قال زرارة: فقلت جعلت فداك، فإن أدركت ذلك الزمان فأي شيء أعمل؟
قال: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان فأدم {وفي رواية فألزم} هذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. مستمعينا الافاضل، وقد جاءت صيغة هذا ال دعاء في روايات أخرى عن زرارة أيضاً أنه وبعد أن ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) غيبة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه). قال زرارة: فقلت: وما تأمرني إذا أدركت ذلك الزمان؟
فقال (عليه السلام): أدع الله بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك، فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرفه قط، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. دعاء اللهم عرفني نفسك. مستمعينا الافاضل، يتـَّضِحُ بقليل من التأمُّل أن الفقرة الأولى من دعاء عصر الغيبة الطويل جامعة بين مضمون صيغتي ال دعاء المختصر المرويتين عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) فهي أكمل الصيغ. (وعند ما) نلاحظ أيها الإخوة والأخوات شدة تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على الإلتزام بهذا ال دعاء المختصر، يتـَّضِحُ لنا أهمية هذه الفقرة بالخصوص من دعاء الغيبة الذي أمرنا إمامنا المهدي (عجل الله فرجه) بتلاوته، وعلى أي حال يفهم من مجموع ما أمراً به (عليهما السلام) أنه لا ينبغي للمؤمن الغفلة عن التوجه إلى الله عزوجل بتلاوة محلٍّ مِنْ دُعائي عصر الغيبة المختصر منهما المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) والطويل المروي عن الحجة المهدي (أرواحنا فداه)، وينقل عن أحد العرفاء الإمامية الحثُّ على الإلتزام بهذا ال دعاء المختصر في قنوت الصلوات، والإلتزام بال دعاء الطويل عصر يوم الجمعة خاصة.
بالفيديو| عضو بالأزهر يقدم نصائح مستحبة خلال رمضان | مصراوى
مستمعينا الافاضل، اما أما الملاحظة الثانية: المرتبطة بالفقرة الأولى من هذا الدعاء المبارك فهي أنه يبتدأ بمطلب ذات صبغة عقائدية منبِّهاً المؤمنين إلى أنّ البناء العقائدي السليم ينبغي أن يرتكز على الإعتقاد الصحيح بالتوحيد والنبوة والإمامة وخلفاء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وبهذا الإعتقاد الكامل تكون النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية، وفي ذلك إشارة إلى مضمون حديث الثقلين المتواتر وحديث معرفة إمام الزمان الذين صحَّت روايتهما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من طرق مختلف المذاهب الإسلامية. أيها الاخوة والاخوات، اما أما الملاحظة الثالثة: المرتبطة بالفقرة المتقدمة من دعاء عصر الغيبة، فهي أنها تدعو لطلب الحصول على المعرفة الصحيحة بالله ورسوله وحجَّته من الله عزوجل مباشرة، بل وتصرِّح بأنّ هذه المعرفة لا يمكن الحصول عليها من غير الله عزوجل، وبهذه الملاحظة ننهي أعزائنا مستمعي إذاعة طهران لقاءنا بكم في هذه الحلقة من برنامج (ينابيع الرحمة) تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعايته عزوجل، سالمين و الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز، فذهب وتركه، وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أني [ ص: 494] اشتريت منه بقرا، وأنه أتاني يطلب أجره، فقلت: اعمد إلى تلك البقر، فسقها. فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنها من ذلك الفرق. فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، ففرج عنا. فانساخت عنهم الصخرة. فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عليهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء. فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وإني راودتها عن نفسها، فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت [ ص: 495] بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، ففرج عنا.
فما رؤيت ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة)...
وماذا يملك النبي صلى الله عليه وسلم لأمه سوى الدموع ، فهو مجرد نبي مرسل ، والأمر كله لله وحده ، فعليه أن يأتمر بما أمره الله به من الصبر والاحتساب ، كما صبر في صغره على مرارة اليتم ووحشته..
وصدق الرسول الكريم حين قال: " أشد الناس بلاء الأنبياء "..
المراجع:
- مسند الإمام أحمد..
- كتاب السيرة النبوية للدكتور محمد الصوياني..
- الرسل والرسالات للدكتور عمر الأشقر..
- الرائد للشيخ مازن الفريح..
أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل
وقال تعالى: ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما
أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله
من قبل إن كنتم مؤمنين) البقرة/91. وقال تعالى: ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات
والزبر والكتاب المنير) آل عمران/184. أشد الناس بلاء في الدنيا - منبع الحلول. وقال تعالى: ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون
أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين)
الصف/5. وقال تعالى: ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن
خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله
لهم عذاب أليم) التوبة/61. وابتلي إبراهيم عليه السلام بمعاداة أبيه وقومه له ، وبالإلقاء
في النار. قال الله تعالى: ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ
إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى
إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ)
الأنبياء/68-70. وابتلي بالأمر بذبح ابنه إسماعيل
( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ
افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ *
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ
* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا
لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
الصافات/102-107.
أشد الناس بلاء الأنبياء
السؤال:
السؤال الأخير لأخينا يقول: حدثونا عن ابتلاء المسلم في الدنيا بالمرض والفقر.
أي الناس أشد بلاء
وقد ذكر ابن قتيبة جمعًا من أهل العاهات من أهل العلم، فقال في المعارف: أهل العاهات: عطاء بن أبي رباح: كان أسود، أعور، أشلّ، أفطس، أعرج، ثم عمي بعد ذلك، أبان بن عثمان بن عفان: كان أصم، شديد الصمم، وكان أبرص، يخضب مواضع البرص من يده، ولا يخضبه في وجهه، وكان مفلوجًا... وكان أحول، مسروق بن الأجدع: كان أحدب، أشلّ، من جراحة كانت أصابته يوم القادسية، وفلج أيضًا، الأحنف بن قيس: كان أعور ويقال: ذهبت عينه بسمرقند، ويقال: بل ذهبت بالجدري، وكان أحنف الرّجل يطأ على وحشيها، متراكب الأسنان، صعل الرأس، مائل الذقن، خفيف العارضين، أبو الأسود الدّئلي: وكان أعرج، مفلوجًا، عبيدة السّلماني: كان أصمّ، أعور. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 95198. هذا؛ وننبه إلى أن الظاهر أنك أردت في بداية السؤال ذكر حديث، ولكنك لم تذكره، فإن كنت أردت الحديث الذي ذكرنا في ابتلاء الأنبياء فقد تكلمنا عليه، وإن كنت أردت حديثا آخر فأرسل لنا رسالة أخرى بشأنه. أشد الناس بلاء الأنبياء. والله أعلم.
وقد رُوِيَ عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وإنما يعطي الإيمان والدين من أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه فمن ابتلي بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله. ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم: 44 - 45] روى عن رسول الله ﷺ أنه قال: إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب على معصيته فاعلم أنما هو استدراج ثم قرأ قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 44] أي آيسون من كل خير والعياذ بالله. ويقول جل وعلا: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: 55 - 56]. أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل. وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة، منها رفع الدرجات وحط الخطايا كما تقدم بيان ذلك [1].
وفوق ذلك كله ، وأهم من ذلك
كله ، بالنسبة لك أنت خاصة: أن تعلمي ، يا أمة الله ، أن على العبد أن يحسن الظن
بربه ، والتوكل عليه ، وينظر في حاله مع ربه ، وما يرجوه عنده من الأجر والمثوبة ،
والكفارة ، ثم لا عليه بحال فلان أو فلان ، صغير أو كبير ؛ فإن خفايا الأحوال ، وما
في قلوب العباد ، لا يعلمه إلا رب العالمين. فمن يدري ؛ رب صغير القدر ، ضعيف الحال ، مسكين ، منكسر بين يدي أرحم الراحمين: له
من الحال عند رب العالمين ، ما يغبطه عليه الأئمة العالمون!! ألم تعلمي ، يا أمة الله: ( أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ ،
وَلَا شُهَدَاءَ ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ
، وَقُرْبِهِمْ أَوْ قُرْبَتِهِمْ - شَكَّ ابْنُ صَاعِدٍ - مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
عَزَّ وَجَلَّ) ؟! الصبر على البلاء والترغيب فيه. وإننا لنرجو من الله: أن يرزقك البصيرة في دينه ، وحسن الظن به تبارك وتعالى ،
وحسن الرجاء فيه ، والتعلق برحمته وفضله ومنه. وإننا لنرجو لك يا أمة الله ، بما أنت فيه من الصبر والرضا والاحتساب ، أن تكوني
بمقام جليل ، ومحل كريم عند أرحم الراحمين ، ونرجو الله أن يعظم لك الأجر ، ويحط
عنك الوزر ، ويرفع عنك البلاء ، وقد قال سبحانه: ( إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)الزمر/ 10، قال الأوزاعي: " ليس يوزن
لهم ولا يكال ، إنما يغرف لهم غرفا " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 /89).