وتواصوا بالمرحمة للخلق، من إعطاء محتاجهم، وتعليم جاهلهم، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، [ ص: 1971] ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، أولئك الذين قاموا بهذه الأوصاف، الذين وفقهم الله لاقتحام هذه العقبة أولئك أصحاب الميمنة لأنهم أدوا ما أمر الله به من حقوقه وحقوق عباده، وتركوا ما نهوا عنه، وهذا عنوان السعادة وعلامتها. والذين كفروا بآياتنا بأن نبذوا هذه الأمور وراء ظهورهم، فلم يصدقوا بالله، ولا آمنوا به ، ولا عملوا صالحا، ولا رحموا عباد الله، والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة أي: مغلقة، في عمد ممددة، قد مدت من ورائها، لئلا تنفتح أبوابها، حتى يكونوا في ضيق وهم وشدة والحمد لله.
تفسير سورة البلد
اللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم
المختصر في تفسير القرآن الكريم باللغة العربية، صادر عن مركز تفسير للدراسات القرآنية. ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ﴾
أقسم الله بالبلد الحرام الذي هو مكة المكرمة. ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ﴾
وأنت - أيها الرسول - حلال لك ما تصنع فيها؛ من قَتْل مَنْ يستحق القتل، وأَسْر من يستحقّ الأسر. ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾
وأقسم الله بوالد البشر، وأقسم بما تناسل منه من الولد. ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾
لقد خلقنا الإنسان في تعب ومشقة؛ لما يعانيه من الشدائد في الدنيا. تفسير سورة البلد. ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾
أيظنّ الإنسان أنه إذا اقترف المعاصي لا يقدر عليه أحد، ولا ينتقم منه، ولو كان ربه الذي خلقه؟! ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾
يقول: أنفقت مالًا كثيرًا متراكمًا بعضه فوق بعض. ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾
أيظنّ هذا المتباهي بما ينفقه أن الله لا يراه؟! وأنه لا يحاسبه في ماله؛ من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟! ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾
ألم نجعل له عينين يبصر بهما؟! ﴿وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾
ولسانًا وشفتين يتحدث بها؟!
والمقسم عليه قوله: لقد خلقنا الإنسان في كبد يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم. وإن لم يفعل، فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد. سورة البلد تفسير للاطفال. ويحتمل أن المعنى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وأقوم خلقة، يقدر على التصرف والأعمال الشديدة، ومع ذلك، فإنه لم يشكر الله على هذه النعمة العظيمة ، بل بطر بالعافية وتجبر على خالقه، فحسب بجهله وظلمه أن هذه الحال ستدوم له، وأن سلطان تصرفه لا ينعزل، ولهذا قال تعالى: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ويطغى ويفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه. فـ يقول أهلكت مالا لبدا أي: كثيرا، بعضه فوق بعض. وسمى الله تعالى الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكا، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود إليه من إنفاقه إلا [ ص: 1970] الندم والخسار والتعب والقلة، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير، فإن هذا قد تاجر مع الله، وربح أضعاف أضعاف ما أنفق. قال الله متوعدا هذا الذي يفتخر بما أنفق في الشهوات: أيحسب أن لم يره أحد أي: أيظن في فعله هذا، أن الله لا يراه ويحاسبه على الصغير والكبير؟ بل قد رآه الله، وحفظ عليه أعماله، ووكل به الكرام الكاتبين، لكل ما عمله من خير وشر.
[2] هذا هو ما اشتهر في الأمصار وقرأ به الكبار والصِّغار، ولكن إظهار الميم عند الباء إظهارًا شفويًّا صحيح أيضًا، وقد حكى الإمام ابن الجزري الخلاف في التمهيد (1/115)، وقال في النشر (1/ 166): والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا أن الإخفاء أولى؛ للإجماع على إخفائها عند القلب؛ ا. هـ، قلت: ولا يدرك هذا إلا القراء المحققون، فالإخفاء أولى لئلا يشتعل الخلاف، وبالله التوفيق. [3] يعني لقرب الفاء واتحاد الواو، وهذا في علم البديع يسمى لفًّا ونشرًا غير مرتب أو مشوشًا، والمعنى: يخفي البعض الميم الساكنة عند الفاء لتقارب المخرجين، ويُخفي عند الواو لاتحاد المخرج؛ فاحذر الإخفاء.
أحكام الميم الساكنة - سطور
الخاء مع الميم الساكنة في كلمتين مثل}أم خلقوا{كما في قوله تعالى
أَمْ خُلِقُوا
مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ}
(سورة الطور الآية: 35). الدال مع الميم الساكنة في كلمة واحدة مثل}يمددكم{كما في قوله تعالى
وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}
(سورة نوح الآية: 12)
، ومع الميم الساكنة في كلمتين مثل}عليهم دائرة{ كما في قوله تعالى
{وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ
السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
(سورة التوبة الآية: 98). الذال مع الميم الساكنة في كلمتين مثل}اتبعتهم ذريتهم{كما في قوله تعالى
{وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}
(سورة الطور الآية: 21).
وقد أشار صاحب التحفة إلى حكم الإدغام الصغير بقوله فيها:
والثانِ إدغامٌ بمثلها أتى
وسمِّ إدغاماً صغيراً يا فتى
وكذلك ينطوي دليل هذا الإدغام أيضاً تحت قول الحافظ ابن الجزير في المقدمة الجزرية الآتي بعد:
وأولى مثل وجنسٍ إن سكن
أدغم............. الخ
وهو من باب إدغام المثلين الصغير. الكلام على الحكم الثالث:
الإظهار الشفوي ووجهه وضابطه:
فلت ست وعشرون حرفاً وهي الباقية من حروف الهجاء التي هي، ما عدا " الباء والميم "، فيكون النطق بالميم الساكنة ظاهراً من غير غنة سواء في كلمة واحدة أو في كلمتين ودب إظهارها، ويسمى إظهاراً شفوياً.