قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما [ ص: 327] أراد ما تفاوض به قوم بني أبيرق من التدبير ، وذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم. والنجوى: السر بين الاثنين ، تقول: ناجيت فلانا مناجاة ونجاء وهم ينتجون ويتناجون. ونجوت فلانا أنجوه نجوا ، أي ناجيته ، فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه ، أي خلصته وأفردته ، والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله ، قال الشاعر: فمن بنجوته كمن بعقوته والمستكين كمن يمشي بقرواح فالنجوى المسارة ، مصدر ، وقد تسمى به الجماعة ، كما يقال: قوم عدل ورضا. قال الله تعالى: وإذ هم نجوى فعلى الأول يكون الأمر أمر استثناء من غير الجنس. الشيخ محمد بن صالح العثيمين-تفسير القرآن الكريم-33b-2. وهو الاستثناء المنقطع. وقد تقدم ، وتكون " من " في موضع رفع ، أي: لكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ودعا إليه ففي نجواه خير. ويجوز أن تكون " من " في موضع خفض ويكون التقدير: لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف. وعلى الثاني وهو أن يكون النجوى اسما للجماعة المنفردين ، فتكون " من " في موضع خفض على البدل ، أي لا خير في كثير من نجواهم إلا فيمن أمر بصدقة.
تفسير سورة النساء الآية 114 تفسير السعدي - القران للجميع
لا خير في كثيرٍ من نجواهم - أ. د. محمد سعيد حوى - YouTube
الشيخ محمد بن صالح العثيمين-تفسير القرآن الكريم-33B-2
وعَلى هَذا فالمَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ تَرْبِيَةٌ اجْتِماعِيَّةٌ دَعَتْ إلَيْها المُناسَبَةُ، فَإنَّ شَأْنَ المُحادَثاتِ (p-١٩٩)والمُحاوَراتِ أنْ تَكُونَ جَهْرَةً، لِأنَّ الصَّراحَةَ مِن أفْضَلِ الأخْلاقِ لِدَلالَتِها عَلى ثِقَةِ المُتَكَلِّمِ بِرَأْيِهِ، وعَلى شَجاعَتِهِ في إظْهارِ ما يُرِيدُ إظْهارَهُ مِن تَفْكِيرِهِ، فَلا يَصِيرُ إلى المُناجاةِ إلّا في أحْوالٍ شاذَّةٍ يُناسِبُها إخْفاءُ الحَدِيثِ. فَمَن يُناجِي في غَيْرِ تِلْكَ الأحْوالِ رُمِيَ بِأنَّ شَأْنَهُ ذَمِيمٌ، وحَدِيثَهُ فِيما يَسْتَحْيِي مِن إظْهارِهِ، كَما قالَ صالِحُ بْنُ عَبْدِ القُدُّوسِ:
؎السِّتْرُ دُونَ الفاحِشاتِ ولا يَغْشاكَ دُونَ الخَيْرِ مِن سِتْرِ
وقَدْ نَهى اللَّهُ المُسْلِمِينَ عَنِ النَّجْوى غَيْرَ مَرَّةٍ، لِأنَّ التَّناجِيَ كانَ مِن شَأْنِ المُنافِقِينَ فَقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ﴾ [المجادلة: ٨] وقالَ ﴿إنَّما النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: ١٠]. وقَدْ ظَهَرَ مِن «نَهْيِ النَّبِيءِ ﷺ أنْ يَتَناجى اثْنانِ دُونَ ثالِثٍ» أنَّ النَّجْوى تَبْعَثُ الرِّيبَةَ في مَقاصِدِ المُتَناجِينَ، فَعَلِمْنا مِن ذَلِكَ أنَّها لا تَغْلِبُ إلّا عَلى أهْلِ الرِّيَبِ والشُّبُهاتِ، بِحَيْثُ لا تَصِيرُ دَأْبًا إلّا لِأُولَئِكَ، فَمِن أجْلِ ذَلِكَ نَفى اللَّهُ الخَيْرَ عَنْ أكْثَرِ النَّجْوى.
لا خير في كثيرٍ من نجواهم - أ.د. محمد سعيد حوى - Youtube
ومَعْنى لا خَيْرَ أنَّهُ شَرٌّ، بِناءً عَلى المُتَعارَفِ في نَفْيِ الشَّيْءِ أنْ يُرادَ بِهِ إثْباتُ نَقِيضِهِ، لِعَدَمِ الِاعْتِدادِ بِالواسِطَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَماذا بَعْدَ الحَقِّ إلّا الضَّلالُ﴾ [يونس: ٣٢]، ولِأنَّ مَقامَ التَّشْرِيعِ إنَّما هو بَيانُ الخَيْرِ والشَّرِّ. وقَدْ نَفى الخَيْرَ عَنْ كَثِيرٍ مِن نَجْواهم أوْ مُتَناجِيهِمْ، فَعُلِمَ مِن مَفْهُومِ الصِّفَةِ أنَّ قَلِيلًا مِن نَجْواهم فِيهِ خَيْرٌ، إذْ لا يَخْلُو حَدِيثُ النّاسِ مِن تَناجٍ فِيما فِيهِ نَفْعٌ. تفسير سورة النساء الآية 114 تفسير السعدي - القران للجميع. والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ ﴿إلّا مَن أمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ: إلّا نَجْوى مَن أمَرَ، أوْ بِدُونِ تَقْدِيرٍ إنْ كانَتِ النَّجْوى بِمَعْنى المُتَناجِينَ، وهو مُسْتَثْنًى مِن "كَثِيرٍ"، فَحَصَلَ مِن مَفْهُومِ الصِّفَةِ ومَفْهُومِ الِاسْتِثْناءِ قِسْمانِ مِنَ النَّجْوى يَثْبُتُ لَهُما الخَيْرُ، ومَعَ ذَلِكَ فَهُما قَلِيلٌ مِن نَجْواهم. أمّا القِسْمُ الَّذِي أخْرَجَتْهُ الصِّفَةُ، فَهو مُجْمَلٌ يَصْدُقُ في الخارِجِ عَلى كُلِّ نَجْوى تَصْدُرُ مِنهم فِيها نَفْعٌ، ولَيْسَ فِيها ضَرَرٌ، كالتَّناجِي في تَشاوُرٍ فِيمَن يَصْلُحُ لِمُخالَطَةٍ، أوْ نِكاحٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة النساء - قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم - الجزء رقم1
فالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا لِإفادَةِ حُكْمِ النَّجْوى، والمُناسَبَةُ قَدْ تَبَيَّنَتْ. والنَّجْوى مَصْدَرٌ، هي المُسارَّةُ في الحَدِيثِ، وهي مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّجْوِ، وهو المَكانُ المُسْتَتِرُ الَّذِي المُفْضِي إلَيْهِ يَنْجُو مِن طالِبِهِ، ويُطْلَقُ النَّجْوى عَلى المُناجِينَ، وفي القُرْآنِ ﴿إذْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ وإذْ هم نَجْوى﴾ [الإسراء: ٤٧]، وهو وصْفٌ بِالمَصْدَرِ والآيَةُ تَحْتَمِلُ المَعْنَيَيْنِ.
وفي الخبر: ( كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله تعالى). فأما من طلب الرياء والترؤس فلا ينال الثواب. وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: رد الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن. وسيأتي [ ص: 329] في " المجادلة " ما يحرم من المناجاة وما يجوز إن شاء الله تعالى. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ،: من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة. لا خير في كثيرٍ من نجواهم - أ.د. محمد سعيد حوى - YouTube. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب: ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله ، تصلح بين أناس إذا تفاسدوا ، وتقرب بينهم إذا تباعدوا. وقال الأوزاعي: ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار. وقال محمد بن المنكدر: تنازع رجلان في ناحية المسجد فملت إليهما ، فلم أزل بهما حتى اصطلحا ؛ فقال أبو هريرة وهو يراني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أصلح بين اثنين استوجب ثواب شهيد. ذكر هذه الأخبار أبو مطيع مكحول بن المفضل النسفي في كتاب اللؤلئيات له ، وجدته بخط المصنف في وريقة ولم ينبه على موضعها رضي الله عنه. و " ابتغاء " نصب على المفعول من أجله.
ثم استثنى تعالى فقال: { إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ْ} من مال أو علم أو أي نفع كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة" الحديث. { أَوْ مَعْرُوفٍ ْ} وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه، وإذا أطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، وأيضا لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر. وأما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي. { أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ْ} والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، بل وفي الأديان كما قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ْ} وقال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ْ} الآية.
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) قوله تعالى: قال إنما أشكو بثي حقيقة البث في اللغة ما يرد على الإنسان من الأشياء المهلكة التي لا يتهيأ له أن يخفيها; وهو من بثثته أي فرقته ، فسميت المصيبة بثا مجازا ، قال ذو الرمة: وقفت على ربع لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه وقال ابن عباس: بثي همي. الحسن: حاجتي. وقيل: أشد الحزن ، وحقيقة ما ذكرناه. وحزني إلى الله معطوف عليه ، أعاده بغير لفظه. وأعلم من الله ما لا تعلمون أي أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ، وأني سأسجد له. قاله ابن عباس. إني أعلم من إحسان الله تعالى إلي ما يوجب حسن ظني به. وقيل: قال يعقوب لملك الموت هل قبضت روح يوسف ؟ قال: لا ، فأكد هذا رجاءه. وقال السدي: أعلم أن يوسف حي ، وذلك أنه لما أخبره ولده بسيرة الملك وعدله وخلقه وقوله أحست نفس يعقوب أنه ولده فطمع ، وقال: لعله يوسف. وقال: لا يكون في الأرض صديق إلا نبئ. وقيل: أعلم من إجابة دعاء المضطرين ما لا تعلمون.
انما اشكو بثي وحزني الى الله خالد الجليل
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) ( قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) أي: أجابهم عما قالوا بقوله: ( إنما أشكو بثي وحزني) أي: همي وما أنا فيه) إلى الله) وحده ( وأعلم من الله ما لا تعلمون) أي: أرجو منه كل خير. وعن ابن عباس: ( وأعلم من الله ما لا تعلمون) [ يعني رؤيا يوسف أنها صدق وأن الله لا بد أن يظهرها وينجزها. وقال العوفي عن ابن عباس: ( وأعلم من الله ما لا تعلمون) أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ، وأني سوف أسجد له. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن حفص بن عمر بن أبي الزبير ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: " كان ليعقوب النبي - عليه السلام - أخ مؤاخ له ، فقال له ذات يوم: ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك ؟ قال: الذي أذهب بصري البكاء على يوسف ، وأما الذي قوس ظهري فالحزن على بنيامين ، فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: يا يعقوب ، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أما تستحيي أن تشكوني إلى غيري ؟ فقال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله. فقال جبريل ، عليه السلام: الله أعلم بما تشكو ".
انما اشكو بثي وحزني الى الله هزاع البلوشي
19718- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام ، عن عيسى بن يزيد ، عن الحسن قال، قيل: ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى!. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيدٍ. قال: وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ. 19719- حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال، حدثنا حكام ، عن أبي معاذ ، عن يونس ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله. 19720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن المبارك بن مجاهد ، عن رجل من الأزد ، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال، ثلاثة لا تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ: لا تشك مَرَضَك ، ولا تَشكُّ مصيبتك ، ولا تزكِّ نفسك. قال: وأنبئت أنّ يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له ، فقال له: يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيتَ، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال: هَشَمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف وذكره! فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتُها ، فاغفرها لي! قال: فإني قد غفرت لك. وكان بعد ذلك إذا سئل قال، ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون). 19721- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت قال، بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجبَاه على وجنتيه ، فكان يرفعهما بخِرْقَة ، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان.
انما اشكو بثي وحزني لله اسلام
وقال الطبري: المعنى: إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ ، وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله. وعن قتادة: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (86) يوسف، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاء قط إلا أتى حسن ظنه بالله من ورائه. وعن الحسن قال: قيل: ما بلغ وجد يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى!. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيد. قال: وما ساء ظنه بالله ساعة من ليل ولا نهار. وعن حبيب بن أبي ثابت قال: بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجباه على وجنتيه ، فكان يرفعهما بخرقة ، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني؟ قال: خطيئة فاغفرها. وعن مجاهد قال: حدثت أن جبريل أتى يوسف صلى الله عليه وسلم وهو بمصر في صورة رجل ، فلما رآه يوسف عرفه ، فقام إليه ، فقال: أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك بيعقوب من علم؟ قال: نعم! قال: أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فكيف هو؟ قال: ذهب بصره. قال: أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما الذي أذهب بصره؟ قال: الحزن عليك.
[5]
والشكاية نوعان ملفوظة وملحوظة، فأمَّا الملفوظة أو الملفوظ بها، فنحو قوله تعالى حكاية عن يعقوب: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ … (86)} وأمَّا الملحوظة المقدَّرة غير الملفوظ بها، فنحو قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)} [غافر]. ومن بلاغات هذه الآية ما ذكره أحمد الشوابكة، أنها اشتملت على بديع الانسجام، والمقصود بالانسجام: أن يأتي الكلام متحدِّراً كتحدِّر الماء المنسجم، بسهولة لفظٍ، ورقَّة معنى، وحسن تأليف، حتَّى يكون له في القلوب تأثير، وفي النُّفوس موقعٌ أثير. ويقوى الانسجام ويصفو إذا جاء موزوناً من غير أن يُقصَد إليه. ومن الانسجام في القرآن قوله تعالى حكاية عن يعقوب – عليه السلام -: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}. فمن سمع هذه الآية بقلبه وجد سهولةَ لفظ، وعذوبةَ معنى، وحسنَ تعطُّف ظاهر في قوله: {إِلَى اللَّهِ} وقوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ} فلم يقل: (وأعلم منه) مع أنَّه أوجز في اللَّفظ؛ ليأتي في الكلام زيادةُ تعطُّف وترقُّق واسترحام وخضوع يزيد الكلام حُسْناً يحلو في النُّفوس ويعذب.
معلومات حول سورة يوسف الإستماع الى سورة يوسف تنزيل سورة يوسف ترتيب سورة يوسف: 12 (ترتيب النزول: 53) عدد آيات سورة يوسف: 111 عدد الكلمات في سورة يوسف: 1, 795 عدد الاحرف في سورة يوسف:7, 125 النزول: مكية Makki الأسم بالأنجليزي: Joseph موضعها في القرآن: من الصفحة 235 الى 248