المُسْتَحَبُّ: مَا يُثَابُ فَاعِلُهُ امْتِثَالًا، وَلَا يُعَاقَبُ تَارِكُهُ ، هذا تعريف المستحب؛ من حيث حكمُه وثمرتُه العائدةُ على المكلف. ولو قيل: المستحب ما أمر به الشارع ليس على سبيل الحتم، والإلزام، بحيث يثاب فاعله امتثالًا، ولا يعاقب تاركه، لكان أدقَّ؛ لأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره. والمستحب لُغَةً: المحبوب ، ضد المكروه [1]. ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. وقد تقدَّم تعريفه اصطلاحًا. أسماء المستحب:
من أسماء المستحب: المندوب، والسُّنَّة، والتطوع، والطاعة، والنَّفل، والقُرْبة، والمرغَّب فيه، والإحسان [2]. صيغ المستحب:
من الصيغ التي تفيد الاستحباب [3]:
الأولى: كل أمر صريح إذا وُجدت قرينةٌ تَصرِفه من الوجوب إلى الندب:
مثال [1]: قول الله تعالى: ﴿ كَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ [النور: 33] ، فإن هذا الأمر للاستحباب، والقرينة الصارفة هي السنة التقريرية، فقد أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابةَ الذين لم يكاتِبُوا [4]. مثال [2]: قول الله تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 282] ، فإن هذا الأمر للاستحباب، والقرينة الصارفة هي السُّنة الفعلية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى جمل جابر رضي الله عنه ولم يُشهِد عليه [5].
الواجب ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه صح او خطأ - الفجر للحلول
[4] المكاتَبة: هي تعليق حرية العبد على أقساط معلومة يدفعها العبد على فترات معلومة؛ [انظر: المطلع على ألفاظ المقنع، صـ (384)]. [5] متفق عليه: رواه البخاري (2718)، ومسلم (715)، عن جابر رضي الله عنه. [6] صحيح: رواه أبو داود (1281)، وأحمد (20552)، وصححه الألباني. [7] صحيح: رواه النسائي (2210)، وابن ماجه (1328)، وأحمد (1660)، عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، وصححه أحمد شاكر، وضعفه الألباني. [8] حسن: رواه أبو داود (354)، والترمذي (497)، وحسنه، والنسائي (1380)، وابن ماجه (1091)، وأحمد (20174)، وحسنه الألباني. ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه - موقع سؤالي. [9] صحيح: رواه مسلم (1163)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. [10] صحيح: رواه البخاري (5283)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا»، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ رَاجَعْتِهِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ» قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ.
ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه - موقع سؤالي
مثال [3]: قوله صلى الله عليه وسلم: ((صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ))، ثُمَّ قَالَ: ((صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ شَاءَ)) [6]. الثانية: التصريح بأن ذلك سُنةٌ:
مثال: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل فَرَض صيام رمضان، وسَننتُ قِيَامَهُ)) [7]. الثالثة: التصريح بالأفضلية الواردة من الشارع. ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله. مثال [1]: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ)) [8]. مثال [2]: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ المُحرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ)) [9]. الرابعة: كل عبارة تدل على الترغيب:
مثال [1]: قوله صلى الله عليه وسلم لبريْرَةَ: ((لَوْ رَاجَعْتِهِ)) [10]. مثال [2]: قوله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) [11]. مثال [3]: قوله صلى الله عليه وسلم: ((تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً)) [12]. مثال [4]: قوله صلى الله عليه وسلم: ((صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، صَوْمُ الدَّهْرِ))، وَسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: ((يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ))، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: ((يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ)) [13].
[22] صحيح: رواه الترمذي (732)، والنسائي في الكبرى (3295)، وأحمد (26893)، عن أم هانئ رضي الله عنها، وصححه الألباني. [23] انظر: مذكرة في أصول الفقه، صـ (14). [24] صحيح: رواه أبو داود (864)، والترمذي (413)، و ابن ماجه (1425)، وأحمد (9494)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني. [25] انظر: الموافقات، للشاطبي (1 /239).
وقيل: المعنى لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا فلك في الآخرة أفضل منه. وقيل: لا تحزن عليهم إن صاروا إلى العذاب فهم أهل العذاب. فائدة في قوله تعالى:{واخفض جناحك للمؤمنين}. واخفض جناحك للمؤمنين أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم. وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ ، فجعل ذلك وصفا لتقريب الإنسان أتباعه. ويقال: فلان خافض الجناح ، أي وقور ساكن. والجناحان من ابن آدم جانباه; ومنه واضمم يدك إلى جناحك وجناح الطائر يده. وقال الشاعر: وحسبك فتية لزعيم قوم يمد على أخي سقم جناحا أي تواضعا ولينا.
واخفض جناحك للمؤمنين - أرشيف صحيفة البلاد
وارتياح الأستاذ لآثار نجابة الطلاب مما يزيدهم جدًّا في الطلب, ويشعرهم باستعدادهم لأن يكونوا في النوابغ, وإنما ينبغ الناشئ في العلم متى سطع في نفسه مثل هذا الشعور, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلَّموا العلم وعلِّموه الناس, وتعلموا له الوقار والسكينة, وتواضعوا لمن تعلمتم منه ولمن علمت والمتواضع من يعرف قدره, ولا يأبى أن يرسل نفسه في وجوه الخير، وما يقتضي من حسن المعاشرة. واخفض جناحك للمؤمنين - أرشيف صحيفة البلاد. وإذا كان من يحتفظ بالعزة, ولا يصرف وجهه عن التواضع, هو الرجل الذي يُرجى لنفع الأمة, ويستطيع أن يخوض في كلِّ مجتمع, ضافي الكرامة, أنيس الملتقى, شديد الثقة بنفسه- كان حقًّا على من يتولَّى تربية الناشئ أن يتفقده في كلِّ طور, حتى إذا رأى فيه خمولًا وقلة احتراس من مواقع المهانة- أيقظ فيه الشعور بالعزة, والطموح إلى المقامات العلا حتى يتعلَّم أن المجد المؤثَّل لا يقوم إلا على دعائم العزة والتواضع. وعزّة النفس تعطي جمال لصاحبها وفخر ووقار لهُ بين الناس وتعطي مكانة في نفوس الآخرين وفي قلوبهم, والعزة هي الوقار التي يتحلى بها الشخص والتي يحترمها كل من يشاهدهُ والتي ينشرح لها العظماء والكبار من الناس. فالعزّة والعلم كخليط جميل يخرج أجمل ما في الإنسان ففي العلم الوقار والعزّة, وكما يقولون: من يعش بلا مبدأ يموت بلا كرامة, فالعزّة هي بوابة المبادئ الموجودة في الحياة والتي تندرج تحتها كل المبادئ التي قد يعرفها الإنسان فهي العمود الوحيد للمبادئ.
فائدة في قوله تعالى:{واخفض جناحك للمؤمنين}
ثم ساق المؤلِّف الآية الثانية، وهي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ ﴾ [المائدة: 54]؛ أي من يَرجِعْ منكم عن دينه فيكون كافرًا بعد أن كان مؤمنًا. وهذا قد يقع من الناس؛ أن يكون الإنسان داخلًا في الإسلام عاملًا به، ثم يزيغه الشيطان - والعياذ بالله - حتى يرتدَّ عن دينه، فإذا ارتدَّ عن دينه فإنه لا يكون وليًّا للمؤمنين، ولا يكون معينًا للمؤمنين؛ ولذا قال: ﴿ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54] يعني بقوم مؤمنين، ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾. ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ ﴾ [المائدة: 54]، فهم في جانب المؤمنين أَذِلَّةٌ لا يترفعون عليهم، ولا يأخذون بالعزة عليهم، ولكنه يَذِلُّونَ لهم، أما على الكفار فهم أعزةٌ مترفِّعون؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا تبدؤوا اليهودَ والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيَقِه)) إذلالًا لهم، وخذلانًا لهم؛ لأنهم أعدى أعداء لك، وأعداء لربِّك، وأعداء لرسولك، وأعداء لدينك، وأعداء لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
20381 - حَدَّثَنِي يُونُس, قَالَ: أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب, قَالَ: قَالَ اِبْن زَيْد, فِي قَوْله: { وَاخْفِضْ جَنَاحك لِمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: يَقُول: لِنْ لَهُمْ. وَقَوْله: { وَاخْفِضْ جَنَاحك} يَقُول: وَأَلِنْ جَانِبك وَكَلَامك { لِمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} كَمَا. ' تفسير القرطبي قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين} خص عشيرته الأقربين بالإنذار؛ لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك. وعشيرته الأقربون قريش. وقيل: بنو عبد مناف. ووقع في صحيح مسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين). وظاهر هذا أنه كان قرآنا يتلى وأنه نسخ؛ إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر. ويلزم على ثبوته إشكال؛ وهو أنه كان يلزم عليه ألا ينذر إلا من آمن من عشيرته؛ فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام وفي حب النبي صلى الله عليه وسلم لا المشركون؛ لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهم صلي الله عليه وسلم؛ فلم يثبت ذلك نقلا ولا معنى.