وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه ، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم وسوء طويتهم ، فقال عن المنافقين حين تركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في غزوة أحد: { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية} (آل عمران: 154) ، وقال عن المنافقين والمشركين: { الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء} (الفتح: 6). والمراد من الحديث تغليب جانب الرجاء ، فإن كل عاقل يسمع بهذه الدعوة من الله تبارك وتعالى ، لا يمكن أن يختار لنفسه ظن إيقاع الوعيد ، بل سيختار الظن الحسن وهو ظن الثواب والعفو والمغفرة وإيقاع الوعد وهذا هو الرجاء ، وخصوصاً في حال الضعف والافتقار كحال المحتضر فإنه أولى من غيره بإحسان الظن بالله جل وعلا ولذلك جاء في الحديث ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه. فينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد ، فإن ظن أن الله لا يقبله ، أو أن التوبة لا تنفعه ، فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من كبائر الذنوب, ومن مات على ذلك وُكِل إلى ظنه ، ولذا جاء في بعض طرق الحديث السابق حديث الباب ( فليظن بي ما شاء) رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
انا عند حسن ظن عبدي بی سی
*********** جزاء الذاكرين ثم أتبع ذلك ببيان فضل الذكر وجزاء الذاكرين ، فذكر الله عز وجل أنه مع عبده حين يذكره ، وهذه المعية هي معية خاصة وهي معية الحفظ والتثبيت والتسديد كقوله سبحانه لموسى وهارون:{ إنني معكما أسمع وأرى}(طـه 46). وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان وتدبر الذاكر معانيه ، وأعظمه ذكر الله عند الأمر والنهي وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
انا عند حسن ظن عبدي بی بی
أنا عند حسن ظن عبدي بي || الدكتور راتب النابلسي - YouTube
أنا عند حسن ظن عبدي بي - حكمة حسن الظن بالله | حكوتة - YouTube
نواصل، اليوم، سلسلة "آية و5 تفسيرات" التى بدأناها منذ أول رمضان، ونتوقف اليوم عند آية من الجزء الثامن، هى الآية رقم 121 فى سورة الأنعام، والتى يقول فيها الله سبحانه "وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ". تفسير الطبرى
قال أبو جعفر: يعنى بقوله جل ثناؤه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه)، لا تأكلوا، أيها المؤمنون، مما مات فلم تذبحوه أنتم، أو يذبحه موحِّدٌ يدين لله بشرائع شَرَعها له فى كتاب منـزل، فإنه حرام عليكم ولا ما أهلَّ به لغير الله مما ذبَحه المشركون لأوثانهم, فإن أكل ذلك " فسق ", يعني: معصية كفر. (14)
فكنى بقوله: " وإنه "، عن " الأكل " وإنما ذكر الفعل كما قال: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، [سورة آل عمران: 173] يراد به، فزاد قولُهم ذلك إيمانًا, فكنى عن " القول ", وإنما جرى ذكره بفعلٍ (16). ابن كثير
استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أنه لا تحل الذبيحة التى لم يذكر اسم الله عليها، ولو كان الذابح مسلما، وقد اختلف الأئمة، رحمهم الله، فى هذه المسألة على أقوال:
فمنهم من قال: لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة، وسواء متروك التسمية عمدا أو سهوا.
تفسير: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه)
المسألة الخامسة: قوله تعالى: { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} يعني: فمطلق سبب الآية الميتة ، وهي التي قالوا هم فيها: ولا نأكل مما قتل الله. فقال الله لهم: لا تأكلوا منها; فإنكم لم تذكروا اسم الله عليها. فإن قيل وهي:
المسألة السادسة: هذا هو السبب الذي خرجت عليه الآية ، وقصر اللفظ الوارد على السبب المورود عليه إذا كان اللفظ مستقلا دون عطفه عليه لا يجوز لغة ولا حكما. [ ص: 271]
قلنا: قد آن أن نكشف لكم نكتة أصولية وقعت تفاريق في أقوال العلماء تلقفتها جملة من فك شديد; وذلك أنا نقول: مهما قلنا: إن اللفظ الوارد على سبب ، هل يقصر عليه أم لا ؟ فإنا لا نخرج السبب عنه ، بل نقره فيه ، ونعطف به عليه ، ولا نمتنع أن يضاف غيره إليه إذا احتمله اللفظ ، أو قام عليه الدليل; فقوله: { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} ظاهر في تناول الميتة بعموم لفظه ، وكونها سببا لوروده ، ويدخل فيه ما ذكر اسم الله عليه اسم غير الله من الآلهة المبطلة وهي:
معنى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}
وهو مروى عن ابن عمر، ونافع مولاه، وعامر الشعبى، ومحمد بن سيرين. والمذهب الثانى فى المسألة: أنه لا يشترط التسمية، بل هى مستحبة، فإن تركت عمدا أو نسيانا لم تضر وهذا مذهب الإمام الشافعى، رحمه الله، وجميع أصحابه، ورواية عن الإمام أحمد. تفسير البغوى
قوله عز وجل: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) قال ابن عباس رضى الله عنهما: الآية فى تحريم الميتات وما فى معناها من المنخنقة وغيرها. وقال عطاء: الآية فى تحريم الذبائح التى كانوا يذبحونها على اسم الأصنام. واختلف أهل العلم فى ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها: فذهب قوم إلى تحريمها سواء ترك التسمية عامدا أو ناسيا، وهو قول ابن سيرين والشعبى، واحتجوا بظاهر هذه الآية. وذهب قوم إلى تحليلها، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مالك والشافعى وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين. وذهب قوم إلى أنه إن ترك التسمية عامدا لا يحل، وإن تركها ناسيا يحل، حكى الخرقى من أصحاب أحمد: أن هذا مذهبه، وهو قول الثورى وأصحاب الرأى. من أباحها قال: المراد من الآية الميتات أو ما ذبح على غير اسم الله بدليل أنه قال: ( وإنه لفسق) والفسق فى ذكر اسم غير الله كما قال فى آخر السورة ( قل لا أجد فى ما أوحى إلى محرما على طاعم) إلى قوله ( أو فسقا أهل لغير الله به)
واحتج من أباحها بما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحى أنا أحمد بن عبد الله النعيمى أخبرنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو خالد الأحمر قال سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها، قالت: قالوا: يا رسول الله إن هنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندرى يذكرون اسم الله عليها أم لا؟ قال: اذكروا أنتم اسم الله وكلوا".
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} يعني بقوله جلّ ثناؤه: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ}: لا تأكلوا أيها المؤمنون مما مات فلم تذبحوه أنتم أو يذبحه موحد يدين لله بشرائع شرعها له في كتاب منزّل فإنه حرام عليكم، ولا ما أهلّ به لغير الله مما ذبحه المشركون لأوثانهم، فإن أكْلَ ذلك فسق، يعني: معصية كفر. فكنى بقوله: «وإنه» عن «الأكل»، وإنما ذكر الفعل، كما قال: { الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيماناً} يراد به: فزاد قولهم ذلك إيماناً، فكنى عن القول، وإنما جرى ذكره بفعل. { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائهِمْ}: اختلف أهل التأويل في المعنّي بقوله: { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْليائهمْ} فقال بعضهم: عنى بذلك: شياطين فارس ومن على دينهم من المجوس { إلى أوْلِيَائِهِمْ} من مَرَدِةِ مشركي قريش، يوحون إليهم زخرف القول، ليصل إلى نبيّ الله وأصحابه في أكل الميتة.