القاعدة الخامسة والأربعون: يهب لمن يشاء ما يشاء! قال الله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى]. هذه الآية عظيمة تشتمل على قاعدة جليلة! العلم بها ومراعاتها تذهب مشكلات كثير من البيوت! تأمل قوله تعالى: {یَهَبُ} إذًا هي منحة، هي هبة! ومن هو الواهب المتفضل؟ هو الله عز وجل! ولو استحضرنا ذلك لما وقعت كثير من المشكلات في البيوت! تجد بعض الأزواج إذا رزق بالبنات دون البنين غضب! يهب لمن يشاء إناثا. وصب جام غضبه على زوجته، وكأنه يحملها المسؤولية! والمسكينة ليس بيدها شيء! يذكر أهل الأخبار أن رجلًا يقال له أبو حمزة الضَّبي، كان تأتيه البنات ولا يأتيه البنين، فهجر زوجته، وكان يقيل ويبيت بمنزل مجاور، فمر يومًا ببيتها فسمعها تهدهد البينة وتغنيها بقولها:
مـا لأبي حمزة لا يـأتينـا *** يظل في البيت الذي يلينا
غضبـان ألّا نـلد البنيـنـا *** تـالله مـا ذلك في أيدينا
ونحن كالأرض لزارعينـا *** ننبت مـا بـذروه فينـا
قالوا: فغدا الشيخ حتى ولج البيت فقبل رأس امرأته ورأس ابنته الصغيرة! وقال: ظلمتكما وربِّ الكعبة!
يهب لمن يشاء إناثا اسلام ويب
قال علماؤنا: فعلى مقتضى هذا الحديث أن العلو يقتضي الشبه ، وقد جاء في حديث ثوبان خرجه مسلم أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لليهودي: ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله... الحديث. فجعل في هذا الحديث أيضا العلو يقتضي الذكورة والأنوثة ، فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه للأعمام والذكورة إن علا مني الرجل ، وكذلك يلزم إن علا مني المرأة اقتران الشبه للأخوال والأنوثة ، لأنهما معلولا علة واحدة ، وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلاف ذلك ، لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة والشبه للأعمام والأنوثة فتعين تأويل أحد الحديثين. والذي يتعين تأويله الذي في حديث ثوبان فيقال: إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم ، ووجه أن العلو لما كان معناه الغلبة من قولهم سابقني فلان فسبقته أي: غلبته ، ومنه قوله تعالى: وما نحن بمسبوقين أي: بمغلوبين ، قيل عليه علا. ويؤيد هذا التأويل قوله في الحديث: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا. يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء ذكورا. وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الأحاديث بناء فقال: إن للماءين أربعة أحوال: الأول: أن يخرج ماء الرجل أولا ، الثاني: أن يخرج ماء المرأة أولا ، الثالث: أن يخرج ماء الرجل أولا ويكون أكثر ، الرابع: أن يخرج ماء المرأة أولا ويكون أكثر.
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا قال مجاهد: هو أن تلد المرأة غلاما ثم تلد جارية ثم تلد غلاما ثم تلد جارية. وقال محمد بن الحنفية: هو أن تلد توأما ، غلاما وجارية ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا. قال القتبي: التزويج هاهنا هو الجمع بين البنين والبنات ، تقول العرب: زوجت إبلي إذا جمعت بين الكبار والصغار. ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير أي لا يولد له ، يقال: رجل عقيم ، وامرأة عقيم. وعقمت المرأة تعقم عقما ، مثل حمد يحمد. يهب لمن يشاء إناثا اسلام ويب. وعقمت تعقم ، مثل عظم يعظم. وأصله القطع ، ومنه الملك العقيم ، أي: تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق خوفا على الملك. وريح عقيم ، أي: لا تلقح سحابا ولا شجرا. ويوم القيامة يوم عقيم; لأنه لا يوم بعده. ويقال: نساء عقم وعقم ، قال الشاعر [ هو أبو هبل]: عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في الأنبياء خصوصا وإن عم حكمها. وهب للوط الإناث ليس معهن ذكر ، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى ، ووهب لإسماعيل وإسحاق الذكور والإناث ، وجعل عيسى ويحيى عقيمين ، ونحوه عن ابن عباس وإسحاق بن بشر.
يهب لمن يشاء إناثا
ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يبلغ أحدٌ من أولاده الذكور، كلهم ما توا قبل البلوغ وهو رسول الله صلى الله عليه والسلام! بل ماتت بنياته كلهن في حياته إلاّ فاطمة رضي الله عنها بقيت بعده قليلًا! فيا من لم ترزق الولد لا تأس لعل الله قد أراد بك خيرًا! فالله عليم حكيم، ولا تيأس وابذل الأسباب، فالله كما قال: {عَلِيمٌ قَدِيرٌ}، وفي ختم الآية بهذا الاسم إشارة إلى الأمل لطيفة! القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة الشورى - الآية 51. كم بلغنا من أخبار النساء من لم تحمل إلا بعد عشر سنوات، وأخرى بعد خمسة عشر عامًا، والله على كل شيء قدير! ولا مانع من استخدام العلاج المشروع، وأنص على المشروع لأن هناك وسائل لا تجوز، فالغاية لا تبرر الوسيلة، وعلى المسلم أن يرجع إلى فتاوى العلماء والمجامع الفقهية ليعرف ما يجوز وما لا يجوز، فاتق الله وأجمل في الطلب، وارض بما قسم، وأمل الخير في الدارين. * للاطلاع على القاعدة الرابعة والأربعين..
الشكوى التي يسمع الله لها! * للاطلاع على القاعدة السادسة والأربعين..
إن الشيطان لكم عدو!
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد الله, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) ليس فيهم أنثى ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) تلد المرأة ذكرا مرّة وأنثى مرّة ( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) لا يولد له. وقال ابن زيد: في معنى قوله: ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) قال: أو يجعل في الواحد ذكرا وأنثى توأما, هذا قوله: ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا). وقوله: ( إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما يخلق, وقدرة على خلق ما يشاء لا يعزب عنه علم شيء من خلقه, ولا يعجزه شيء أراد خلقه.
يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء ذكورا
فقد علم أنها صادقة! أعرف أحد الأزواج جاءته البنات فتزوج امرأة أخرى -وليس الإشكال في أنه تزوج بأخرى- يقول: يريد الأولاد! فجاءته بنات، وتزوج ثالثة فجاءته بنات! إن الذي يهب هو الله. إن من مقتضى الإيمان بقدر الله تعالى أن نرضى بما يقسمه الله تعالى، ولا ينافي هذا أن نتوجه إلى الله تعالى ونطلب منه أن يرزقنا الذرية الطيبة المباركة. فالواجب على الذي يرزق بالبنات أن لا يتسخط نعمة الله تعالى، فضلًا عن أن يحمل الزوجة مسؤولية ذلك! سر تقديم الإناث على الذكور ومغزى تنكيرهن في الشورى - إسلام ويب - مركز الفتوى. ومن الجهل أن يتصور الزوج أن زوجته تريد البنت ولا تريد الابن! وأنها تفرح بالبنات دون الأبناء! إن البنات حجاب من النار إن صبر عليهن، وأحسن تربيتهن، كما بيَّن النبيُ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة! وما يدريه لعل هؤلاء البنات خير له في العاجل والآجل! كم من الأبناء -ولا أقلل من قيمتهم- كان سببًا لشقاء الرجل، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن]، بل وصف بعضهم بالعداوة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن]، فليرضى الإنسان، بالقدر، وليحمد الله على ما رزقه.
فتقديم الإناث كان لغرض التعبير عن انَّ الأمر بيده وانَّه يجري بمقتضى تقديره وإرادته لا انَّه يجري بمقتضى تقدير الإنسان وإرادته وإلا لكان مريدًا للذكور دون الإناث أو مريدًا لتكثير الذكور وتقليل الإناث. منشأ تقديم الذكور في ذيل الآية:
وأمَّا منشأُ تقديم الذكور في ذيلِ الآية على الإناث فلعلَّه لغرضِ التأكيد أيضاً على انَّ أمر الإنجاب خاضعٌ لمشيئته فهو تارةً يقدِّر تقديم الإناث على الذكور وأُخرى يُقدِّر تقديمَ الذكور على الإناث، وقد يكون منشأُ تقديمِ الذكور في ذيل الآيةِ هو بيان انَّ تقديم الإناث في صدر الآية لم يكن لغرض التفضيل وإلا لاقتضى ذلك التقديم مطلقًا، فهو يُقدِّم الإناث تارةً في الذكْر ويؤخِّر ذِكرَهنَّ تارةً أخرى للتعبير عن انَّه لا فَرق عنده بين الذكور والإناث. تعريف الذكور دون الإناث:
وأما تعريف الذكور فلانَّ الإنسان المخاطَب بمقتضى ثقافته يرجو من زواجه الذكور، ولهذا كان هذا المعنى حاضرًا في ذهنه، فالمُناسب بمقتضى اللغة هو التعريف بلامِ العهد المعبَّر عنه بالعهد الذهني، فحينما يكون الشيء حاضراً في الذهن لأيِّ سببٍ كان فإنَّ المُناسب لغةً هو تعريفُه لغرضِ الإشارة إلى انَّ المقصود من الخطاب هو ذلك الشيء المعهود.