أي: ألم تَرَوا -أيُّها النَّاسُ- أنَّ اللهَ وَحْدَه هو مَنْ ذلَّل لأجْلِكم وقيامِ مَصالحِكم ما في السَّمواتِ مِن شَمسٍ وقَمَرٍ ونُجومٍ وسَحابٍ ورياحٍ وغَيرِها، وما في الأرضِ مِن حَيواناتٍ وزُروعٍ وأشجارٍ وأنهارٍ وبحارٍ ومعادِنَ، وغيرِ ذلك مِن منافِعَ كثيرةٍ لا تُحصى. (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً). أي: وأتَمَّ عليكم نِعَمَه الكثيرةَ الوافيةَ، وأوسعَكم وغَمَرَكم بها، ظاهِرةً كانت أو باطِنةً. المصدر:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ). أي: ألم تَرَ أنَّ اللهَ ذلَّل لكم جميعَ ما في الأرضِ، كالحَيَواناتِ والأشجارِ والأنهارِ، وسهَّل لكم أنواعَ الانتِفاعِ بها. (وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ). أي: وذلَّل لكم السُّفُنَ تجري في البِحارِ بقُدرتِه وتَيسيرِه، فتَحمِلُكم وتَحمِلُ بَضائِعَكم مِن مَوضِعٍ إلى آخَرَ. اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ). أي: ويُمسِكُ اللهُ السَّماءَ بقُدرتِه؛ كيْ لا تَسقُطَ على الأرضِ فيَهلِكَ مَن فيها، إلَّا إذا أذِنَ اللهُ لها بالوُقوعِ، فتَقَعُ بإذنِه. (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
فلو افترضنا أن الله قال سأخلق مخلوقاً جديداً في الأرض، لما تكلمت
الملائكة. ولكن الذي جعلهم يتكلمون هو سماعهم لكلمة ( خليفة). أي كأنهم
فهموا أن الله قال لهم سأجعل الأرض تحت رحمة مخلوق، أو
سأسلم الأرض إلى يد
مخلوق. ففهم الملائكة أن هذا المخلوق (الذي منحه الله هذه الصلاحية
والسلطة) يستطيع أن يفعل بالأرض ما يشاء
(يستطيع أن يُغيّر فيها إصلاحاً أو
إفساداً). ولذلك رجّحوا أن الأرض سوف تفسد، ما دامت
تحت رحمة مخلوق
(يستطيع
أن يتحكم ويتصرف بها). فهم يرون بالبديهة، أن الأرض لا تصلح إلا إذا كانت
فقط تحت تصرف خالقها. وأحب أن أضيف عبارة رائعة منسوبة للمسيح ( إنجيل
متى 19-17 لماذا تدعوني
صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله). اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء. فالملائكة لم يعترضوا على جعل
مخلوق جديد في الأرض (مجرد مخلوق كغيره ممن سبقه من مخلوقات أرضية لا
يستطيع أن يتصرف ويتحكم بالأرض) ، ولكنهم اعترضوا على جعل
خليفة
(أي على
مخلوق يستطيع التصرف والتحكم بالأرض). وقد أجاد صاحب تفسير المنار وفصّل ووضّح
(فليراجع تفسيره كما كتبه)
[وأما الإنسان... يكون له به
السلطان على هذه الكائنات،
فيسخرها ويذللها...
يتصرف بمجموعه في الكون
تصرفا لا حد له...
وملكه
الأرض... حتى غيّر شكل الأرض].
اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء
ولأجل ذلك نبأنا العليم الخبير بما خصّ به آدم من العلم في ذات سياق القصة، لتدرك الملائكة على إثرها حقيقة التكريم وطبيعة المكانة التي حظي بها الإنسان وفضل ما لديه من العلم. فتخيّل معي بعد كل ما تقدّم أن يأتي هذا الإنسان -المُشرَّف بالتكريم الإلهي وهذا الدور المحوري- ليحصر مهمته في التسبيح والتقديس، ظانًّا أن هذا مقتضى وجوده والغاية المطلقة لخلقه! يقصر نشاطه على العبادات الشعائرية في المسجد ودور العبادة، ويترك ساحات التعليم ومنابر الإعلام ومنصات القضاء ومراكز الاستثمار لمن لا يعرف للكون خالقًا وإلهًا. واضعًا بذلك كل ما حباه الله إياه من إمكانيات وقدرات خلف ظهره، ليظلم بذلك نفسه أولاً وبني جنسه ثانياً. نعم، سوف يرتقي في روحانياته وتسمو به حالته الملائكية وتغشاه السكينة والطمأنينة في صلاته وصيامه وسائر عباداته إن أخلص فيها وأصاب، لكنه ما دام قاصرًا جهده على هذا الباب فقد جانب الصواب. الشيخ بسام جرار" سؤال الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء - YouTube. هو بذلك على الحقيقة يترك الميدان للمفسدين في الأرض الذين تحدّثت عنهم الملائكة الكرام، يسلّمهم الراية متناسيًا -أو لعلّه متجاهل- التكليف الذي شُرِّف به وأُعطي بحق مؤهلاته. قد يُخيّل إليه أن ذلك هو الأسلم للجميع.
الروابط المفضلة
الروابط المفضلة