ثانيهما: أن تكون للعطف تقديرها وخلق من الجبال. وقد نبهت الآية الكريمة إلى العلاقة بين الماء الواحد _ عديم اللون من أصل خلقه _ والثمرات _المختلف ألوانها _ وتسري العلاقة نفسها على ماء واحد _ عديم اللون _ وأرض هي الأخرى _ مختلف ألوانها _ إذ إن تقدير الكلام: أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها كاختلاف ألوان الثمرات، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك _ أي كاختلاف ألوان الثمرات وجدد الجبال _ فمن الناس الأبيض والأحمر وكذلك الأسود.. فيكون في الآية إيجاز حذف جملة (كاختلاف ألوان الثمرات).. وجملة أخرى كاختلاف ألوان الثمرات وجدد الجبال).. وقد تم التعويض عنها وإيجازها بكلمة ( كذلك). وأضاف الزمخشري في قوله تعالى: (ومن الجبال جدد) فقال: ( أراد ذو جدد)[17] فيكون فيها حذف للمضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والجدد، الخطط والطرائق [18]، وقد يكون المعنى المراد بالجدد، الأنواع [19] ، فسياق الآية يتناول أنواع المخلوقات كالجبال والنبات والإنسان. ولقد جيء في جملة ( ومن الجبال جدد) و( من الناس والدواب والأنعام) بالاسمية دون الفعلية على عكس ( فأخرجنا به ثمرات) وذلك لأن ألوان الناس والدواب والأنعام وكذلك جدد الجبال يكون تغير ألوانها غير ظاهر لذلك ابتدأ بالجملة الاسمية، لأنها تفيد الثبات.. أما تغير ألوان الثمرات فهو ظاهر ومحسوس لذلك جاء وصفها بالجملة الفعلية لإفادتها التغير والتجدد فهي مقرونة بالزمان.
ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها – مدونة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
وقد يكون من السهل على البشر ملاحظة ظاهرة تعدد الألوان في الكائنات الحية من نباتات وحيوانات مهما كان نوع البيئة التي يعيشون فيها إلا أن ملاحظة تعدد الألوان في الجبال ليس بتلك السهولة ولا تتاح إلا لمن أكثر السفر في أرجاء الأرض. إن السر الأعظم في ظاهرة الألوان لا يكمن في الألوان نفسها بل يكمن في الطريقة التي أبدعها الله عز وجل في أعين البشر لكي يدركوا هذه الألوان فألوان الأجسام ما هي إلا طيف من الموجات الضوئية التي تنعكس عن سطوحها. فشبكية العين تتكون من نوعين من الخلايا الحساسة للضوء فالنوع الأول هي العصيات ( Rods) والتي تستجيب لشدة الضوء فقط بغض النظر عن لونه وهي شديدة الحساسية للضوء الخافت وكذلك لحركة الأجسام ويبلغ عددها مائة وثلاثون مليون خلية تقريبا وهي ترسم صورة الأجسام بلا ألوان كما في تلفزيونات الأبيض والأسود. أما النوع الثاني فهي المخاريط ( Cones) والتي تستجيب للضوء الشديد أي أنها منخفضة الحساسية ولكنها في المقابل قادرة على تمييز الألوان حيث يوجد منها ثلاثة أنواع تستجيب للألوان الرئيسية الثلاث وهي الأحمر والأخضر والأزرق ويبلغ عددها سبعة ملايين خلية تقريبا موزعة بنسبة 64% للحمراء و 32% للخضراء و 4% للزرقاء.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ﴾ قَبْلَهُ مَحْذُوفٌ إلَيْهِ يَعُودُ الضَمِيرُ، تَقْدِيرُهُ: "والأنْعامِ خَلْقٌ مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ"، والدَوابُّ يَعُمُّ الناسَ، والأنْعامَ ولَكِنْ ذُكِرا تَنْبِيهًا مِنهُما. وقَوْلُهُ: ﴿ "كَذَلِكَ"﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونُ مِنَ الكَلامِ الأوَّلِ فَيَجِيءُ الوَقْفُ عَلَيْهِ حَسَنًا، وإلى هَذا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِنَ الكَلامِ الثانِي، يَخْرُجُ مَخْرَجَ السَبَبِ، كَأنَّهُ قالَ: كَما جاءَتِ القُدْرَةُ في هَذا كُلِّهِ إنَّما يَخْشى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ، أيِ المُحَصِّلُونَ لِهَذِهِ العِبَرِ، الناظِرُونَ فِيها.
أكرمهم الله سبحانه وتعالى بالأمن والطمأنينة في أوطانهم التي حماهم الله سبحانه وتعالى فيها من الأعداء والمتسلطين، فاتخذوا من هذه الطمأنينة سلماً للبغي والطغيان سلماً إلى الجحود والكفران. أكرمهم الله سبحانه وتعالى بكل ما يمكن أن تتصوروه من النعم الظاهرة والباطنة، ولكنهم بدلاً من أن يتخذوا من هذه النعم سبيلاً إلى مرضاة الله عز وجل وسبيلاً إلى غرس محبة الله عز وجل في أفئدتهم وقلوبهم جعلوا من هذه النعم كلها حجاباً حجبوا أنفسهم به عن الله سبحانه وتعالى. يذكرهم المذكرون فيشيحون بوجوههم ويشيحون بأسماعهم. ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار - الآية 28 سورة إبراهيم. يُنبههم المنبهون إلى عظات الله وإلى بليغ أوامر الله سبحانه وتعالى فيشمئزون من التبليغ والمبلغين ويرون أن الزمن قد عف على هذا كله، وأن القديم أصبح بالياً ما ينبغي أن يحفل العقلاء به. وينبههم المنبهون ويحذرهم المحذرون وتتلى آيات الله سبحانه وتعالى عليهم في المناسبات وآناء الليل وأطراف النهار، ولكنهم قد اتخذوا من نعمة الله سبحانه وتعالى عوامل سدت منافذ آذانهم، وغشت على بصائرهم، ولفت الران على أفئدتهم وقلوبهم. وما أتصور أن في أنواع اللؤم لؤماً أشد وأسوء من أن يتخذ الإنسان من النعم والمكرمات التي يسديها أي منعم وأي متفضلٍ عليه، يتخذ منها أداةً لحرب هذا المتفضل المنعم، فكيف عندما يكون المنعم رب العالمين؟!
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة ابراهيم - الآية 28
طريقة العرض:
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور
اظهار التعليقات
ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً - منتدى الكفيل
ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار.. | الشيخ #سعود_الشريم #shuraim ١٤٣٨ - YouTube
ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار - الآية 28 سورة إبراهيم
وكيف عندما يكون المنعم مالك الملك كله؟! هؤلاء الذين خلوا مع الزمن يلفت بيان الله عز وجل أنظارنا إليهم وينبهنا إلى مكان العبرة في مصيرهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) بدلاً من أن يجعلوا من هذه النعم التي ذكرت جزءاً يسيراً جداً جداً منها، بدلاً من أن يجعلوا من هذه النعم سبيل عودة إلى الله وإصطلاح مع الله والتزامٍ لأوامر الله عز وجل، جعلوا من هذه النعم سلاحاً بل أسلحة ليقابلوا المنعم المتفضل بالكفران: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) ماذا كانت العاقبة؟ كانت العاقبة أن أحلوا قومهم دار البوار، أحلوا قومهم دار الهلاك.
سورة إبراهيم الآية رقم 28: قراءة و استماع
قراءة و استماع الآية 28 من سورة إبراهيم مكتوبة - عدد الآيات 52 - Ibrāhīm - الصفحة 259 - الجزء 13. ﴿ ۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ ﴾ [ إبراهيم: 28]
Your browser does not support the audio element. ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ﴾
قراءة سورة إبراهيم
حدثنا بشر بن معاذ ، قال: ثنا يزيد بن زريع ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) كنا نحدث أنهم أهل مكة: أبو جهل وأصحابه الذين قتلهم الله يوم بدر ، قال الله: ( جهنم يصلونها وبئس القرار). حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله ( وأحلوا قومهم دار البوار) قال: هم قادة المشركين يوم بدر ، أحلوا قومهم دار البوار ( جهنم يصلونها). حدثنا يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) قال: هؤلاء المشركون من أهل بدر. وقال آخرون في ذلك ، بما حدثني به محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عمي ، قال: حدثني أبي عن ابن عباس ، قوله ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها) فهو جبلة بن الأيهم ، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( وأحلوا قومهم دار البوار) قال أهل التأويل. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة ابراهيم - الآية 28. حدثني المثنى ، قال: ثنا عمرو بن عون ، قال: أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ( وأحلوا قومهم دار البوار) قال: أحلوا من أطاعهم من قومهم.