وتابع عاشور قائلا: وكما تقرر في الشرع الحنيف فإنه لا يجوز لأحدٍ الجهاد إلا تحت راية ولي أمر الوقت الحاضر (رئيس الدولة)، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]. والخلاصة: أن الأمر الوارد في الحديث السابق مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من أمته؛ حيث جاء بصيغة: «أُمِرْتُ»، فهو مُوَجَّهٌ إليه صلى الله عليه وآله وسلم من حيث كونه إمامًا وحاكمًا.
يايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول
وقوله تعالى: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار ، روي أنها نزلت بسبب أن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله، إن حاتما كانت له أفعال بر، فما حاله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو في النار"، فبكى عدي رضي الله عنه وولى، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "أبي وأبوك وأبو إبراهيم خليل الرحمن في النار"، ونزلت هذه [ ص: 660] الآية في ذلك، وظاهر الآية العموم في كل ما تناولته الصفة. وقوله تعالى: فلا تهنوا معناه: فلا تضعفوا، وهو من "وهن الرجل" إذا ضعف، وقرأ جمهور الناس: "وتدعوا إلى السلم"، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: "وتدعوا إلى السلم" بالتشديد في الدال، وقرأ جمهور القراء: "السلم" بفتح السين، وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم: "السلم" بكسر السين، وهي قراءة الحسن، وأبي رجاء ، والأعمش ، وعيسى ، وطلحة ، وهو بمعنى المسالمة، وقال الحسن بن أبي الحسن وفرقة ممن قرأ بكسر السين: إنه بمعنى الإسلام، أي: فلا تهنوا وتكونوا داعين إلى الإسلام فقط دون مقاتلين بسببه، وقال قتادة: معنى الآية: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت للأخرى، وهذا حسن ملتئم مع قوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها. وقوله تعالى: وأنتم الأعلون يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون في موضع الحال، والمعنى: لا تهنوا وأنتم في هذه الحال، والمعنى الثاني أن يكون إخبارا مقطوعا، أخبرهم فيه بمغيب أبرزه الوجود بعد ذلك، و[الأعلون] معناه: الغالبون والظاهرون، ويذهب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"، أي: ذهب بجميع ذلك على جهة التغلب والقهر، والمعنى: لن يتركم [ ص: 661] ثواب أعمالكم أو جزاءها واللفظة مأخوذة من الوتر الذي هو الذحل، وذهب قوم إلى أنها من الوتر الذي هو الفرد، والمعنى: لن يفردكم من ثواب أعمالكم، والأول أصح، وفسر ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه: يظلمكم.
قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول
وقال الأعشى: نازعتهم قضب الريحان متكئا وقهوة مزة راووقها خضل الخضل النبات الناعم والخضيلة الروضة. في شيء أي من أمر دينكم. فردوه إلى الله والرسول أي ردوا ذلك الحكم إلى كتاب الله أو إلى رسوله بالسؤال في حياته ، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ؛ هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة ، وهو الصحيح. ومن لم ير هذا اختل إيمانه ؛ لقوله تعالى: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي. وقيل: المعنى قولوا الله ورسوله أعلم ؛ فهذا هو الرد. وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. والقول الأول أصح ؛ لقول علي رضي الله عنه: ما عندنا إلا ما في كتاب الله وما في هذه الصحيفة ، أو فهم أعطيه رجل مسلم. ولو كان كما قال هذا القائل لبطل الاجتهاد الذي خص به هذه الأمة والاستنباط الذي أعطيها ، ولكن تضرب الأمثال ويطلب المثال حتى يخرج الصواب. قال أبو العالية: وذلك قوله تعالى: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. نعم ، ما كان مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فذلك الذي يقال فيه: الله أعلم. وقد استنبط علي رضي الله عنه مدة أقل الحمل - وهو ستة أشهر - من قوله تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين فإذا فصلنا الحولين من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر ؛ ومثله كثير.
اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم
19
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ... 20
فبالطاعة نغنم ونغتنم ونفوز ونسعد وندرك ما عند الله تعالى ونكتسب رضوانه عزّ وجلّ. أفضل الطاعات وتجلياتها
قد يتوجه الإنسان الى فهم الطاعة لله تعالى بالمعنى الضيق حيث ينسبق الذهن إلى أنّ
المراد من الطاعة هو مجرد القيام بالواجبات العبادية والابتعاد عن النواهي وهذا إن
كان يشكل العامود الأساسي للطاعة والمدخل الطبيعي لتحصيل ونيل رضا الله تعالى ولكنّ
الإسلام بما يحمله من أبعاد ذات علاقة بسعادة الإنسان والمجتمع البشري اعتبر أنّ
طاعة الله تعالى ينبغي أن تنعكس على أفعال العباد مع بعضهم البعض، ولذلك لا يمكن
لنا أن نتصور شخصًا مطيعًا لله تعالى وظالمًا لعباده في الوقت ذاته. فالطاعة الحقيقية تتجلى وتظهر بثوبها الناصع في عناوين متعددة وكثيرة نذكرها بنحو
الإجمال:
1. تهذيب النفس الإنسانية وترويضها على التقوى. 2. تهذيب الجوارح وجعلها مطيعة لله تعالى. 3. عدم ظلم الآخرين. 4. التحلّي بالمواصفات الأخلاقية والمناقب الإنسانية. يايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول. 5. خدمة الناس وإغاثة الملهوفين.
اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي
أطيعوا الرسول وليس النبي
جاء الأمر من الله في القرآن الكريم للمؤمنين أن يطيعوا الرسول، أي الرسالة، رسالة الله للناس، ولم يأتِ في القرآن أن قال الله للناس أطيعوا النبي، بمعنى أن الرسول شيء والنبي شيء آخر، حتى يفهم ويتعلم الناس أن الرسول هو مبلغ رسالة الله دون زيادة أو نقصان، وحتى يعلم الناس أيضاً أن النبي كشخص سوف يموت، أما رسالة الله إلى الناس لن تموت إلى قيام الساعة، ولذلك استعمل الله لفظ الرسالة أي القرآن، وسوف يأتي الرسول يوم القيامة ليتكلم عن نفس الرسالة، يقول تعالى:
((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرآن مَهْجُوراً)) سورة الفرقان آية 30. ولأن الرسول شيء والنبي شي آخر على سبيل المثال اختص الله النبي ببعض الأشياء لا تجوز لنا بأي حال من الأحوال، مثل تعدد الزوجات، ومثل مكوث نساء النبي في البيت، هذا أمر خاص بالنبي ونساء النبي ولا يحق للمؤمنين أن يتبعوا النبي في هذا، ولذلك قال تعالى:
((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) سورة آل عمران آية 132. وأن الأنبياء عليهم جميعاً السلام أعداءهم سواء من حضروا الأنبياء أو من آتوا بعد موتهم إلى قيام الساعة يندرج في شيء واحد، وهو إما تكذيب رسالة الله وإما تأليف شيء أخر غير رسالة الله، يقول تعالى:
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)) سورة الأنعام آية 112.
6. قضاء حوائج المؤمنين. وغيرها من القضايا التي توجب سعادة الدارَين، والفوز
بالجنة ورضوان الله تعالى. 1- سورة الفتح؛ الآية
17
2- سورة لقمان؛ الآية 20
3- سورة الأحزاب؛ الآية 71
4- بحار الأنوار،ج44، ص 193. 5- سورة فاطر؛ الآية 15. 6- نهج البلاغة؛ الخطبة 109
7- المصدر نفسه؛ الخطبة 193
8- سورة النساء؛ الآية 59
9- بحار الأنوار, المجلسي, ص 86 ج 74
10- نهج البلاغة, المحكة 19
11- المصدر نفسه, الخطبة 190
12- كنز العمل، المتقي الهندي, ج 15, ص788, ج43120
13- الكافي، الكليني، ج2، ص75. 14- سورة النساء، الآية:13. 15- ميزان الحكمة، الري شهري، ح11272
16- المصدر نفسه، ح11271
17- المصدر نفسه، ح11268
18- بحار الأنوار، المجلسي، ج100، ص26. 19- سورة الأعراف، الآية: 27. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة النساء - الآية 59. 20- سورة النور، الآية: 21.
1-{ ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء} حديث رقم (2551) - سلسلة الأحاديث الصحيحة. 2-{ أفضل ما قلت أنا و النبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، و هو على كل شيء قدير} حديث رقم (1503) سلسلة الأحاديث الصحيحة. 3-{ ما من يوم أكثر من أن يُعْتِقَ الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة و إنه ليدنو ، ثم يباهي بهم الملائكة ، فيقول: ما أراد هؤلاء ؟}. حديث رقم (2551) سلسلة الأحاديث الصحيحة. 4-{ حديث أبي قتادة مرفوعا: (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضيه ومستقبله وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية). احاديث عن يوم عرفه با معنی. صحيح رقم الحديث (955) انظر إرواء الغليل للشيخ الألباني رحمه الله 5-{حديث أم الفضل بنت الحارث: أن ناساً اختلفوا عندها يوم عرفة في صَوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم وقال بعضهم: ليس بصائم فأرسَلتُ إليه بقَدَحِ لَبَنٍ وهو واقف على بعيره فشربه} متفق عليه _ انظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان _ حديث رقم (686). 6-{عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} صحيح انظر المشكاة المجلد الثاني _ حديث رقم (2598).
احاديث عن يوم عرفه با معنی
وَتَبْدَأُ هذهِ الأيَّامُ الفَاضِلَةُ عَشرُ ذِي الحِجَّةِ مِنْ أَوَّلِ شهرِ ذِي الحِجَّةِ إلَى العَاشِرِ مِنْهُ وَهُوَ يومُ العِيدِ، وَقَدْ قَالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ فيهَا أَحَبُّ إلَى اللّهِ مِنْ عَشرِ ذِي الحِجَّةِ اهـ فيُفْهَمُ أنَّ الأَعْمالَ الصَّالِحَةَ في هذهِ الأَيَّامِ تَزْكُو عِندَ اللهِ تعالَى أكثَرَ مِمَّا إذا عُمِلَتْ في غَيْرِها.
احاديث عن يوم عرفه بالمايوه
7-{ عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم أن الحجاج بن يوسف عام نزل بابن الزبير, سأل عبد الله:كيف نصنع في الموقف يوم عرفة ؟ فقال سالم إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة فقال عبد الله بن عمر: صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال سالم: وهل يتبعون في ذلك إلا سنته ؟} رواه البخاري انظر مشكاة المصابيح _ المجلد الثاني _حديث رقم (2617).
أيها الأحبةُ المسلمونَ أوصِي نفسِيَ وَإِيَّاكم بتقوَى اللهِ العَظِيمِ فَهَذِهِ الدُّنيا إلَى الزَّوالِ، كُنْ فِي الدُّنيا كأنَّكَ غريبٌ أَو عابرُ سَبِيلٍ، كُنْ فِي الدُّنيا كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ ثُمَّ راحَ وَترَكَهَا. يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في القُرءانِ الكَريمِ ﴿ وَٱلفَجرِ ١ وَلَيَالٍ عَشر ٢ ﴾ [1]. إخوة الإيمان، إننا في أيامٍ عظيمةٍ وَمُبَارَكَةٍ أَيَّامِ خَيْرٍ وَفَضِيلَةٍ، وَلَيَالِ خَيرٍ وفضيلةٍ وبرَكةٍ هي لَيَالِي العَشْرِ الأولِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، التي عَنَاهَا اللهُ تعالَى بِقوْلِه ﴿ وَلَيَالٍ عَشر ٢ ﴾. أحاديث من الصحيحين عن يوم عرفة. فمِن هَذِهِ الأَيَّامِ المبارَكَةِ يَومُ عَرفةَ، وأفضَلُ أيامِ الأسبوعِ عندَ اللهِ هُوَ يَوْمُ الجمُعَةِ وَبَعْدَهُ يَوْمُ الاثنَينِ. أما يَومُ عَرَفَةَ فَلَهُ مَزِيَّةٌ خاصَّةٌ خَصَّهُ اللهُ تبارك وتعالى بِها. وَمِنْ هذهِ الأيامِ يَومُ الحجِّ الأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ العِيدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ، يَوْمُ العِيدِ هُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأكبرِ سَواءٌ كانَ يومَ الجمعَةِ أَمْ لا. وَسُمِّيَ يومُ العِيدِ للحاجِّ يَوْمَ الحَجِّ الأكبرِ لأنَّ مُعْظَمَ أَعْمَالِ الحجِّ تَكُونُ فيهِ كَالطَّوافِ والحَلْقِ أَوِ التَّقصيرِ وَرَميِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ.