وقالوا: فلهذا قيل: قصر مشيد ؛ لأنه واحد فجعل بمنزلة قولهم: [ ص: 555] " كبش مذبوح. وقالوا: جائز في القصر أن يقال: قصر مشيد بالتشديد ؛ لتردد البناء فيه والتشييد ، ولا يجوز ذلك في كبش مذبوح ؛ لما ذكرنا.
إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة النساء - تفسير قوله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "- الجزء رقم2
وعولجت فبرئت ، فشبت ، وكانت تبغي ، فأتت ساحلا من سواحل البحر ، فأقامت عليه تبغي ، ولبث الرجل ما شاء الله ، ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير ، فقال لامرأة من أهل الساحل: ابغيني امرأة من أجمل امرأة في القرية أتزوجها ، فقالت: ههنا امرأة من أجمل الناس ، ولكنها تبغي. قال: ائتيني بها ، فأتتها فقالت: قد قدم رجل له مال كثير ، وقد قال لي: كذا ، فقلت له: كذا ، فقالت: إني قد تركت البغاء ، ولكن إن أراد تزوجته ، قال: فتزوجها ، فوقعت منه موقعا ، فبينا هو يوما عندها إذ أخبرها بأمره ، فقالت: أنا تلك الجارية ، وأرته الشق في بطنها ، وقد كنت [ ص: 553] أبغي ، فما أدري بمئة أو أقل أو أكثر. قال: فإنه قال لي: يكون موتها بعنكبوت. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة النساء - قوله تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة - الجزء رقم5. قال: فبنى لها برجا بالصحراء وشيده. فبينما هما يوما في ذلك البرج ، إذا عنكبوت في السقف فقالت: هذا يقتلني ؟ لا يقتله أحد غيري فحركته فسقط ، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدخته ، وساح سمه بين ظفرها واللحم ، فاسودت رجلها فماتت. فنزلت هذه الآية: أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ". 9959 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج: ولو كنتم في بروج مشيدة ، قال: قصور مشيدة.
إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة النساء - قوله تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة - الجزء رقم5
وقيل: الحسنة: السلامة والأمن ، والسيئة: الأمراض والخوف. وقيل: الحسنة: الغنى ، والسيئة: الفقر. وقيل: الحسنة: النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر ، والسيئة: البلية والشدة والقتل يوم أحد. وقيل: الحسنة: السراء ، والسيئة: الضراء. هذه أقوال المفسرين وعلماء التأويل - ابن عباس وغيره - في الآية. وأنها نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنها لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. قال ابن عباس: ومعنى من عندك أي بسوء تدبيرك. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - القول في تأويل قوله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "- الجزء رقم8. وقيل: من عندك بشؤمك ، كما ذكرنا ، أي بشؤمك الذي لحقنا ، قالوه على جهة التطير. قال الله تعالى قل كل من عند الله أي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله ، أي بقضاء الله وقدره. فمال هؤلاء القوم يعني المنافقين لا يكادون يفقهون حديثا أي ما شأنهم لا يفقهون أن كلا من عند الله.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - القول في تأويل قوله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "- الجزء رقم8
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فما قلت يا عمر ؟ " قال: قلت: الحسنات والسيئات من الله تعالى. إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة النساء - تفسير قوله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "- الجزء رقم2. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل ، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر ، وقال جبريل مقالتك يا عمر فقال: نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض. فتحاكما إلى إسرافيل ، فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله ". ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال " احفظا قضائي بينكما ، لو أراد الله ألا يعصى لم يخلق إبليس ". قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة.
** ورد عند الواحدى:
(*) قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لمّا استشهد الله من المسلمين من استُشْهِد يوم أُحُد قال المنافقون الذين تخَلَّفوا عن الجهاد: لو كان إخواننا الذين قُتِلوا عندنا ما ماتوا وما قُتِلوا. فأنزل الله تعالى هذه الآية
** ورد عند القرطبى
قوله تعالى: " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً "
(*) لما أُصيب أهل أُحُد ، قالوا: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فرد الله عليهم " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ " قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه.
وقال قتادة: في قصور محصنة. وقاله ابن جريج والجمهور ، ومنه قول عامر بن الطفيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ وقال مجاهد: البروج القصور. ابن عباس: البروج الحصون والآطام والقلاع. ومعنى مشيدة مطولة ، قاله الزجاج والقتبي. عكرمة: المزينة بالشيد وهو الجص. قال قتادة: محصنة. والمشيد والمشيد سواء ، ومنه وقصر مشيد والتشديد للتكثير. وقيل المشيد المطول ، والمشيد المطلي بالشيد. يقال: شاد البنيان وأشاد بذكره. وقال السدي: المراد بالبروج بروج في السماء الدنيا مبنية. وحكى هذا القول مكي عن مالك وأنه قال ألا ترى إلى قوله تعالى: والسماء ذات البروج و جعل في السماء بروجا ولقد جعلنا في السماء بروجا. وحكاه ابن العربي أيضا عن ابن القاسم عن مالك. وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال: في بروج مشيدة معناه في قصور من حديد. قال ابن عطية: وهذا لا يعطيه ظاهر اللفظ. الثانية: هذه الآية ترد على القدرية في الآجال ، لقوله تعالى: أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة فعرفهم بذلك أن الآجال متى انقضت فلا بد من مفارقة الروح الجسد ، كان ذلك بقتل أو موت أو غير ذلك مما أجرى الله العادة بزهوقها به. وقالت المعتزلة: إن المقتول لو لم يقتله القاتل لعاش.
ومن أعظم الأمانات الوظائفُ والأعمال والمناصبُ وحقوقها؛ فمن أدَّى ما يجب لله -تعالى- عليه فيها وحقَّق بها مصالحَ المسلمين التي أنيطَت بها والتي وُجدت لأجلها - فقد نصح لنفسِه وعمل خيراً لآخرته، ومن قصّرَ في واجباتِ وحقوق الوظائف والمناصب ولم يؤدِّ ما أُنيط بها من منافع العباد أو أخذَ بها رشوةً أو اختلس بها مالاً للمسلمين - فقد غشّ نفسَه وقدّم لها زادا يرديها، وغدر بنفسه وظلمها. وفي صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا جمعَ الله الأوَّلين والآخرين يوم القيامة يُرفَع لكل غادر لواء ويقال: هذه غَدرة فلان بن فلان ". إنا عرضنا الأمانة - ملتقى الخطباء. ومن أعظَم الأمانات الودائعُ والحقوق التي أمنك الناس عليها؛ فقد روى أحمد والبيهقي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: " القتلُ في سبيل الله يكفّر الذنوبَ كلّها إلا الأمانة "، قال: " يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربِّ، كيف وقد ذهبتِ الدنيا! فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنطلَق به إلى الهاوية، وتُمثّل له الأمانة كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظنَّ أنه خارج اخْلولت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبدَ الآبدين ".
انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال
[١١]
عدم قتل النساء والصبيان حيث وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً في بَعْضِ تِلكَ المَغَازِي، (فَنَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ). [١٢]
ما يقوم به من يخلف الغازي في أهله لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (... انا عرضنا الامانه على السموات والارض. وما مِن رَجُلٍ مِنَ القاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ المُجاهِدِينَ في أهْلِهِ فَيَخُونُهُ فيهم، إلَّا وُقِفَ له يَومَ القِيامَةِ، فَيَأْخُذُ مِن عَمَلِهِ ما شاءَ، فَما ظَنُّكُمْ؟). [١٣]
الأمانة في النصيحة وكتم الأسرار
يقول -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ) ، [١٤] ويُعدَّ تقديم النصح للآخرين من الأمانة، فلا يطلب النصيحة إلّا من يحتاجها ليصلح حاله بها، وقد يطلب النصيحة لأمرٍ خاصٍّ لا يرغب في أن يعرفه أحد، فعلى الناصح أن يحفظ أمانته ولا ينشر سِرَّه أبداً. [١٥] قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا حدَّث رجلٌ رجلًا بِحَديثٍ ثمَّ التفَتَ؛ فهوَ أمانةٌ)، [١٦] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (المستشارُ مؤتمنٌ) ، [١٧] فعلى من يُعطي النصيحة أن يكون أميناً بها، فيعطي النصيحة بما يناسب حالُ طالبها، ولا ينصحه بما يضرُّه.
انا عرضنا الامانه على السموات والارض
[٢٠] الأمانة في الأسرة
يقول -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ). [٢١] فالبيت أمانة وجب على الزوج أن يُراعيها ؛ بحسن اختيار الزوجة، وحسن تربية الأبناء، والإنفاق على الأُسرة من غير بُخل أو إسراف، والمرأة مستأمنةٌ على بيتها، وعلى تربية أبنائها، وحسن الإنفاق من مال زوجها. وتشمل الأمانة خصوصية العلاقة بين الزوج والزوجة، فيحرُم كشف أسرار الزوجية؛ بل يُعدُّ ذلك من خيانة الأمانة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مِن أَعْظَمِ الأمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا). [٢٢]
المراجع ↑ جامعة المدينة العالمية، الحديث الموضوعي ، صفحة 271. بتصرّف. الأمانة - الشيخ محمد متولي الشعراوي - YouTube. ↑ جامعة المدينة العالمية، الحديث الموضوعي ، صفحة 282. بتصرّف. ↑ سعيد حوى، الأساس في التفسير ، صفحة 1091. بتصرّف. ↑ محمد التويجري، موسوعة فقه القلوب ، صفحة 1229. بتصرّف. ↑ سورة الحزاب، آية:73-72
↑ سورة النساء، آية:58
↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6095، صحيح.
انا عرضنا الامانة سورة الاحزاب
↑ مجموعة مؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية ، صفحة 88. بتصرّف. ↑ محمود الخزندار، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا ، صفحة 517. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:1731، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1744، صحيح. انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:1897، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن تميم الداري، الصفحة أو الرقم:55، صحيح. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب والترهيب، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2025، حسن. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2822، حسن. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم:142، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة، الصفحة أو الرقم:1828، صحيح. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2227، صحيح. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5200، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1437، صحيح.
انا عرضنا الامانه علي السماوات
وآخرُ الحديث يدل على أن الأمانةَ هي الإيمان، وهي الدين وواجباته؛ فالتوحيد -وهو عبادة الله وعدمُ إشراكِ أحدٍ معه في العبادة- أمانةٌ، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والصيام أمانة، والحج أمانة، وصلة الرحم أمانة، والأمرُ بالمعروف أمانة، والنهيُ عن المنكر أمانة، والمال أمانة؛ فلا تستعن به على المعصية، والعين أمانة؛ فلا تنظر بها إلى ما حرّم الله، واليدُ أمانة، والفرج أمانةٌ، والبطن أمانة؛ فلا تأكل ما لا يحلّ لك، والأولادُ عندك أمانة؛ فلا تُضيّع تربيتَهم الصالحة، والزوجات عند الرجال أمانة؛ فلا تُضيّع حقوقهن، وحقوق الأزواج على النساء أمانةٌ، وحقوق العباد الماديَة والمعنوية أمانة؛ فلا تُنتقَص. وقد وعد الله على أداء الأمانات والقيامِ بحقوقها أعظمَ الثواب؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " اكفلوا بستٍّ أكفل لكم بالجنة "، قلت: ما هن يا رسول الله؟ قال: " الصلاة والزكاةُ والأمانة والفرجُ والبطن واللسان " رواه الطبراني، قال المنذري: " بإسناد لا بأس به "، وفي الحديث: " أوَّلُ ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخرُ ما تفقِدون من دينكم الصلاةُ ". والتفريطُ في الأمانات والتضييعُ لواجباتِ الدين يورثُ الخللَ والفسادَ في أحوال الناس، ويُحيل الحياة مُرّةَ المذاق، ويقطَع أواصرَ المجتمع، ويعرّض المصالح الخاصة والعامة للخطر والهدر، ويُفسد المفاهيمَ والموازين، ويؤذِن بخرابِ الكون، قال -صلى الله عليه وسلم وقد سُئل: متى الساعة؟- قال: " إذا ضُيِّعتِ الأمانة فانتظر الساعة ".
انا عرضنا الامانة تفسير
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيقول الله -تعالى-: ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [الأحزاب:72، 73]. إن حِملاً ثقيلاً وواجبًا كبيرا وأمرًا خطيرا عُرِض على الكون سمائه وأرضه وجباله، فوجلت من حمله، وأبت من القيام به؛ خوفاً من عذاب الله -تعالى-، وعُرضت هذه الأمانة على آدم -عليه السلام-، فحمَلها واستقلّ بها؛ ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) أي: الإنسان المفرّط المضيّع للأمانة هو الظلومُ الجهول؛ لا آدم -عليه السلام-. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: " الأمانة الفرائضُ، عرضها الله على السمواتِ والأرض والجبال، إن أدَّوْها أثابهم، وإن ضيّعوها عذبهم، فكرِهوا ذلك وأشفقوا منه من غير معصية لله، ولكن تعظيماً لدين الله -تعالى- ". انا عرضنا الامانة سورة الاحزاب. وقال الحسن البصري -رحمه الله-: " عرضها على السَّبع الطباق الطرائق التي زُيِّنت بالنجوم وحملةِ العرش العظيم، فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا، ثم عرَضها على الأرضين السبع الشداد التي شُدّت بالأوتاد وذُلِّلت بالمِهاد، قال: فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عوقبتِ، قالت: لا، ثمَّ عرضها على الجبال فأبت ".
[٥]
الأمانة في الأموال والأعراض
يقول الله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ ، [٦] وتكون الأمانة في الأموال بأن يُؤدّى إلى صاحبه، سواء أكان مال وديعة، أو أجرة عامل، أو حقّاً لوارث، أو مهراً لزوجة، أو مال دَين في رقبته، أو مالاً مرهوناً عنده. [٧] وقد عدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خيانة الأمانة من علامات النفاق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ). [٨] والأمانة في الأعراض تكون في السّتر على المذنب، وكفِّ النَّظر إلى محارم البيوت، وعدم تتبّع عورات الخلق وزلَّاتهم، وحفظ المجالس، وتكون في عِفَّة اللسان عن الذمِّ، والشتم، والغيبة، والنميمة، وعن قذف المحصنات، وسائر آفات اللسان. [٩]
الأمانة في الجهاد
يحمل المجاهد أمانة يُؤديها أثناء الجهاد والقتال، فحتى في ساعة الشِّدَّة والحرب هناك أمانة على المجاهد أن يلتزم بها، ومنها ما يأتي: [١٠]
عدم الغدر أو الخيانة أو الغلول لقوله -صلى الله عيله وسلم- في وصيته للمجاهدين: (اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا).