عناصر الخطبة من دعاء الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- حرص الأنبياء على استقامة أعدائهم واقع الأمة يصد عن دينها جريمة سفك الدماء نعمة الأمن ووجوب الحفاظ عليها. اقتباس إن الناظر إلى ما آلت إليه حال كثير من المسلمين اليوم، يرى أن واقعهم أمماً وأفرادا، يشكل حجاباً كثيفاً يطمس نور الإسلام، ويصد عن سبيله، فهذا الواقع المرير يمثل سداً حائلاً منفراً عن التعرف على الإسلام، والاطلاع على ما فيه من الهدى والنور، فضلاً عن الانضمام إلى ركب أهل الإيمان، واعتناق الإسلام.. إن نظرة عجلى في نصوص الكتاب والسنة تبين عظيم حرمة الأنفس، وخطورة الدماء، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لن يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً"، يعني: في سعة، وطمأنينة، وسلامة. {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} - مدحت القصراوي - طريق الإسلام. الخطبة الأولى: أيها المؤمنون: إن الله تعالى قصّ في كتابه شيئاً مما كان يدعو به إبراهيم – عليه السلام – فقال -جل وعلا- في دعاء إبراهيم: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الممتحنة: 5]، وقريب منه ما دعا به موسى – عليه السلام -؛ حيث قال: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 85].
- {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} - مدحت القصراوي - طريق الإسلام
- تفسير: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب)
- تفسير ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام - إسلام ويب - مركز الفتوى
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} - مدحت القصراوي - طريق الإسلام
ومن نافلة البيان أن هذا الواقع يتضمن سوأتين:
السوأة الأولى: تقصيرنا في امتثال ما أمرنا الله تعالى به من التقوى والإحسان. والسوأة الثانية: حجبنا أنوار هذا الدين، وما فيه من الهدى والصراط المستقيم، عن خلق الله تعالى، المتعطشين إلى أنواره، المتلهفين إلى هدايته، شعرنا بذلك أو لم نشعر، فصدق في كثير منا قول الأول:
قوم إذا خرجوا من سوأة ولجوا*** في سـوأة لم يـجـنوها بأستـار
إن المسلم الصادق يجهد في أن يسلم من الصد عن سبيل الله في قول أو عمل أو حال. أيها المؤمنون، إن النبي –صلى الله عليه وسلم-: قال في صحابي كان يطيل الصلاة بأصحابه: "إن منكم منفرين"، بل اشتد غضبه -صلى الله عليه وسلم-: من ذلك حتى قال أبو مسعود البدري راوي الحديث –رضي الله عنه-: فما رأيت رسول الله قط أشد غضباً في موعظة منه يومئذ، ثم قال " يا أيها الناس إن منكم منفرين ". وفي قصة مشابهة يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل –رضي الله عنه- لما أخبر بإطالته الصلاة: " يا معاذ أفتان أنت ؟! " أي: أمنفر عن الدين صاد عنه؟! هذا قوله –صلى الله عليه وسلم- وفعله وتغليظه على من نفر عن دين الله في قضية جزئية وواقعة فردية، وهي إطالة الصلاة على المأمومين، فليت شعري ما تراه – صلى الله عليه وسلم - قائلاً في أقوام لهم أفعال كثيرة، وأعمال عديدة، ومناهج وطيدة يدور فلكها، ويقوم أودها على التنفير عن سبيل الله والصد لعباد الله؟!
إن نظرة عجلى في نصوص الكتاب والسنة تبين عظيم حرمة الأنفس، وخطورة الدماء، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « لن يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً »(10)، يعني: في سعة، وطمأنينة، وسلامة. إننا أيها المسلمون ننكر هذا الاستخفاف بالدماء الذي تورط فيه أهل الطيش والسفه، مهما جهدوا في تبريره، أو تكلفوا في تسويغه، أو بحثوا عن حججه. إن الأصل المكين تحريم قتل النفس التي حرم إلا ببينة كالشمس، وحجة كالفلق، إن إزهاق الأرواح لا يكون إلا وفق ضوابط محددة، وقواعد بينة، وسنن جلية، فلا يجوز لأحد أن يتهوك في دم حرام، أو نفس معصومة مصونة، سواء كان مسلماً أو كافرا إلا ببينه وبرهان. أقول هذا القول؛ وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: أما بعد: فإن من أعظم ما ترزقه الأمم والمجتمعات: الأمن على الأنفس والأعراض والأموال. إن المحافظة على الأمن يا عباد الله ضرورة شرعية ودنيوية، لا بد من السعي في تحقيقها، فلا يمكن أن تصلح دنيا الناس، ولا أن يستقيم دينهم إلا به. أيها المؤمنون، إن المحافظة على الأمن واجب الجميع، ولذلك يجب أن نتكاتف جميعاً لمنع كل ما يخل بأمننا، مهما كانت صورة الخلل أو نوعه، فكل خلل يهدد الأمن، سواء كان ذلك من تصرفات الطائشين المنحرفين، من أصحاب الأفكار الضالة، والأهواء الزائغة، أو كان ذلك من جنايات المجرمين، وأعمال المعتدين، من السراق وقطاع الطرق وغيرهم.
رواه ابن أبي حاتم. وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب: ( ولا وصيلة) قال: فالوصيلة من الإبل ، كانت الناقة تبتكر بأنثى ، ثم تثنى بأنثى ، فسموها الوصيلة ، ويقولون: وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم. وكذا روي عن الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله. وقال محمد بن إسحاق: الوصيلة من الغنم: إذا ولدت عشر إناث في خمسة أبطن ، توأمين توأمين في كل بطن ، سميت الوصيلة وتركت ، فما ولدت بعد ذلك من ذكر أو أنثى ، جعلت للذكور دون الإناث. وإن كانت ميتة اشتركوا فيها. وأما الحام ، فقال العوفي عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا لقح فحله عشرا ، قيل حام ، فاتركوه. وكذا قال أبو روق وقتادة. ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وأما الحام فالفحل من الإبل ، إذا ولد لولده قالوا: حمى هذا ظهره ، فلا يحملون عليه شيئا ، ولا يجزون له وبرا ، ولا يمنعونه من حمى رعي ، ومن حوض يشرب منه ، وإن كان الحوض لغير صاحبه. وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: أما الحام فمن الإبل كان يضرب في الإبل ، فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس وسيبوه. وقد قيل غير ذلك في تفسير هذه الآية. وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ، من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص الجشمي ، عن أبيه مالك بن نضلة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلقان من الثياب ، فقال لي: " هل لك من مال؟ " قلت نعم.
تفسير: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب)
وقيل: هي التي تسيب للأصنام أي تعتق لها، وكان الرجل يسيب من ماله ما يشاء فيجيء به إلى السدنة - وهم خدمة آلهتهم - فيطعمون من لبنها أبناء السبيل ونحو ذلك عن ابن عباس وابن مسعود. وقيل: إن السائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سيبت فلم تركبوها، ولم يجزوا وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم تخلى سبيلها مع أمها، وهي البحيرة، عن محمد بن إسحاق. تفسير ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام - إسلام ويب - مركز الفتوى. وأما الوصيلة ففي المجمع: وهي في الغنم، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم. عن الزجاج. وقيل: كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع جديا ذبحوه لآلهتهم ولحمه للرجال دون النساء، وإن كان عناقا، استحيوها وكانت من عرض الغنم، وإن ولدت في البطن السابع جديا وعناقا قالوا: إن الأخت وصلت أخاها لحرمته علينا فحرما جميعا فكانت المنفعة واللبن للرجال دون النساء، عن ابن مسعود ومقاتل. وقيل: الوصيلة الشاة إذا تأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيها ذكر جعلت وصيلة فقالوا: قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الإناث عن محمد بن إسحاق. وأما الحامي ففي المجمع: هو الذكر من الإبل كانت العرب إذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا من مرعى، عن ابن عباس وابن مسعود، وهو قول أبي عبيدة والزجاج.
تفسير ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام - إسلام ويب - مركز الفتوى
صحيح أنّ عملهم هذا ضرب من العرفان بالجميل ومظهر من مظاهر الشكر، حتى نحو الحيوانات، وهو بهذا جدير بالتقدير والإِجلال، ولكنّه كان تكريماً لا معنى له لحيوانات لا تدرك ذلك. كما كان - فضلا عن ذلك - مضيعة للمال وإِتلافاً لنعم الله وتعطيلها عن الإِستثمار النافع، ثمّ أنّ هذه الحيوانات، بسبب هذا الإِحترام والتكريم، كانت تعاني من العذاب والجوع والعطش لأنّه قلما يقدم أحد على تغذيتها والعناية بها. ولما كانت هذه الحيوانات كبيرة في السن عادة، فقد كانت تقضي بقية أيّامها في كثير من الحرمان والحاجة حتى تموت ميتة محزنة، ولهذا كله وقف الإِسلام بوجه هذه العادة! ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة تفسير. إِضافة إِلى ذلك، يستفاد من بعض الرّوايات والتفاسير أنّهم كانوا يتقربون بذلك كله، أو بقسم منه إِلى أصنامهم، فكانوا في الواقع ينذرون تلك الحيوانات لتلك الأصنام، ولذلك كان إِلغاء هذه العادات تأكيداً لمحاربة كل مخلفات الشرك. والعجيب في الأمر، أنّهم كانوا يأكلون لحوم تلك الحيوانات إِذا ما ماتت موتاً طبيعياً (وكأنّهم يتبركون بها) وكان هذا عملا قبيحاً آخر ( 1). ثمّ تقول الآية: (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) قائلين أنّ هذه قوانين إِلهية دون أن يفكروا في الأمر ويعقلوه، بل كانوا يقلدون الآخرين في ذلك تقليداً أعمى: (وأكثرهم لا يعقلون).
الآية الثّانية تشير إلى منطقهم ودليلهم على قيامهم بهذه الأعمال: (وإِذا قيل لهم تعالوا إِلى ما أنزل الله وإِلى الرّسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا). تفسير: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب). في الواقع، كان كفرهم وعبادتهم الأصنام ينبع من نوع آخر من الوثنية، هو التسليم الأعمى للعادات الخرافية التي كان عليها أسلافهم، معتبرين ممارسات أجدادهم لها دليلا قاطعاً على صحتها، ويرد القرآن بصراحة على ذلك بقوله: (أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون). أي لو كان أجدادكم الذين يستندون إِليهم في العقيدة والعمل من العلماء والمهتدين لكان إِتباعكم لهم إِتباع جاهل لعالم، لكنكم تعلمون أنّهم، لا يعلمون أكثر منكم ولعلهم أكثر تخلفاً منكم، ومن هنا فإنّ تقليدكم إِيّاهم تقليد جاهل لجاهل، وهو فوض ومذموم في ميزان العقل. تركيز القرآن في هذه الآية على كلمة "أكثر" يدل على أنّه كانت في ذلك المحيط الجاهلي المظلم فئة - وإِن قلت - على قدر من الفهم بحيث تنظر بعين الإِحتقار والإِشمئزاز إِلى تلك الممارسات. الأسلاف:
من الأُمور التي كانت سائدة في الجاهلية والتي تكررت الإِشارة إِليها في القرآن التفاخر بالآباء والأجداد وإِجلالهم إِلى حدّ التقديس الأعمى وإِتباع أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم.