(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور)، إن أعطاك أو منعك، سواء كنت سليما معافى، او مريضا سقيما، غنيا او فقيرا عبدا او أميرا، كل هذه الاختلافات في الحظوظ ما هي إلا وجه من وجوه الاختبارات الدنيوية كأننا جميعا نمتحن وكل منا له اختبارات في مواد خاصة به، لا يشبه اختباري اختبارك وكل إنسان ممتحن في المنع والعطاء حتى آخر نفس، فمن سار على نور هذه الآية نجا وأفلح والعاقل من يسعى ليخرج بنتيجة فائز بامتياز، فاز حينما حافظ على الفرائض في وقتها، معلقا قلبه بالله أكبر، كانت منبهه، انه مخلوق ليبلوه الله هل يحسن العمل. فاز بأخلاقه وحسن تعامله، يسابق بابتسامة بكلمة طيبة ينشر البشر أينما حل وارتحل يثقل ميزانه بحسن أخلاقه، يبتعد عن المعاصي بعده عن النار، يذكر ربه ليلا ونهارا مستمدا منه العون على ابتلاء الحياة فإذا هو سائر على نور من الله لا ينطفئ. حاملا للنبراس لكل من ظل عن معنى الحياة والهدف منها: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور).
فيا عبد الله، أي غبنٍ، وأي خسارةٍ، في تَرْكِ سُؤالِ ربٍّ جوادٍ كريمٍ، بيدِهِ الخيرُ كُلُّه، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه؟! ربٌّ بلغَ جودُه وغناه أنه يستدعِي عبادَه ليسألوه من كلِّ ما يريدون، قال وهب بن منبه رحمه الله لرجلٍ كان يأتي بعضَ الأغنياءِ ليعطوه: ويحَك، تأتي من يغلقُ عنك بابه، ويظهرُ لك فقرَه، ويواري عنك غناه، وتتركُ من يفتحُ لك بابَه، ويظهر لك غناه، ويدعوك إلى مسألتِه: ادعني أستجب لك؟!! ( [8])
فاجتهدوا عباد الله في سؤالِ مولاكم جلَّ وعلا من كلِّ ما تشاؤون، فإنكم لا تَعدِمُون خيراً ما سألتموه ورجوتموه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلمٍ يدعو ليس بإثمٍ ولا قطيعةِ رحمٍ، إلا أعطاه اللهُ إحدى ثلاثٍ: إما أن يعجلَ له دعوتَه، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يدفعَ عنه من السوءِ مثلَها) فقال أحدُ الصحابةِ: إذاً نكثِرُ يا رسولَ الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهُ أكثرُ) ( [9]). إن دعاءَ اللهِ تعالى وسؤالَه والتضرُّعَ والشكوى إليه من أنفعِ الأدويةِ، فالدُّعاءُ عدوُّ البلاءِ، يدافعُه ويعالجُه ويمنعُ نزولَه ويرفعُه ويخفِّفُه، فـلا يهمك مع الدعـاءِ والتضرعِ أحدٌ، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ» ( [10]).
» ( [19]). فاتقوا اللهَ عباد اللهِ، وذروا كلَّ كسبٍ حرامٍ، فإن ما يفوتُكم من خيرِ الدنيا والآخرة، بسبب الكسبِ الحرامِ، أضعافَ أضعافَ ما تحصِّلونه من لذةٍ زائلةٍ، أو فرحةٍ كاذبةٍ، ويكفيك من هذا قوله جل وعلا: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾( [20])
الخطبة الثانية
فيا أيها المؤمنون! أكثِرُوا من سؤالِ اللهِ تعالى ودعائِه في الشِّدةِ والرَّخاءِ، والسراءِ والضراءِ، فإن الدعاءَ عبادةٌ جليلةٌ، يرفعُ اللهُ بها الدرجاتِ ويحط بها الخطياتِ، وتحصلُ بها المأمولاتُ والمطلوباتُ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: ( تعرَّفْ على اللهِ في الرَّخاءِ يعرفُك في الشدةِ) ( [21]). فاجتهدوا يا من ترجون النوالَ، وتؤملون جوابَ السؤال، اجتهدوا في دعاءِ اللهِ تعالى، تحرَّوْا أوقاتِ الإجابةِ، كساعةِ يومِ الجمعةِ، وجوفِ الليلِ الآخرِ، وبين الأذانِ والإقامةِ، وأدبارِ الصلواتِ المكتوباتِ، وغير ذلك من الأوقات الفاضلةِ. ادعوا اللهَ بقلوبٍ حاضرةٍ خاشعة منكسرة ذليلة، ألِحُّوا في الدعاءِ رغبةً ورهبةً، توسَّلوا إليه جل وعلا بأسمائه وصفاته، ارفعوا أيديكم حالَ دعائكم ، إلا في الأحوال التي لم يرد فيها رفعُ اليدين.
فيا أيها المؤمنون. ادعوا اللهَ واسألوه، واحرصوا على الأخذِ بآدابِ الدعاء، التي تزيدُ في أجرِه، وتغلِّبُ إجابتَه، فإن للدعاءِ آداباً واجبةً ومستحبةً، لها أثرٌ بالغٌ في تحصيلِ المطلوبِ، والأمنِ من المرهوبِ. فمن آدابِ الدعاءِ الواجبةِ: أن يخلِصَ العبدُ في دعائِه لله تعالى، فلا يدعو معه أحداً، بل يدعوه وحده لا شريكَ له، كما أمرَ اللهُ بذلك: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾( [11]). فدعاءُ غيرِ اللهِ وسؤالُه كدعاءِ الأمواتِ مثلاً أو الأحياءِ شركٌ، تحبَطُ به الأعمالُ، ويجنى به غضبُ اللهِ الواحدِ القهارِ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، ووحِّدوه بالسؤالِ والدعاءِ والطلبِ: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ ( [12]). إن من آدابِ الدعاءِ: دعاءَ اللهِ بأسمائه الحسنى وصفاتِه العليا، والثناءَ عليه وحمدَه، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ ( [13]). ثم بعد ذلك الصلاةُ على خاتمِ الرسلِ صلى الله عليه وسلم ، فإن عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه قال:"إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِوَالأَرْضِ لاَ يَصْعَدُ مِنْهُ شَىْءٌ حَتَّى تُ صلى عَلَى نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم " ( [14]).
كتاب الموطأ للإمام مالك رحمه الله هو واحد من دواوين الإسلام العظيمة، وكتبه الجليلة، يشتمل على جملة من الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة من كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم هو أيضا يتضمن جملة من اجتهادات المصنف وفتاواه. وقد سمي الموطأ بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس، بمعنى أنه: هذَّبَه ومهَّدَه لهم. ونُقِل عن مالك رحمه الله أنه قال: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطَأَنِي عليه، فسميته الموطأ. شرح موطأ الإمام مالك pdf. موطأ الإمام مالك الكملي
موطأ الإمام مالك شرح الزرقاني
رواية أبي مصعب الزهري: تمتاز بما فيها من الزيادات ، وبأنها
آخر رواية نقلت عن مالك ، وهي متداولة بين أهل العلم. رواية عبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ): وهي أكبر روايات
الموطأ وعبد الله من أثبت الناس في الموطأ عند ابن معين والنسائي وابن المديني. رواية محمد بن الحسن الشيباني. موطا الامام مالك بن أنس pdf. رواية عبد الله بن سلمة الفهري المصري. وغيرها كثير. [ تكلم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله عن
رواة الموطأ ، وذكر تعريفا بأربعة عشر نسخة من نسخه ، في مقدمته للطبعة التي حققها
من الموطأ ص 6-16]. وهذه الروايات تختلف فيما بينها في ترتيب الكتب والأبواب ، وفي
عدد الأحاديث المرفوعة والمرسلة والموقوفة والبلاغات ، كما تختلف في كثير من ألفاظ
الأحاديث اختلافا كبيرا. رابعا:
عدد أحاديث الموطأ يختلف باختلاف الروايات ، كما يختلف بحسب
اختلاف طريقة العدّ ، وذلك أن بعض أهل العلم يعد كل أثر من كلام الصحابة أو
التابعين حديثا مستقلا ، وبعضهم لا يعتبره ضمن العدد ، لذلك نكتفي بذكر العدد الذي
جاء في بعض الطبعات المحققة للموطأ ، وهي:
رواية يحيى الليثي: ( وهي الرواية الأشهر ، والمقصودة عند إطلاق
الموطأ): رقمها ترقيما كاملا الشيخ خليل شيحا ، فبلغ عدد الأحاديث بترقيمه (1942)
حديثا ، تشمل المرفوع والموقوف.
مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. شيوخ مالك في الأحاديث المرسلة:
شيوخه كُثر، ومن أجلهم محمد بن شهاب الزهري عن الفقهاء السبعة. (سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، خارجة بن زيد بن ثابت، عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، سليمان بن يسار، أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل سالم وقيل أبو سلمة). شرج بعض مصطلحات الموطأ:
قول مالك: "السنة عندنا كذا وكذا ": يقصد قوله هو، واختيارات الفقهاء السبعة، أو بعضهم، ولا تكون محل إجماع غالبًا. قوله: "الأمر المجتمع عليه عندنا ": سماع غير واحد من أهل العلم، والأئمة المقتدى بهم الذين أخذت عنهم، ورأيهم مثل رأي الصحابة، فالأمر هو ما عمل به الناس، وجرت به الأحكام وعرَفه الجاهل والعالم، قوله: "عن الثقة عنده": إذا تذكر الحديث، وتذكر أنه قاله، وأنه على شرطه، لكنَّه نسِي مَن رواه عنه، وليس يريد تكنية راوٍ معين معروف عنده. موطأ الإمام مالك شرح الزرقاني. قوله: "السنة التي لا اختلاف فيها عندنا ": يعبر به عن قول الفقهاء السبعة وعموم فقهاء المدينة. قوله: "هذا أحسن ما سمعت": يعني إذا اختلفوا أخذ بأقوى أقوالهم وأرجحها؛ إما بكثرة القائلين، أو لموافقة قياس قوي.