وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: يسهل له أمره, وييسره عليه, ويجعل له فرجاً قريباً, ومخرجاً عاجلاً. * الصبر الجميل:
قال الله جل جلاله: ( فاصبر صبرا جميلا) [المعارج:5] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الصبر الجميل صبر بلا شكوى. إن مع العسر يسرا لا تحزن. وقال العلامة السعدي رحمه الله: الصبر الجميل, الذي لا يصحبه تسخط, ولا جزع, ولا شكوى للخلق. وقد صبر نبي الله يعقوب عليه السلام الصبر الجميل, قال عز وجل: ( قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا)[يوسف:83]
وكانت نتيجة هذا الصبر أن فرج الله كربه, وجمع بينه وبين يوسف وأخيه عليهم الصلاة والسلام, بعد سنين طويلة من الفرقة والشتات. وإن مما يعين المسلم على هذا الصير أمور, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: هذه ثلاثة أشياء تبعث على الصبر على البلاء: أحدها: ملاحظة حسن الجزاء, وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخفُّ حملُ البلاء لشهود العوض. الثاني: انتظار روح الفرج, يعني راحته ونسيمه ولذته, فإن انتظاره ومطالعته وترقُّبه يخفف حمل المشقة, ولا سيما عند قوة الرجاء والقطع بالفرج. الثالث: تهوين البلية بأمرين:
أحدهما: أن يعدَّ نعم الله عليه وأياديه عنده, فإن عجز عن عدِّها وأيس من حصرها, هان عليه ما هو فيه من البلاء, ورآه بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه كقطرةٍ من بحر.
فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
»؛ صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3653. عباد الله، لقد سلَك الإسلامُ كُلَّ سبيلٍ في غَرْسِ رُوحِ التفاؤلِ بالخير في المجتمع المسلمِ، فأمَرَنا -صلى الله عليه وسلم - بأنْ نَلْقى إخوانَنا بوَجْهٍ طَلْقٍ، حتى نُشِيعَ في المجتمع روحَ التفاؤلِ والأمل، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَإِن مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إِنَاءِ أَخِيكَ"؛ سنن الترمذي الصفحة أو الرقم: 1970. كما أمرَنا -صلى الله عليه وسلم- بإفشاء السلام بينَنا حتى تَسُودَ المحبَّةُ والأُلفة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: "والَّذي نَفْسي بيدِهِ، لا تَدخُلوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تَحابُّوا، أفلا أدُلُّكم على أمْرٍ إذا فعَلْتُموهُ تحابَبْتُم، أفشُوا السَّلامَ بينكم"؛ أخرجه أبو داود (5193) واللفظ له، والترمذي (2688) ، وابن ماجه (68) ، وأحمد (10650) ، وأمَرَنا كذلك بمُجالسةِ الجليسِ الصالحِ الذي يُشبِهُ حاملَ المِسْك؛ حتى نَتلَمَّسَ من مصاحبته روحَ الصلاحِ والخير.
يا موطني هل أنا من كنتَ تعرفهُ أم لستَ أنتَ الذي قد كنتُ أوصفهُ
أحسُّ أني غريبٌ لا أكادُ أرى إلَّآ خيالاً لما قد كنتُ أعزفهُ
عُدْ بي إليك أقَبِّلْ تَرْبَةً ، فَبِها صَبَبْتُ من رمقي دمعاً أكفكفهُ
ولا تدعهمْ ينالوا من محبتنا فبعضهمْ ليس يرضينا تَصرفُهُ
لكنَّهمْ لن يهزُّوا شَعْرةً فبنا فيما غرست لنا ما سوف ينسفهُ
من يأكل القرط المعروف يلمسهُ طفحا مع الجلد ، مِمَّا ليس يألفهُ
و نَحْنُ لَمَّا نزل نؤمن بأنَّ لنا في العسر يسرا وهذا ما نُكيِّفهُ
شمس المفاخر
الكرسي
فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين: قوله: {إِن يَتَّخِذُونَكَ}. {إنْ} نافيةٌ و {هُزُوًا} مفعولٌ ثانٍ، ويحتمل أَنْ يكونَ التقديرُ: موضعَ هُزْء، وأَنْ يكونَ مَهْزُوًَّا بك. وهذه الجملةُ المنفيةُ تحتمل وجهين، أحدهما: أنها جوابُ الشرطية. واختصَّت {إذا} بأنَّ جوابها متى كان منفيًا ب ما أو إنْ أو لا، لا يَحْتاج إلى الفاءِ، بخلافِ غيرِها مِنْ ِأدواتِ الشرط. فعلى هذا يكون قولُه: {أهذا الذي} في محلِّ نصبٍ بالقولِ المضمرِ. وذلك القولُ المضمرُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ أي: إنْ يَتَّخذونك قائلين ذلك. أرأيت من اتخذ إلهه هواه. والثاني: أنَّها جملةٌ معترضةً بين {إذا} وجوابِها، وجوابُها: هو ذلك القولُ المضمرُ المَحْكيُّ به {أهذا الذي} والتقديرُ: وإذا رَأَوْك قالوا: أهذا الذي بعثَ، فاعترض بجملة النفي. ومفعولُ {بَعَثَ} محذوفٌ هو عائدٌ الموصولِ أي: بَعَثَه. و {رسولًا} على بابِه من كونِه صفةً فينتصبُ على الحالِ. وقيل هو مصدرٌ بمعنى رِسالة فيكونُ على حَذْفِ مضافٍ أي: ذا رسولٍ، بمعنى: ذا رسالة، أو يُجْعَلُ نفسَ المصدرِ مبالغةً، أو بمعنى مُرْسَل. وهو تكلُّف. قوله: {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا} قد تقدَّم نظيرُه في سبحان. قوله: {لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا} جوابُها محذوفٌ أي: لضَلَلْنا عن آلهتِنا، قال الزمخشري: ولولا في مثلِ هذا الكلامِ جارٍ من حيث المعنى لا من حيث الصنعةُ مَجْرى التقييدِ للحكمِ المطلقِ.
أرأيت من اتخذ الهه هواه بغير هدى من
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)}. كانوا يعبدون من الأصنام ما يَهْوَوْن؛ يستبدلون صنمًا بصنم، وكانوا يَجْرُون على مقتضى ما يقع لهم. والمؤمنُ بِحُكْمِ اللَّهِ لا بحكم نفسه، وبهذا يتضح الفرقان بين رجل وبين رجل. والذي يعيش على ما يقع له فعابِدُ هواه، وملتحِقٌ بالذين ذكرهم الحقُّ بالسوءِ في هذه الآية. {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}. كالأنعام التي ليس لها هَمٌّ إلاَّ في أَكْلَةٍ وشَرْبَة، ومَنْ استجلب حظوظَ نَفْسِه فكالبهائم. أرأيت من اتخذ الهه هواه بغير هدى من. وإنَّ الله- سبحانه- خَلَقَ الملائكةَ وعلى العقلِ جَبَلَهم، والبهائمَ وعلى الهوى فَطَرَهم، وبنى آدم ورَكّبَ فيهم الأمْرَيْن؛ فَمَنْ غًلَبَ هواه عَقْلَه فهو شرُّ من البهائم، ومَنْ غَلَبَ عَقْلُه هواه فهو خيرٌ من الملائكة... كذلك قال المشايخ. قال السبكي: قوله تعالى: {أَرَأَيْت مَنْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ} سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا الْحَسَنِ عَلَاءَ الدِّينِ الْبَاجِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَقُولُ: لِمَ لَا قِيلَ اتَّخَذَ هَوَاهُ إلَهَهُ؟ وَمَا زِلْت مُفَكِّرًا فِي الْجَوَابِ حَتَّى تَلَوْت الْآنَ مَا قَبْلَهَا، وَهُوَ قوله: {وَإِذَا رَأَوْك} إلَى قوله: {إنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} فَعَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ الْبَاطِلُ الَّذِي عَكَفُوا عَلَيْهِ وَصَبَرُوا وَأَشْفَقُوا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْهُ فَجَعَلُوهُ هَوَاهُمْ.
وإلاهَةً مفعولٌ ثانٍ قُدِّم لكونِه نكرةً، ولذلك صُرِفَ. وقيل: الإَهَةً هي الشمسُ. ورُدَّ هذا: بأنَّه كان ينبغي أن يمتنعَ من الصرفِ للعلميةِ والتأنيث. وأُجيب بأنها تدخُل عليها أل كثيرًا فلمَّا نُزِعَتْ منها صارَتْ نكرةً جاريةً مجرى الأوصافِ. ويُقال: أُلاهَة بضمِّ الهمزةِ أيضًا اسمًا للشمس. وقرأ بعضُ المدنيين {آلهةً هواه} جمع إلَه، وهو أيضًا مفعولٌ مقدَّمٌ، وجمُِع باعتبارِ الأنواعِ، فقد كان الرجلُ يعبُدُ آلهةً شَتى. ومفعولُ {أرأيتَ} الأولِ {مَنْ} والثاني: الجملةُ الاستفهاميةُ. أرأيت من اتخذ الهه هواه الغناء 2. اهـ.. من لطائف وفوائد المفسرين:. من لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)}. كانت تكون له سلوة لو ذكر حالته وشكا إليه قصته، فإذا أخبر اللَّهُ وقصَّ عليه ما كان يلاقيه كان أَوْجَبَ للسَّلْوَةِ وأقربَ من الًانْس، وغايةُ سلوةِ أربابِ المحن أن يذكروا لأحبائهم ما لقوا في أيام امتحانهم كما قال قائلُهم: يودُّ بأن يمشي سقيمًا لَعَلَّها ** إذا سمعت منه بشكوى تراسله ويهتزُّ للمعروفِ في طَلَبِ العلَى ** لتُذْكَرَ يومًا عند سلمى شمائلُه وأخبر أنهم كانوا ينظرون إليه- عليه السلام بعين الازدراءِ ولاتصغيرِ لشأنه؛ لأنهم كانوا لا يعرفون قَدْرَه، قال تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198].