قال الإمام الخرائطي في ( اعتلال القلوب): حدثنا أبو بدر الغبري قال: حدثنا علي بن حميد قال: حدثنا صالح المري ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله عز وجل لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه ".

تخريج حديث: ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا ....) - شبكة السنة النبوية وعلومها

وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه ، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم وسوء طويتهم ، فقال عن المنافقين حين تركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة أحد: ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) (سورة آل عمران: 154) ، وقال عن المنافقين والمشركين: ( الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء) (سورة الفتح: 6). وفي الحديث ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه. فينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد ، فإن ظن أن الله لا يقبله ، أو أن التوبة لا تنفعه ، فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من كبائر الذنوب, ومن مات على ذلك وُكِل إلى ظنه ، ولذا جاء في بعض طرق الحديث السابق ( فليظن بي ما شاء) رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح. ومما ينبغي أن يُعْلم في هذا الباب أن حسن الظن بالله يعنى حسن العمل ، ومن ذلك الدعاء ، ولا يعني أبداً الركون إلى الأماني والاغترار بعفو الله. ثم بين سبحانه سعة فضله وعظيم كرمه وقربه من عبده ، وأن العبد كلما قرب من ربه جل وعلا ازداد الله منه قرباً ، وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه قريب من عبده فقال: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) سورة البقرة: 186 ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم ، وأن عطاء الله وثوابه أكثر من عمل العبد وكدحه ، ولذلك فإنه يعطي العبد أكثر مما فعله من أجله ، فسبحانه ما أعظم كرمه وأجَلَّ إحسانه.

انتهى. وقال الطيبي -رحمه الله- في الكلام على هذا الحديث: قال التوربشتي: فيه وجهان: أحدهما، أن يقال: كونوا أوان الدعاء على حالة تستحقون منها الإجابة، وذلك بإتيان المعروف، واجتناب المنكر، وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء وآدابه، حتى تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد، وثانيهما: أن يقال: ادعوه معتقدين لوقوع الإجابة؛ لأن الداعي إذا لم يكن متحققًا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقًا، وإذا لم يكن الرجاء صادقًا، لم يكن الدعاء خالصًا، والداعي مخلصًا، فإن الرجاء هو الباعث على الطلب، ولا يتحقق الفرع إلا بتحقق الأصل.