن نصرة الحق والجهاد والحياة عمومًا، فبخلاف ثراء أبي الحسن ومباشرته عمله، نزل أبو الحسن الشاذلي بنفسه إلى أرض القتال، وقاتل بين صفوف المصريين في موقعة المنصورة عام 1249م صدًا للاعتداء الصليبي على مصر، وكان لوجوده وطلبته أكبر أثر في تحميس المصريين وإثارة حميتهم للقتال وتثبيتهم، وكان يقيم بالجند الليل في المعسكرات فيعظهم ويحبب إليهم طلب الشهادة. كان للشاذلي حال مع الحكام، فكان مهابًا ذا شأن، توسع في الشفاعة منهم لمن يطلبها حتى روجع في ذلك فلم يرجع، لذا كان مقصد كل من له حاجة عند سلطان أو صاحب جاه. ترك أبو الحسن الشاذلي خلفه فرقة من أهم الفرق الصوفية في مصر وطريقة ذات تاريخ ممتد ومتقاطع مع نقاط هامة من التاريخ المصري ولليوم، فالحكم العطائية ما هي إلا نتاج ابن عطاء الله السكندري، تلميذ أبي العباس، وعلم متوارث عنه، لها من الانتشار والتأثير ما لها، يكفيها عدد الشروح التي كتبت لها والمجالس التي تقام لقراءتها.
من أقوال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
ثم يخرج في حجته الأولى فلما يصل مصر حتى كانت رسائل أبو البراء قد سبقت إلى حاكمها وأوغرت صدره على الشاذلي، فيأمر بحبسه في الإسكندرية ثم يعود ويتركه بعد أن ذاعت أخبار كراماته، فيخرج للحج ثم يعود إلى تونس فترة ثم منه إلى مصر ليمكث في الإسكندرية ويتزوج وينجب بها ويجلس للتعليم والتربية، كان يحضر مجلسه ثلة من العلماء والفقهاء أمثال العز بن عبد السلام، وابن دقيق العيد، وابن الصلاح، وابن الحاجب، وجمال الدين عصفور. وفي عام 656هـ، خرج أبو الحسن الشاذلي في طريقه إلى الحج فخيم وأصحابه بـ (حميثرة) جنوب مصر بمحاذاة مكة، فلما خلا بنفسه بعد أن أشهد بالعهد لأبي العباس، فاضت روحه إلى ربه. أبو الحسن الشاذلي .. العارف والقطب الرباني | تاريخكم. كان لمنهج أبي الحسن الشاذلي تمايز عن مناهج الصوفية المتبعة في تربية النفس، فلم يكن يميل إلى إفقارها وإلباسها الخشن والرث، بل كان يلبس الثياب الفاخرة ويعتني بهيئته ولا يلبس الخرق ولا لباس الصوفية المعهود، ولا يحبذ التفرغ بل كانت له الضياع والبساتين والمواشي يباشر شئون رعايتها، وكان يحث على ذلك ويحبب في العمل وكسب المعاش. سأله أبو العباس عن ذلك مرة فقال: «اعرف الله وكن كيف شئت»، وكان يقول: «ليس هذا الطريق رهبانية، ولا بأكل الشعير والنخالة، ولا بقبقة الصناعة، وإنما بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية»[1].
قال رضي الله عنه: لما قدمت عليه وهو ساكن مغارة برباطة في رأس الجبل اغتسلت في عين في أسفل الجبل وخرجت عن علمي وعملي وطلعت عليه فقيراً وإذ به هابط علي, فلما رآني قال مرحباً بعلي بن عبد الله بن عبد الجبار, فذكر نسبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال لي: ياعلي طلعت إلينا فقيرا عن علمك وعملك فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة, فأخذني منه الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن فتح الله على بصيرتي. وبعد أن انتهت فترة إقامة سيدي أبي الحسن عند شيخه سيدي عبد السلام بن مشيش قال له شيخه وهو يودعه: يا علىّ ارتحل إلى إفريقيا واسكن بها بلدا تسمى (شَاذِلَةَ)، وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس، ويؤتى عليك من قبل السلطنة، وبعد ذلك تنتقل إلى أرض المشرق وبها ترث القطابة. انْتَقَلَ أبو الحسن إلى شاذلة، ورأى التفاف الناس حوله، فعزم أن يذهب إلى جبل زغوان في محيط شاذلة، حيث تفرغ للعبادة والمجاهدة دهرا طويلا، حتى انتقل إلى تُونُسَ، فالتف عليه جماعة من الفضلاء، ثم كثر المريدون وأخذوا يزدادون يوما بعد يوم، إلى أن اجتمع عليه خلق كثير، فدب الحسد في قلب رجل يقال له ابن البراء وهو في منصب قاضٍ، فوشى به عند السلطان، ولكن الله تعالى حماه.
&Quot;أًصحاب المقامات العالية&Quot; (6)- أبو الحسن الشاذلي.. &Quot;سيدي&Quot; ال | مصراوى
المطبعة المليجية سنة1323، (ص229).
و هذا الدعاء فيه من التعدي الكثير، فإنه لا يجوز لنا أن نسأل ما جعله الله لأنبيائه من هذه المعجزات فتسخير الجن والشياطين لسليمان كان شيئاً خاصاً بسليمان فقط، ولذلك روى البخاري بإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((جاءني عدو الله إبليس بشهاب من نار ليضعه في وجهي ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقاً بسارية المسجد يلعب به صبيان المدينة)). وأما نار إبراهيم الذي يسأل الشاذلي ربه أن يسخرها له!! فإن الله - عز وجل - جعلها برداً وسلاماً على إبراهيم في مناسبة خاصة وذلك بعد أن تعرض لما تعرض له من البلاء، ولم يسأل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ربه ذلك، وكذلك إلانة الحديد لداود إنما كان لأنه يأكل من عمل يده فكافأه الله بأن ألان له الحديد وعلمه صنعة الدروع، فكان هذا من الله فضلاً له للمناسبة التي فيه.. أما أن يأتي رجل ليس بنبي فيسأل الله جميع معجزات الأنبياء فلا شك أن يكون قد تعدى في الدعاء وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التعدي في الدعاء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَومٌ يَعتَدُونَ فِي الطَهُور وَالدٌّعَاءِ)). [أبو داود وابن ماجه]. والحق أننا إذا قارنا هذا التعدي الموجود في أدعية أخرى لهان الأمر فها هو الشاذلي نفسه يقول في دعائه أيضاً: ((اللهم هب لي من النور الذي رأى به رسولك - صلى الله عليه وسلم -، ما كان ويكون، ليكون العبد بوصف سيده لا بوصف نفسه.
أبو الحسن الشاذلي .. العارف والقطب الرباني | تاريخكم
فالسائر إلى الله إذا أدى الفرائض واجتنب المنهيات وأحب الله ورسوله كان وصوله إلى الله أسرع ممن جاهد نفسه بالمجاهدات والرياضات والعبادات مع افتقاد الحب الذي هو جناح الطيران إلى حضرة الرحمن، وكل منهما المجتهد في العبادات والمحب مع إقامة الفرائض يرجى لهما الوصول، بل إن المحبين مجتهدون في عبادتهم ففى الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه". فالمحب من فرط حبه لله يكثر من النوافل بعد إقامته للفرائض محبة في حبيبه خالصة له لا يدنس عبادته دنس رياء ولا يفسدها عجب، فهو بمحبته غائب عن حظ نفسه في العبادة بل هي خالصة لله رب العالمين.
فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ [الأحزاب: 53] فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: "يا علي ادخل"(100). فمن يكن هذا شأنه ومقامه ومكانته لا يستبعد عنه أن يقول: "لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة"(101). وأيضاً: "أعطيت سجلاً مدّ البصر، فيه أصحابي وأصحاب أصحابي إلى يوم القيامة عتقاء من النار"(102). وعلى ذلك ينقل عنه الإسكندري عن شيخه أبي العباس المرسي خليفة أبي الحسن الشاذلي وتلميذه الخاص به أنه قال: " قال لي عبد القادر النقاد، وكان من أولياء الله: اطلعت البارحة على مقام الشيخ أبي الحسن. فقلت له: وأين مقام الشيخ؟ فقال: عند العرش. فقلت له: ذاك مقام تنزل لك الشيخ فيه حتى رأيته. وإلا مقامه فهو فوق ذلك، وقد صرّح بذلك حيث يواصل كلامه فيقول: "ثم دخلت أنا وهو على الشيخ، فلما استقر بنا المجلس قال الشيخ رضي الله عنه: رأيت البارحة عبد القادر النقاد بالمنام فقال لي: أعرش أنت أم كرسيّ؟ فقلت له: دع عنك ذا. الطينة أرضية. والنفس سماوية.