القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا (٦١) ﴾
يقول تعالى ذكره: لئن لم ينته أهل النفاق الذين يستسرون بالكفر ويظهرون الإيمان ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ يعني: ريبة من شهوة الزنا وحب الفجور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن عمرو بن علي قال: ثنا أَبو عبد الصمد قال ثنا مالك بن دينار عن عكرمة في قوله ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: هم الزناة. ⁕ حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا سعيد عن قتادة ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: شهوة الزنا. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأحزاب - الآية 60. ⁕ قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا أَبو صالح التمار قال: سمعت عكرمة في قوله ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: شهوة الزنا. ⁕ حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عمن حدثه عن أَبي صالح ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: الزناة.
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأحزاب - الآية 60
- مالك ابن الريب الحلقه 17
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأحزاب - الآية 60
في تفسير هذه الآيات: توعد -سبحانه- أهل النفاق والإرجاف فقال: لئن لم ينته المنافقون عما هم عليه من النفاق، والمرجفون في المدينة عما يصدر منهم من الإرجاف بذكر الأخبار الكاذبة المتضمنة لتوهين جانب المسلمين، وظهور المشركين عليهم فسوف يصيبهم ما ذكر بعد..
– والإرجاف في اللغة: إشاعة الكذب والباطل، من الرجفة وهي: الزلزلة. – يقال رجفت الأرض: أي تحركت، فالمرجفون قوم يتلقون الأخبار فيحدثون بها في مجالس ونواد، ويخبرون بها من يسأل ومن لا يسأل. كانوا يخبرون عن سرايا المسلمين بأنهم هزموا، وتارة بأنهم قتلوا، وتارة بأنهم غلبوا ونحو ذلك مما تنكسر له قلوب المسلمين من الأخبار، فتوعدهم الله -سبحانه- بقوله: {لنغرينك بهم} أي لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد بأمرنا لك بذلك. وهم الذين قال الله فيهم {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} (النساء:83)، فهذه الأوصاف لأصناف من الناس، وكان أكثر المرجفين من اليهود وليسوا من المؤمنين، لأن قوله عقبه (لنغرينك بهم) لا يساعد أن فيهم مؤمنين. وقيل معنى الآية: أنهم إن أصروا على النفاق لم يكن لهم مقام بالمدينة إلا وهم مطرودون، سنّة الله في الذين خلوا من قبل أي: سنّ الله ذلك في الأمم الماضية وهو لعن المنافقين، وأخذهم، وتقتيلهم، وكذا حكم المرجفين، وصرح هنا بما كني عنه في الآيات السالفة؛ إذ عبر عنهم بالمنافقين، فعلم أن الذين يؤذون الله ورسوله هم المنافقون ومن لف لفهم.
⁕ حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله ﴿وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ هم أهل النفاق أيضًا الذين يرجفون برسول الله ﷺ وبالمؤمنين. وقوله ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾
يقول: لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم. ⁕ حدثني علي قال ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ يقول: لنسلطنك عليهم. ⁕ حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾: أي لنحملنك عليهم لنحرشنك بهم. قوله ﴿ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا﴾
يقول: ثم لننفينهم عن مدينتك فلا يسكنون معك فيها إلا قليلا من المدة والأجل، حتى تنفيهم عنها فنخرجهم منها. كما:-
⁕ حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ﴿ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا﴾ أي بالمدينة. وقوله ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا﴾
يقول تعالى ذكره: مطرودين منفيين ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ يقول: حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بالله تقتيلا. ⁕ حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ﴿مَلْعُونِينَ﴾ على كل حال ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وقتلوا تَقْتِيلا﴾ إذا هم أظهروا النفاق.
سعيد: فإن أنا أغنيتك عن ذلك واستصحبتك أتكف عما تفعله؟
مالك: نعم أكف كفًا لم يكف أحد أحسن منه. كان مالك قد مل حياة الصعلكة والتلصص، والإغارة وقطع الطريق، وأحسّ بالحنين إلى بعض الهدوء والاستقرار، فلقى عرض سعيد بن عثمان عنده قبولًا، فصحبه في سفره إلى بلاد فارس، وفي أثناء الطريق احتاج سعيد إلى بعض اللَّبن، فطلب صاحب إبله فلم يجده، فقام مالك بن الريب فحلبها له وأحسن في ذلك، فعرض عليه سعيد أن يكون مسؤولًا عن الإبل مقابل أجر، فرفض مالك ذلك رفضًا قاطعًا، فهو ما خرج مع سعيد إلّا من أجل السيف والفتوحات، ولا ترضى نفسه بحياة الدَّعةِ والخُمُول، وهو ما تفطَّن له سعيد فأقره على رغبته، وشارك مالك سعيدًا في فتوحاته، ولم يعرف عنه أنه عاد إلى حياة الصعلكة بعد ذلك أبدًا.
مالك ابن الريب الحلقه 17
ـ معجم الشعراء، المرزباني، القاهرة، مكتبة القدسي، 1354ﻫ، ص364. ـ المنتخب من أدب العرب، طه حسين ورفقاؤه، القاهرة، مطبعة الأميرية، 1938، ج1، ص41، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصرية،
1932، ج2، ص76. ـ مهذب الأغاني، الخضري، القاهرة، مطبعة مصر، ج5، ص10. ـ نوادر المخطوطات، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، مطبعة السعادة،
1951، ج2، ص168. ـ الوساطة بين المتنبي وخصومه،
الجرجاني، دمشق، مطبعة العرفان، 1912 ، ص154، 156،
211. * المجلات: ـ اسم المجلة، العدد، الصفحة، السنة. ـ الأزهر، 4، 220، 1944. ـ الثقافة، 14، 43، 1939. عنيزه فخر القصيم - الصفحة 3 - هوامير البورصة السعودية. ـ الثقافة، 666، 30، 1951. ـ صوت العراق، 22، 21، 1951. * * *
رغم أنهم أعيوا جنود بني أمية سنواتٍ طويلة، إلا أن مالك بن الريب وجماعته لم يَسلَمُوا من المضايقات، فقد قُبِضَ على مالك وأودِع في سجن مكة قبل أن يستشفع له شماس بن عقبة المازني عند الوالي ليطلق سراحه. ولكن طاردهم والي المدينة حينها مروان بن الحكم، وقبضوا على مالك وأبي حردبة، قبل أن يتمكن مالك من الفرار وإنقاذ رفيقه، ليلوذوا بعدها بالفرار إلى نواحي فارس، كما قبض الحجاج بن يوسف الثقفي على شظاظ الضبي، فلم يكتف بجلده تطبيقًا لحد السرقة، بل قام بصلبه في البصرة عقابًا له. من «الصعلكة» إلى الجهاد؟ مالك بن الريب يرثي نفسه
كانت نهاية مسيرة «الصعلكة» تلك على يد الصحابي سعيد بن عثمان بن عفان، الذي كان معاوية بن أبي سفيان قد ولّاه على خراسان، وفي أثناء طريقه إليها مرّ بمالك بن الريب وأصحابه، فأُعجِبَ به وبهيئته وشخصيته، فنهى سعيد مالكًا عن أفعاله، وتعجب أن يراه متخذًا طريق الصعلكة والسلب والنهب مع ما فيه من الشرف والفضل، وأغراه أن يترك هذا الطريق مقابل أن يصحبه معه إلى بلاد فارس فيشارك في الفتوحات هناك، حيث دار بينهما الحوار التالي:
سعيد: ويحك يا مالك! مالك ابن الريب الحلقه6. تُفسد نفسك بقطع الطريق، وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العيث والفساد، وفيك هذا الفضل؟
مالك: أصلح الله الأمير يحملني على ذلك العجز عن المعالي، ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان.