ووجه ذلك - والله أعلم - أنه تأول في قول الله - تعالى -: إن الله يأمر بالعدل والإحسان الندب بالإحسان إلى المسيء وترك معاقبته على إساءته. فإن قيل: كيف يصح هذا التأويل في آيات البغي. قيل: وجه ذلك - والله أعلم - أنه لما أعلم الله عباده بأن ضرر البغي ينصرف على الباغي بقوله: إنما بغيكم على أنفسكم وضمن - تعالى - نصرة من بغي عليه ، كان الأولى بمن بغي عليه شكر الله على ما ضمن من نصره ومقابلة ذلك بالعفو عمن بغى عليه; وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - باليهودي الذي سحره ، وقد كان له الانتقام منه بقوله: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. ولكن آثر الصفح أخذا بقوله: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور. إن الله يأمر بالعدل (خطبة). السادسة: تضمنت هذه الآية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد تقدم القول فيهما روي أن جماعة رفعت عاملها إلى أبي جعفر المنصور العباسي ، فحاجها العامل وغلبها; بأنهم لم يثبتوا عليه كبير ظلم ولا جوره في شيء; فقام فتى من القوم فقال: يا أمير المؤمنين ، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإنه عدل ولم يحسن. قال: فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان خطبة
وهو في حديث جبريل بالمعنى الأول لا بالثاني؛ فإن المعنى الأول راجع إلى إتقان العبادة ومراعاتها بأدائها المصححة والمكملة، ومراقبة الحق فيها واستحضار عظمته وجلاله حالة الشروع وحالة الاستمرار. وهو المراد بقوله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. " ويذكر الباحث سامي القدومي في كتابه التفسير البياني لما في سورة النحل من دقائق المعاني نكتة لطيفة فيما يتعلق بقوله تعالى "ذي القربى"، وأنه لم يقل "أولي القربى"، بأن الثانية خاصة بالقرابة القريبة، والثانية أعم في القرابة عموماً، فقال: "وجاء التعبير عن القرابة بالمفهوم الأوسع في قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان... )؛ لأنها آية عامة، ولذلك فهي تتكلم عن الموضوع الخاص (وإيتاء ذي القربى) بعموم أيضا". قال القرطبي عن "إيتاء ذي القربي": "الصلة (... ) وإنما خص ذا القربى لأن حقوقهم أوكد وصلتهم أوجب؛ لتأكيد حق الرحم التي اشتق الله اسمها من اسمه، وجعل صلتها من صلته". إن الله يأمر بالعدل - ملتقى الخطباء. أما في النهي فيجمل سفيان بن عيينة في تفسير الآية بقوله: "العدل في هذا الموضع: هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملا. والإحسان: أن تكون سريرته أحسن من علانيته. والفحشاء والمنكر: أن تكون علانيته أحسن من سريرته"، ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره.
ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء
فأباح التَّعدُّدَ وأذِنَ فيه، لكن شَرِيطةَ أنْ يكون المُعَدِّدُ يغلبُ على ظَنِّه العدل بين الزوجات، وألاَّ يقصِدَ بالتعدد ظُلْمَ هذه لمصلحةِ هذه. فيعدل في النَّفَقة والمَبِيتِ والمَسْكَن، ويعدل في الأمور التي يُمكنه العدل فيها، ولو كان في القلب حُبٌّ لواحدة، لكن لا يُظْهِر ذلك أمام الأُخرى، فلا يقدح في هذه عند الأُخرى، ولا يَعِيب هذه عند الأخرى، ولا يُفشِي سِرَّ هذه عند الأُخرى. ان الله يأمر بالعدل والاحسان تفسير الامثل. وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعدلَ الناس بين نسائه، وألزمَهم للعدل في الأمور كُلِّها، وحذَّر المُعَدِّدين من أنْ يجوروا ويظلموا، فقال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» صحيح – رواه أبو داود. والممدوحون بالعدل، الموعودون بمنابر النور يوم القيامة؛ أهلُ عدلٍ في أهليهم، فليس عندهم جَورٌ في أهليهم؛ بل يُعاملون أهليهم بالعدلِ في كلِّ الأحوال، ولذا كان الإمامُ العادِلُ سابِعَ سبعةٍ يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلاَّ ظله. وبِكُلِّ حال؛ فإنَّ المُسلِمَ يلزمه العدل فيمَنْ وُلِّيَ عليهم – سواء كان ذلك في مدرسة، أو شركة، أو مؤسسة، أو وزارة، أو نحوها - فيسوسُهم السياسة الشرعية، ويحكم بينه بالعدل، فلا يُحابِي هذا ضِدَّ هذا، وإنما يعدل بين مَنْ تَوَلَّى أمرَهم، ويقوم بهم على حسب العدلِ والقيام بالواجب، فأقربُ الناسِ إليه أحسنُهم أداءً، وأحسنُهم عملًا، وأنجزُهم مهمَّة، فلا يَمِيل مع هذا ضِدَّ هذا، وإنما يلزم تقوى الله فيمَنْ وُلِّيَ عليهم، واللهُ سبحانه سائلٌ كُلَّ راعٍ وما استرعى؛ حَفِظَ ذلك أو ضَيَّعَه.
ان الله يامر بالعدل والاحسن
تفسير آية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ... ﴾
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91]. الغَرَض الذي سِيقَتْ له: بيان كلية الخير التي يُحبها الله ويأمر بها، وكلية الشر التي يكرهها اللهُ وينهَى عنها. إن الله يأمر بالعدل والإحسان خطبة. ومناسبتها لما قبلها: أنه لما أشار في الآية السابقة إلى أنه يُحب العدل؛ حيث يبعث في كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم يوم القيامة، ويجيء بمحمد صلى الله عليه وسلم شهيدًا على هؤلاء، وبيَّن أنه نزل الكتاب تبيانًا لكل شيء - بيَّن هنا هذه الكلية، وبدأ بالعدل الذي يُحبه. وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾، فيه الأمر بثلاث خصال هي أصول الخير، والنهي عن ثلاث خصال هي أصول الشر.
ان الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى
إنَّ اللهَ يَأْمُر بالعَدْل
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
العدل: خِلافُ الجَوْرِ، وهو الأمرُ المُتوسِّط بين طَرَفَي الإفراط والتفريط، والعدلُ من الناس: هو المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه. ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء. والعدل هو غاية الرُّسل جميعًا؛ كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]. ولذا أمَرَ اللهُ به: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ [النحل: 9]. فالدِّينُ الذي جاءت به الرُّسلُ، كُلُّه عدلٌ وقِسْطٌ في الأوامر والنَّواهي، وفي مُعاملات الخَلْقِ، وفي الجِنايات والقِصاص، والحُدود والمَواريث وغير ذلك، وفي هذا دليلٌ على أنَّ الرُّسلَ مُتَّفِقون على القيام بالقِسْط، وإن اختلفتْ أنواعُ العدل، بِحَسَبِ الأزمنة والأحوال.
، فيما كنت أجالسك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة! قال: وما رأيتني فعلت؟ قال: رأيتك شَخَص بصرك إلى السماء، ثم وضعته حيث وضعته على يمينك، فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك، كأنك تستفقه شيئاً يقال لك، قال: وفطنت لذلك؟ فقال عثمان: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني رسول الله آنفاً –جبريل- وأنت جالس. قال: رسولُ الله؟ قال: نعم قال: فما قال لك؟ قال: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي، وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم » (المسند: 4/330). قال ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث: "إسناد جيد متصل حسن، قد بُيِّن فيه السماع المتصل. وقفات مع القاعدة القرآنية: إن الله يأمر بالعدل - طريق الإسلام. وقد ذكر الواحدي هذه الرواية في كتابه (أسباب النزول) كسبب لنزول هذه الآية، ولم يذكر السيوطي في كتابه (لباب النقول في أسباب النزول) شيئاً بصدد هذه الآية. وروى الإمام أحمد أيضاً عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، إذ شَخَصَ بصره، فقال: أتاني جبريل، فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ}" (قال ابن كثير: إسناده لا بأس به).
الملاحق
ثقافة
«عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانين» لبنعبد العالي
الأحد - 23 شهر رمضان 1443 هـ - 24 أبريل 2022 مـ رقم العدد [
15853]
الرباط: «الشرق الأوسط»
صدر حديثا عن منشورات المتوسط - إيطاليا، كتاب جديد للمفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي بعنوان «عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانين». وحسب ورقة تقديمية للناشر، فإن بنعبد العالي يقدم في هذا الكتاب الواقع في 96 صفحة من الحجم المتوسط، فحصاً مختلفا لكتابات صديقه الناقد والمفكر عبد الفتاح كيليطو «التي تتجاوز الحدود، والانغلاق على اللغة، وتفكك التراث في حوارية بين الفكر العربي الكلاسيكي والأدب والفكر الغربيين». لا يتعلق الأمر هنا، حسب الناشر، بمعالجة عاجلة، ولا بقراءة كرونولوجية لمدونة عبد الفتاح كيليطو النقدية والسردية، بمسحتها الفلسفية الأدبية وجرحها الكائن في السؤال، وإنما تمضي نصوص بنعبد العالي في هذا الكتاب إلى ما يمكن أن اعتباره قراءة جينيالوجية تقترح ولا تجزم، وتبحث عمن وما يوجد وراء حقيقة الأشياء ومن يعطيها قيمتها. «عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانين» لبنعبد العالي | أخبار بلادي - السعودية - تقنية. ويعرض الكاتب لأسئلة من قبيل: ما علاقة كيليطو بالأدب؟ وبأي لغة يكتب أصحاب الألسنة المفلوقة؟ وكيف غدت الترجمة أسلوب حياة ونمط عيش؟ وما الذي تعنيه كلمة ترجمة في سياق تقديم رواية كيليطو الأخيرة «والله، إن هذه الحكاية لحكايتي».
&Laquo;عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانين&Raquo; لبنعبد العالي | أخبار بلادي - السعودية - تقنية
عبد الفتاح كيليطو كاتب مغربي ولد في العام 1945، بمدينة الرباط، المغرب. كتب العديد من الكتب باللغتين العربية والفرنسية، وكتب أيضًا في مجلات مثل الدراسات الإسلامية، تابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف، ثم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. حاصل على دكتوراه دولة من جامعة السوربون الجديدة عام 1982، حول موضوع السرد والأنساق الثقافية في مقامات الهمداني والحريري. يعمل أستاذًا في كلية الآداب جامعة محمد الخامس، الرباط، أكدال، منذ سنة 1968. ألقى العديد من المحاضرات، وشارك في لقاءات ثقافية في المغرب وخارجه، وعضو في اتحاد كتاب المغرب. قام بالتدريس بوصفه أستاذًا زائرًا بعدة جامعات أوروبية وأمريكية من بينها جامعة بوردو، والسوربون الجديدة، الكوليج دو فرانس، جامعة برينستون، جامعة هارفارد. صدر حديثا: دراسة نقدية عن "كيليطو أو عشق اللسانين" | موقع عمان نت. شكّلت أعماله موضوع مقالات وتعليقات صحفية، وكتب، وأبحاث جامعية، بالعربية والفرنسية. نُقِلت بعض أعماله إلى لغات من بينها "الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والإيطالية". أهم المؤلفات الأدب والغرابة. دراسات بنيوية في الأدب العربي العين والأبرة، دراسة في ألف ليلة وليلة. صدر عام 1995م. لن تتكلم لغتي. الحكاية والتأويل.
المدن - عن عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللِّسانَيْن
هسبريس
فن وثقافة
السبت 28 أبريل 2018 - 15:00
تأسف عبد الفتاح كيليطو، كاتب وناقد مغربي، للقائه في سنواته الأخيرة قبل التقاعد بطلبة في سلك الماستر "لم يقرؤوا شيئا حقيقة". وأبرز في محاضرة تفاعلية ألقاها بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة أن طلبته هؤلاء لم يعرفوا استشهادات مهمة كان يذكرها، وأعمالا لكتاب كبار كان يستشهد بها. وفي حديث عن عنونة كتبه، ذكر كيليطو أن الدافع التجاري لا يتحكم فيه، قبل أن يستدرك ضاحكا ويقول: "أصلا الجانب التجاري في المغرب عديم الوجود". صوت جديد: مع عمر زكريا. وأوضح أنه في السنوات الأخيرة لم يعد يتابع أعمال الشباب المغاربة باللغة الفرنسية إلا قليلا. الكاتب الذي درس في الجامعات الأمريكية والفرنسية والمغربية قال إن عنوان أحد كتبه الأخيرة هو ما دفع الناس إلى قراءته، "ولولاه لما اهتم بقراءة هذا الكتاب الصغير أحد". وزاد أن كتاب "أتكلم جميع اللغات ولكن باللغة العربية" وجد عنوانه بعد الثالثة صباحا وهو بصدد قراءة كافكا، وتلقاه كـ"بركة". وصرح الناقد باللغتين الفرنسية والعربية بأنه يرتاح أكثر عندما يقوم بالترجمة من الفرنسية إلى العربية، واسترسل موضحا: "أنا أقرب إلى العربية أكثر من الفرنسية، وهذا ليس مفاجئا لأنني تعلمت العربية قبل الفرنسية، وعندما أكتب، أكتب باللغتين، وأترك في بعض الأحيان ما أكتبه بلغة وأنتقل إلى اللغة الأخرى".
«عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانين» لبنعبد العالي | الشرق الأوسط
لكن هذه الدراسات تمر بجانب المسألة التي نحن بصدد اثارتها، لأنها تصب اهتمامها على وظيفة الأدب وتفترض أن طبيعة الأدب معروفة. فإذا أردنا أن نخرج من الحلقة المفرغة (الأدب هو الأدب) فلا بد أن ننتبه الى توضيح القرار الضمني الذي يجعلنا نصف بعض النصوص بأنها نصوص أدبية. الا أننا عندما نحاول القيام بهذا العمل نجد أنفسنا أمام سؤال لم يكن في الحسبان. ذلك أننا انزلقنا، بدون شعور، الى استعمال كلمة سحرية أخرى وهي كلمة "النص". لهذا فإنه ينبغي قبل كل كلام عن الأدب أن نوجه جهدنا الى تعريف النص بصفة عامة. فما معنى النص؟
أول ما نلاحظ أن كلاما ما لا يصير نصا الا داخل ثقافة معينة. فعملية تحديد النص ينبغي أن تحترم وجهة نظر المنتمين الى ثقافة خاصة، لأن الكلام الذي تعتبره ثقافة ما نصا قد لا يعتبر نصا من طرف ثقافة أخرى، بل هذا ما يحدث في الغالب. عبد الفتاح كيليطو pdf. في هذا الإطار أشار بعض السيميائيين الى أنه من وجهة نظر ثقافة معينة تظهر الثقافات الاخرى كخليط من الظواهر العشوائية التي تواجد دون رباط يجمع شتاتها ويجعل منها نظاما موحدا ومتلاحم الأجزاء. هذا ما كان يحدث مثلا للرحالة العرب عند اجتيازهم لحدود مملكة الإسلام، حيث كانوا يشعرون بمزيج من الدهشة والنفور، وهو شعور نابع من كونهم لم يكونوا في الغالب يلمسون الثقافات الأجنبية كوحدة عضوية تتمتع بنظام محكم وكامل.
صدر حديثا: دراسة نقدية عن &Quot;كيليطو أو عشق اللسانين&Quot; | موقع عمان نت
وفي فصل "مجرد حرف" يتوقف عند كتابه "لن تتكلم لغتي". وسيتكرر الأمر ذاته في معظم الفصول. ولا يبدي كيليطو ملاحظاته حول كتبه فحسب، بل يمتد بأسئلته وتأملاته إلى كتب أخرى لـ: كافكا، وبورخيس، ومحمد ديب، وبودلير، والخطيبي، والمعري، والمتنبي وغيرهم. في كتابه الجديد، كما في كتبه السابقة يبدي كيليطو ولعه بالعناوين، فثمة ميل إلى العناوين الجذابة والمفتوحة التي تترك للقارئ مساحة واسعة من التأويل. ويمكن هنا أن نستحضر مؤلفاته السابقة مثل: "حصان نيتشه"، و"لسان آدم"، و"لن تتكلم لغتي"، و"أتكلم جميع اللغات لكن بالعربية"، و"أنبئوني بالرؤيا"، و"من نبحث عنه بعيداً يقطن قريباً" وسواها. يستلهم عنوان كتابه الجديد من مقولة لغاستون باشلار وضعها الكاتب عتبة مجاورة لمقطع شعري لغوته. يقول باشلار "إذا ما تحررنا من ماضي الأخطاء، فإننا نلفي الحقيقة في جو من الندم الفكري. والواقع أننا نعرف ضد معرفة سابقة، وبالقضاء على معارف سيئة البناء، وتخطي ما يعرقل، في الفكر ذاته، عملية التفكير". لا يخلو "في جو من الندم الفكري" من الطرافة. إذ تحضر الروح المرحة لكيليطو وهو يستعيد حادثة طريفة ترتبط بترجمة لكتاب "البخلاء" أنجزها المستعرب الفرنسي شارل بيلا، وكتب كيليطو مقدمة لطبعتها الجديدة.
صوت جديد: مع عمر زكريا
ولكن المقامات التي هي في الأصل وحدات مكتفية بذاتها ومنفصلة عن بعضها البعض، خرجت عن هذا المسار لأسبابٍ مختلفة، منها أسلوب الحريري الذي لم يكن بوسعه تجاوزه، وربما لم تكن لديه النية لفعل ذلك أيضًا، دون أن يكون الأمر مرتبطًا بالعجز، وإنما بطبيعة الأسلوب وماهيته. يقول كيليطو: "ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكد أن ليس بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعل هذا هو تعريف الأسلوب، أن تظل حبيس طريقة في الكتابة". أدرك مؤلف " الأدب والارتياب "، هذه الحقيقة بعد قلقٍ طويل صاحبه شعورٌ بالنقص، بسبب عدم قدرته على كتابه دراسة رصينة وفق المعايير الجامعية المعهودة، أو تأليف بحثٍ حول موضوعٍ ما في فصول متراصة البناء. واستدل عليها بعد إدراكه أن الجاحظ ، لم يكن يستطيع أو يرغب في إنجاز كتابٍ حول موضوعٍ محدد، وضمن مسارات محددة أيضًا، ليؤسس بذلك أسلوبه الخاص القائم على الاستطراد والانتقال المفاجئ من موضوعٍ إلى آخر بشكلٍ متواصل. إنه، وبجملةٍ أخرى، أسلوبٌ يعتمد الكتابة بالقفز والوثب بحسب الكاتب المغربي، الذي يرى أن سبب انشغاله بدراسة المقامات هو أن مؤلفيها المتشبعين بفكر الجاحظ نهجوا هذا الأسلوب الذي سيتأثر به بدوره، لتأتي كتاباته على شكل: "فصول قائمة بذاتها.
يختفي صاحب "الأدب والغرابة" وراء تعريف طريف لإيتالو كالفينو يضع قراءتنا للأدب الكلاسيكي في منطقة الحرج. يقول كالفينو: "إن الكتاب الكلاسيكي هو الذي يعلن القارئ أنه يعيد قراءته، ولا يقول أبداً إنه يقرؤه". غير أن كيليطو يشير إلى الأدب الكلاسيكي الذي قرأه والذي لم يقرأه أيضاً، موجهاً كعادته كثيراً من الأسئلة وقالباً المفاهيم، محاولاً إثارة القارئ ودفعه إلى أن يتعامل مع النصوص بمعيار دائم هو معيار المساءلة وعدم الركون لأي معرفة جاهزة. الوفاء للأدب العربي
يطرح كيليطو من جديد إشكالية التعدد اللغوي التي تعترض الكاتب المغاربي: العربية، الأمازيغية، الفرنسية. ويعود إلى تجربته في التدريس ليعترف أنه درس الأدب باللغة الفرنسية لمدة أربعين سنة دون أن يذكر أمام طلابه اسم مؤلف عربي أو ينطق بكلمة عربية. غير أنه في المقابل لم يفرد كتاباً للأدب الفرنسي، ولم ينشر عنه إلا مقالات قليلة جداً، وهو الحاصل على جائزة "أكاديمية اللغة الفرنسية" منتصف التسعينيات. يقول في كتابه الجديد: "أعرف أنني لن أضيف شيئاً يذكر إلى ما يكتبه الفرنسيون. وفضلاً عن ذلك، فإنهم، وهذا هو المهم، لا ينتظرون مني أن أكتب عن أدبهم. أدبهم لا يحتاجني".