تفسير سورة التكوير
[ وهي] مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ( 1)
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ( 2)
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ( 3)
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ( 4)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ( 5)
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ( 6)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ( 7)
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ( 8)
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ( 9)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ( 10)
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ( 11)
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ( 12)
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ( 13)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ( 14). القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة يونس - الآية 5. أي: إذا حصلت هذه الأمور
الهائلة، تميز الخلق، وعلم كل أحد ما قدمه لآخرته، وما أحضره فيها من خير وشر،
وذلك إذا كان يوم القيامة تكور الشمس أي: تجمع وتلف، ويخسف القمر، ويلقيان في
النار. (
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) أي: تغيرت، وتساقطت من
أفلاكها. ( وَإِذَا الْجِبَالُ
سُيِّرَتْ) أي:: صارت كثيبا مهيلا ثم صارت كالعهن المنفوش، ثم تغيرت وصارت
هباء منبثا، وسيرت عن أماكنها، ( وَإِذَا الْعِشَارُ
عُطِّلَتْ) أي: عطل الناس حينئذ نفائس أموالهم التي كانوا يهتمون لها
ويراعونها في جميع الأوقات، فجاءهم ما يذهلهم عنها، فنبه بالعشار، وهي النوق التي
تتبعها أولادها، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك عندهم، على ما هو في معناها من كل
نفيس.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة يونس - الآية 5
{فَسَوَّاهَا}
عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة
{وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}
أي: تبعتها.
وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه؟
تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
فأقسم الله بها في حال خنوسها أي: تأخرها، وفي حال جريانها،
وفي حال كنوسها أي: استتارها بالنهار، ويحتمل أن المراد بها جميع النجوم الكواكب
السيارة وغيرها. ( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) أي:
أدبر وقيل: أقبل، ( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) أي: بانت علائم الصبح، وانشق النور شيئا فشيئا حتى يستكمل
وتطلع الشمس، وهذه آيات عظام، أقسم الله بها على علو سند القرآن وجلالته، وحفظه من
كل شيطان رجيم، فقال: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ) وهو: جبريل عليه السلام، نزل به من الله تعالى، كما قال
تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ووصفه الله بالكريم
لكرم أخلاقه، وكثره خصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة، وأعظمهم رتبة عند ربه، ( ذِي
قُوَّةٍ) على ما أمره الله به. ومن قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم
فأهلكهم. ( عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) أي:
جبريل مقرب عند الله، له منزلة رفيعة، وخصيصة من الله اختصه بها، (
مَكِينٍ) أي: له مكانة ومنزلة فوق منازل الملائكة كلهم. ( مُطَاعٍ ثَمَّ) أي:
جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لديه من الملائكة المقربين جنود، نافذ فيهم أمره،
مطاع رأيه، ( أَمِينٍ) أي: ذو أمانة وقيام بما أمر
به، لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدى ما حد له، وهذا [ كله] يدل على شرف القرآن عند
الله تعالى، فإنه بعث به هذا الملك الكريم، الموصوف بتلك الصفات الكاملة.
وسِرُّ الأمْرِ بِ: (الحَسَنِ) أنَّ القَرْضَ لَمّا كانَ يُعْطى بِنِيَّةِ الأخْذِ، لا يُبالِي بِأيِّ شَيْءٍ وأيِّ مِقْدارٍ يُعْطى مِنهُ، فَأُشِيرَ إلى إيثارِ المَقامِ الأرْفَعِ. ولِكَوْنِهِ مُحَقَّقَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ دَلَّ التَّعْبِيرُ بِهِ عَلى تَحَقُّقِ العِوَضِ هُنا. ﴿وما تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكم مِن خَيْرٍ﴾ أيْ: في الدُّنْيا مِن صَدَقَةٍ أوْ نَفَقَةٍ في وُجُوهِ الخَيْرِ، أوْ عَمَلٍ بِطاعَةِ اللَّهِ، أوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِن أعْمالِ البِرِّ ﴿تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هو خَيْرًا وأعْظَمَ أجْرًا﴾ أيْ: ثَوابًا مِمّا عِنْدَكم مِن مَتاعِ الدُّنْيا. قال تعالى (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) في الآية كسران اعتياديان متشابهان هما - حقول المعرفة. ﴿واسْتَغْفِرُوا اللَّهَ﴾ أيْ: سَلُوهُ غُفْرانَ ذُنُوبِكُمْ، ﴿إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ: ذُو مَغْفِرَةٍ لِذُنُوبِ مَن تابَ إلَيْهِ وأنابَ، ورَحْمَةَ أنْ يُعاقِبَكم عَلَيْها بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنها.
قال تعالى (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) في الآية كسران اعتياديان متشابهان هما - حقول المعرفة
وكذلك { { آخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}} فذكر تعالى تخفيفين، تخفيفا للصحيح المقيم، يراعي فيه نشاطه، من غير أن يكلف عليه تحرير الوقت، بل يتحرى الصلاة الفاضلة، وهي ثلث الليل بعد نصفه الأول. وتخفيفا للمريض أو المسافر، سواء كان سفره للتجارة، أو لعبادة، من قتال أو جهاد، أو حج، أو عمرة، ونحو ذلك ، فإنه أيضا يراعي ما لا يكلفه، فلله الحمد والثناء، الذي ما جعل على الأمة في الدين من حرج، بل سهل شرعه، وراعى أحوال عباده ومصالح دينهم وأبدانهم ودنياهم. ثم أمر العباد بعبادتين، هما أم العبادات وعمادها: إقامة الصلاة، التي لا يستقيم الدين إلا بها، وإيتاء الزكاة التي هي برهان الإيمان، وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين، ولهذا قال: { { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}} بأركانها، وشروطها، ومكملاتها، { { وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}} أي: خالصا لوجه الله، من نية صادقة، وتثبيت من النفس ، ومال طيب، ويدخل في هذا، الصدقة الواجبة ؟ والمستحبة، ثم حث على عموم الخير وأفعاله فقال: { { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}} الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذِهِ الآيَةُ، بَلِ السُّورَةُ كُلُّها، مَكِّيَّةٌ. ولَمْ يَكُنِ القِتالُ شُرِعَ بَعْدُ، فَهي مِن أكْبَرِ دَلائِلِ النُّبُوَّةِ؛ لِأنَّهُ مِن بابِ الإخْبارِ بِالمُغَيَّباتِ المُسْتَقْبَلَةِ. الرّابِعُ: قالَ ابْنُ الفَرَسِ: في قَوْلِهِ:
﴿وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ فَضِيلَةُ التِّجارَةِ، لِسَوْقِها في الآيَةِ مَعَ الجِهادِ. أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: ما مِن حالٍ يَأْتِينِي عَلَيْهِ المَوْتُ بَعْدَ الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ، أحَبَّ إلَيَّ أنْ يَأْتِيَنِي وأنا ألْتَمِسُ مِن فَضْلِ اللَّهِ. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ. وقالَ السُّيُوطِيُّ: هَذِهِ الآيَةُ أصْلٌ في التِّجارَةِ. (p-٥٩٦٧)﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ﴾ أيْ: زَكاةَ أمْوالِكم. إعراب سورة المزمل. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا يَدُلُّ لِمَن قالَ بِأنَّ فَرْضَ الزَّكاةِ نَزَلَ بِمَكَّةَ، لَكِنَّ مَقادِيرَ النُّصُبِ والمَخْرَجِ لَمْ تُبَيَّنْ إلّا بِالمَدِينَةِ. ﴿وأقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ يَعْنِي بِهِ بَذْلَ المالِ في سَبِيلِ الخَيْراتِ عَلى أحْسَنِ وجْهٍ، يَكُونُ مِن أطْيَبِ المالِ، وإعْطاءَهُ لِلْمُسْتَحَقِّ مِن غَيْرِ تَأْخِيرٍ، واتِّقاءَ المَنِّ والأذى.
الباحث القرآني
وفِيهِ رَدٌّ مِن غُلُوِّهِمْ في قِيامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ، أوِ الحِرْصِ عَلَيْهِ، شَوْقًا إلى العِبادَةِ، وسَبْقًا إلى الكَمالاتِ. قالَ مُقاتِلٌ: كانَ الرَّجُلُ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، مَخافَةَ أنْ لا يُصِيبَ مِمّا أُمِرَ بِهِ مِن قِيامِ ما فُرِضَ عَلَيْهِ -نَقَلَهُ الرّازِيُّ-. ﴿عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكم مَرْضى﴾ أيْ: يُضْعِفُهُمُ المَرَضُ عَنْ قِيامِ اللَّيْلِ ﴿وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأرْضِ﴾ أيْ: لِلتِّجارَةِ وغَيْرِها، فَيُقْعِدُهم ذَلِكَ عَنْ قِيامِ اللَّيْلِ ﴿وآخَرُونَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: لِنُصْرَةِ الدِّينِ، فَلا يَتَفَرَّغُونَ لِلْقِيامِ فِيهِ ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ﴾ أيْ: مِنَ القُرْآنِ، ولا تُحْرِجُوا أنْفُسَكُمْ؛ لِأنَّهُ تَعالى يُرِيدُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ. تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إلى وُجُوبِ قِيامِ اللَّيْلِ المَفْهُومِ مِنَ الأمْرِ بِهِ طَلِيعَةَ السُّورَةِ، مَنسُوخٌ بِهَذِهِ الآياتِ. رَوى ابْنُ جَرِيرٍ «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كُنْتُ أجْعَلُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَصِيرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَسامَعَ بِهِ النّاسُ فاجْتَمَعُوا، فَخَرَجَ كالمُغْضَبِ -وكانَ بِهِمْ رَحِيمًا- فَخَشِيَ أنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ قِيامُ اللَّيْلِ، فَقالَ: «يا أيُّها النّاسُ؟ اكْلَفُوا مِنَ الأعْمالِ ما تُطِيقُونَ؛ فَإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ مِنَ الثَّوابِ حَتّى تَمَلُّوا مِنَ العَمَلِ، وخَيْرُ الأعْمالِ ما دُمْتُمْ عَلَيْهِ»»؛ ونَزَلَ القُرْآنُ: ﴿يا أيُّها المُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١] ﴿قُمِ اللَّيْلَ إلا قَلِيلا﴾ [المزمل: ٢] الآيَةَ.
وناتج طرحهما 2/ 3 – 1/ 3 هو ١/ ٣ ( 1 على 3)
إعراب سورة المزمل
الاعداد النسبية: الكسور ذكرت في القرآن الكريم.
﴿ وما ﴾ اسم شرط جازم مفعول به مقدم، ﴿ تُقدِّموا ﴾ فعل مضارع مجزوم وهو فعل الشرط، والواو فاعل، ﴿ من خير ﴾ جارٌّ ومجرور متعلقان بحال، ﴿ تجدوه ﴾ فعل مضارع مجزوم وهو جواب الشرط، والواو فاعل، والهاء مفعول به أول، ﴿ هو ﴾ ضمير فصل، ﴿ خيرًا ﴾ مفعول به ثانٍ، ﴿ وأعظم ﴾ عطف على ما تقدم، ﴿ أجراً ﴾ تمييز. معاني الكلمات:
المزمِّل: الملتفُّ بثيابه. قم الليل: صلِّ الليل كله إلا قليلاً منه للنوم. قولاً: قرآنًا. ناشئة الليل: قيام الليل بعد النوم. وطئًا: لتدبر القرآن. وأقوم قيلاً: أبين للقرآن. سبحًا: تصرفًا في العمل. تبتل: انقطع للعبادة. ذرني: دعني. أولي النَّعمة: المتنعمون أمهلهم قليلاً وسيأتي زوالهم. أنكالاً: قيودا. غصَّة: في الحلق من شدته. وَبيلاً: أليمًا. منفطر: متشققة. سبيلاً: طريق هداية.