الحمد لله. أولا:
روى الترمذي (2450) وحسنه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ). صححه الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره. الفردوس الاعلى من الجنة صراحة يتساءل بيان. فالجنة سلعة غالية ، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها ، ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله بمزيد فضله. وروى الترمذي (3174) وصححه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( َالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا) وصححه الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) متفق عليه. فإذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره وأنواع المشاق ، فكيف بأعلى درجاتها وأسمى منازلها ؟
هذا يدل على أن الأمر ليس بالأمر الهين. قال ابن القيم:
" أنزه الموجودات وأظهرها ، وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتا وقدرا وأوسعها: عرش الرحمن جل جلاله ، ولذلك صلح لاستوائه عليه ، وكل ما كان أقرب إلي العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه ؛ ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفها وأنورها وأجلها ، لقربها من العرش ، إذ هو سقفها ، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق ، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير " انتهى.
الفردوس الاعلي من الجنه ونعيمها
وروى أحمد (11783) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْوَسِيلَةُ دَرَجَةٌ عِنْدَ اللهِ لَيْسَ فَوْقَهَا دَرَجَةٌ ، فَسَلُوا اللهَ أَنْ يُؤْتِيَنِي الْوَسِيلَةَ). قال ابن القيم:
" لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنات ، بحيث لا جنة فوقه دون العرش = كان سقفا له دون ما تحته من الجنات " انتهى، من "حادي الأرواح" (67). وقال أيضا:
" وسميت درجة النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة ؛ لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن ، وهي أقرب الدرجات إلى الله ، وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب ، وهي فعيلة من وسل إليه ، إذا تقرب إليه ؛ قال لبيد:
بلى كُلُّ ذِي رَأْيٍ إلى الله وَاسِلُ
ومعني الوسيلة من الوصلة ، ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا " انتهى، من "حادي الأرواح" (79). وانظر للفائدة جواب السؤال (135085). وجمع العلماء بين الأحاديث التي فيها أن "الفردوس" أعلى الجنة ، وبين الأحاديث التي فيها أن "الوسيلة" أعلى الجنة ، بأن الفردوس ، عدة درجات ، أعلى درجة فيها هي درجة الوسيلة ، التي هي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم رحمه الله في نونيته (318):
لكنما الفــــــــــــــــردوسُ أعلاها وأو... فرق بين الفردوس ومنزلة الفردوس - إسلام ويب - مركز الفتوى. سطها مساكنُ صفوةِ الرحـــمـــنِ
أعلاه منزلةً لأعلى الخلق منـ... ـــــــزلةً هـــو المبعــــــــــوثُ بالقـــــــــرآنِ
وهي الوسيلة وهي أعلى رتبة... خلصت له فضلا من الرحمنِ
قال الشيخ محمود خليل هراس -رحمه الله- في شرح النونية (2/357):
"وأعلى منزلة في الفردوس هي الوسيلة ، التي خص الله بها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، الذي هو أعلى الخلق منزلةً ، فهي خالصةٌ له من دون الناس ، فضلا من الله عز وجل على حبيبه وأكرم خلقه" انتهى.
معاشر الإخوة! الفردوس أشرف منازل الجنة، وأعلى درجاتها، وخير نعيمها؛ فليس فوقه إلا عرش الرحمن، من الفردوس تتفجر أنهار الجنة، وليس المنبع كالمجرى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّة" رواه البخاري.
وهذا ما أكده المحدثون عندما ذكروا عدة مواقف: الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يُكرم من يدخل عليه ويُؤْثره بالوسادة، أي إذا كان متكئاً على وسادة ودخل عليه شخص قدَّم له ذلك المتكأ، كي يعطي أعظم الدروس في احترام الآخرين. الثاني: دخل أحد الأشخاص على النبي صلى الله عليه وآله في مسجده وكان المسجد خالٍ (فيه متسع) فتزحزح النبي صلى الله عليه وآله عن مكانه، فالتفت ذلك الداخل عليه وقال له: "يا رسول الله إنّ في المكان لمتسع" فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وقال: (( إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس أن يتزحزح له))، أي يشعره بعناية واحترام وتقدير لشخصه، وبالتالي إذا تم تبادل هذا الاحترام بين الناس أصبحت مكارم الخُلق هي التي تسود علاقات المجتمع وأفراده. الثالث: قضية توزيع غنائم حنين، فعندما قَسّم النبي صلى الله عليه وآله تلك الغنائم على زعماء قريش الذين دخلوا الإسلام حديثاً، ولم يُعطِ الأنصار شيئاً، فتأثروا من ذلك، لكونهم قدّموا الكثير للنبي صلى الله عليه وآله ولم يحصلوا على شيء.
احترام الناس - ملتقى الخطباء
الاحترام يجعل العديد من الأخلاق المذمومة تختفي؛ كالتسلُّط والتعالي على الغير. الاحترام وسيلة لكسب القلوب ويؤدي إلى التقارب بين جميع الأطراف. الاحترام قيمة عظيمة في الشريعة الاسلامية ويظهر أبعاده في جميع معاملات الحياة، وقد بيّن لنا الإسلام أهمية الاحترام وربَطَه بالإيمان، ولا تقتصر مظاهر الإحترام على مناسبةٍ أو وقتٍ معين، بل هو سلوكٌ وأسلوب عام في التَّعامل مع الغير، وهذا من حقِّ المسلم على المسلم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ، وعِيَادَةُ المَرِيضِ، واتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وإجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وتَشْمِيتُ العَاطِسِ). [١٧]
المراجع ^ أ ب "احترام الاخرين" ، إسلام ويب ، 18/6/2017، اطّلع عليه بتاريخ 29/8/2021. ↑ سورة البقرة، آية:83
↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:13. ↑ محمود الخزندار ، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا ، صفحة 479. احترام الناس - ملتقى الخطباء. بتصرّف. ↑ سورة البقرة، آية:256
↑ السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، صفحة 21، جزء 2. بتصرّف. ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري ، الصفحة أو الرقم: 3191.
أثر الإحترام على المجتمع - حياتكَ
ذات صلة مفهوم الاحترام في الإسلام موضوع عن احترام الآخرين
مفهوم احترام الآخرين في الإسلام
إنَّ احترام الآخرين له أهمية كبيرة في الإسلام، [١] وقد سنَّ الله -عزَّ وجلَّ- احترام الآخرين ومعاملة الغير على أُسسٍ واضحةٍ، وبأخلاق رفيعة، فمن فعل ذلك في تعامله مع الغير يُثاب، قال -عزَّ وجلَّ-: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً). [٢]
والاحترام في الإسلام له أبعاد عدة؛ فمنه أن نتحلَّى بالكلام الطيب، واللّين في معاملة الناس ونُصحهم للخير، بل وتمنِّي الخير لهم، واقترنت هذه القاعدة بكمال الإيمان كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، [٣] وقيل إنَّ هذا الحديث يُمثِّل رُبع الإسلام أي من أصل أربعة أحاديث لا يكتمل إيمان الفرد إلا بهنَّ. [١]
مظاهر احترام الآخرين
أمر الإسلام باحترام الآخرين، ومن مظاهر وصور ذلك ما يأتي: [٤]
احترام آرائهم وأديانهم
حث الإسلام على احترام آراء الناس وأديانهم، ومن أبعاد ذلك أنه نهى عن إكراه الآخرين للدخول في دين الله، يقول الله -عزَّ وجلَّ-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
تنبيه: أصل هذه الورقة خطبة منبرية ألقيتها: يوم الجمعة 10 جمادى الآخر 1434 هـ، الموافق 19 فبراير 2013 م. تم تنقيحها ومراجعتها والزيادة عليها يوم السبت 12 ربيع الأول 1436 هـ، الموافق 03 يناير 2015 م.