محنة الشافعي في العراق
ارتبطت رحلته الأولى إلى العراق بعداء العباسيين لأتباع العلويين، أبناء علي بن أبي طالب، وخوفهم من بناء كيان موازٍ يستند إلى نفس الرابطة، ولتمسك الشافعي برفع ظلم والي نجران عن الناس وشى الأخير إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد، بوجود أشخاص من أتباع العلويين، منهم الشافعي، إلا أن حجة الشافعي وشهادة القاضي محمد بن الحسن، بما له من العلم والفقه نجحتا في إخراجه من تلك المحنة. وكان لتمسك الإمام الشافعي بإقامة العدل وتحري الحقائق دور في اتهامه مرة بالتشيع وأخرى بمناصبة العلويين العداء، وهو ما رد عليه بالأبيات التالية، وفقًا لكتاب "الشافعي.. حياته وعصره وآراؤه الفقهية":
إذا نحنُ فَضَّلنا عليًّا فإننا.. محمد بن إدريس الشافعي (Author of ديوان الإمام الشافعي). روافضُ بالتفضيلِ عندَ ذوي الجهل
وفضلُ أبي بكرٍ إذا ما ذكرتُهُ.. رُميتُ بِنَصبٍ عندَ ذِكْريَ للفضلِ
فلا زلتُ ذا رفضٍ ونصبٍ كلاهما.. بحُبيهما حتى أُوَسدَ في الرملِ
في مصر مذهب جديد ينسخ القديم
ارتحل الشافعي من العراق إلى مصر عام 199 هـ لعدة أسباب، منها تولِّي المأمون الخلافة وتقريبه المعتزلة على حساب الفقهاء، ما أنتج لاحقًا فتنة خلق القرآن. وأضاف عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق، د.
محمد بن إدريس الشافعي.. ثالث الأئمة ومؤسس علم أصول الفقه - شبكة رؤية الإخبارية
[ ص: 5] الإمام الشافعي ( خت ، 4)
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، الإمام ، عالم العصر ، ناصر الحديث ، فقيه [ ص: 6] الملة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي ، الغزي المولد ، نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وابن عمه ، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب. اتفق مولد الإمام بغزة ، ومات أبوه إدريس شابا ، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه ، فخافت عليه الضيعة ، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين ، فنشأ بمكة ، وأقبل على الرمي ، حتى فاق فيه الأقران ، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ، ثم أقبل على العربية والشعر ، فبرع في ذلك وتقدم. ثم حبب إليه الفقه ، فساد أهل زمانه. وأخذ العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وعمه محمد بن علي بن شافع ، فهو ابن عم العباس جد الشافعي ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، وسعيد بن سالم ، وفضيل بن عياض ، وعدة. ولم أر له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه ، وكان معه بمكة. محمد بن إدريس الشافعي.. ثالث الأئمة ومؤسس علم أصول الفقه - شبكة رؤية الإخبارية. وارتحل -وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة- إلى [ ص: 7] المدينة ، فحمل عن مالك بن أنس " الموطأ " عرضه من حفظه ، -وقيل: من حفظه لأكثره- وحمل عن: إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر ، وعبد العزيز الدراوردي ، وعطاف بن خالد ، وإسماعيل بن جعفر ، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.
الإمام محمد بن إدريس الشافعي - المكتبة الإسلامية العامة
وكان أخوال الشافعي من الأزد. عن ابن عبد الحكم قال: لما حملت والدة الشافعي به ، رأت كأن [ ص: 10] المشتري خرج من فرجها ، حتى انقض بمصر ، ثم وقع في كل بلدة منه شظية ، فتأوله المعبرون أنها تلد عالما ، يخص علمه أهل مصر ، ثم يتفرق في البلدان. هذه رواية منقطعة. وعن أبي عبد الله الشافعي ، فيما نقله ابن أبي حاتم ، عن ابن أخي ابن وهب عنه ، قال: ولدت باليمن -يعني القبيلة ، فإن أمه أزدية- قال: فخافت أمي علي الضيعة ، وقالت: الحق بأهلك ، فتكون مثلهم ، فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك ، فجهزتني إلى مكة ، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين ، فصرت إلى نسيب لي ، وجعلت أطلب العلم ، فيقول لي: لا تشتغل بهذا ، وأقبل على ما ينفعك ، فجعلت لذتي في العلم. الإمام محمد بن إدريس الشافعي - المكتبة الإسلامية العامة. قال ابن أبي حاتم: سمعت عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان ، فلما أتى علي سنتان ، حملتني أمي إلى مكة. وقال ابن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومائة وحملت إلى مكة ابن سنتين. [ ص: 11]
قال المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي -رحمه الله- وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته. قال الربيع المؤذن: سمعت الشافعي يقول: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر ، قال: وكنت أصيب من العشرة تسعة.
محمد بن إدريس الشافعي (Author Of ديوان الإمام الشافعي)
ولما أصل أهل الزيغ والضلال هذا الأصل ردوا ما تنازع فيه الناس من هذا الباب إلى منطق اليونان ، وخيالات الأذهان ، ووحي الشيطان ، ورأي فلان وفلان ، وهؤلاء يتناولهم قوله سبحانه { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} والطاغوت اسم لكل ما تعدى حده وتجاوز طوره ، ومعلوم أن هذا الذي يتحاكم إليه أهل الزيغ حده أن يكون محكوما عليه لا حاكما. ثم أخبر تعالى عن حال هؤلاء المتحاكمين إلى غير ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم فقال [ ص: 546] ( { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} فجعل الإعراض عما جاء به الرسول والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدود بحكمه والتسليم لما حكم به رضى واختيارا ومحبة ، فهذا حقيقة الإيمان ، وذلك الإعراض حقيقة النفاق. ثم أخبر سبحانه عن عقوبة المعرضين عن التحاكم إليه الراضين بحكم الغير من خلقه في قوله: { فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا} فأخبر أن هذا الإعراض عن التحاكم إليه سبب لأن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم كما قال في الآية الأخرى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقال في المتولين عن حكمه { فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم}.
وقال المزني وحرملة عن الشافعي: إذا وجدتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى أحد. قال البخاري: سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي فأتاه رجل فسأله عن مسألة فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ، فقال الرجل للشافعي: ما تقول أنت ؟ فقال: سبحان الله تراني في كنيسة ، تراني في بيعة ، ترى على وسطي زنارا ، أقول قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ، وأنت تقول لي ما تقول أنت ؟. وقال المزني وحرملة عن الشافعي: إذا وجدتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى أحد. وقال الربيع عن الشافعي: ليس لأحد قول مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الربيع: وسمعته روى حديثا فقال له الرجل: أتأخذ بهذا يا أبا عبد الله ؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب. وتذاكر الشافعي وإسحاق بمكة وأحمد بن حنبل حاضر ، فقال الشافعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " « وهل ترك لنا عقيل من دار » " فقال إسحاق حدثنا يزيد عن الحسن ( ح) وأخبرنا أبو نعيم وعبدة عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أنهما لم يكونا يريانه يعني بيع رباع مكة فقال الشافعي لبعض من عرفه: من هذا ؟ قال إسحاق: إبراهيم الحنظلي ، فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم ، ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك ، فكنت آمر بفرك أذنيه ، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت: عطاء وطاوس ومنصور عن إبراهيم والحسن ، وهل لأحد مع رسول الله قول.
اهـ. "زاد المعاد " ( 5 / 33). ب. وإن كان عالماً بالتحريم ، جاهلاً بما يترتب عليه من حد أو كفارة أو غير ذلك: فيجب إقامةُ الحدِّ عليه لجرأته على فعل الحرام ، ويجب عليه إخراج الكفارة إن كان الذنب له كفارة. والدليل: حديث " ماعز " - رضي الله عنه - واعترافه على نفسه بالزنى ، وفيه قوله " يَا قَوْمِ رُدُّوني إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ قَوْمي قَتَلُوني وَغَرُّوني مِنْ نَفْسِي " رواه أبو داود ( 4420) وجوّد إسنادَه الألبانيُّ رحمه الله في " الإرواء " ( 7 / 354) ، فهذا الصحابي رضي الله عنه كان عالماً بالتحريم جاهلاً بالعقوبة. سحابة. قال ابن القيم رحمه الله: وفيه: أنَّ الجهل بالعقوبة لا يُسقِط الحدَّ إن كان عالماً بالتحريم فإنَّ "ماعزاً" لم يعلم أنَّ عقوبته القتل ، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحدَّ عنه. " زاد المعاد " ( 5 / 34). وكذلك الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان حيث كان عامداً عالماً بحرمته – كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 4 / 207) - بدليل قوله " هَلَكْتُ " ، وفي رواية " احْتَرَقْتُ " ، فقد أوجب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه الكفارة ولم يعذره بجهله بها ، رواه البخاري ( 1834) ومسلم ( 1111).
سحابة
ليلة بدء نزول القرآن على قلب محمد ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته وفي حياة البشرية جميعاً. العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ؟)
والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحديث تكاد تزف وتنير... بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود. نور الله المشرق في قرآنه: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر) ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى:
( تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقاً مع نور الوحي ونور الملائكة، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود: ( سلام هي حتى مطلع الفجر)
واسمها (ليلة القدر)... قد يكون معناه التقدير والتدبير. وقد يكون معناه القيمة والمقام. وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم. حكم عن العلم و الجهل. حدث القرآن والوحي والرسالة. وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود. والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري: ( وما أدراك ما ليلة القدر ؟). فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن. وإفاضة هذا النور على الوجود كله، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وشريعة وآداب.
141 مقولة عن اقوال عن الجهل: