﴿ تفسير البغوي ﴾
( متكئين على سرر مصفوفة) موضوعة بعضها إلى جنب بعض ( وزوجناهم بحور عين). ﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ منصوب على الحال من فاعل كُلُوا أو من الضمير المستكن في قوله جَنَّاتٍ. أى: هم في جنات عظيمة، حالة كونهم متكئين فيها على سرر موضوعة على صفوف منتظمة، وعلى خطوط مستوية، والسّرر: جمع سرير وهو ما يجلس عليه الإنسان للراحة. إعراب قوله تعالى: كذلك وزوجناهم بحور عين الآية 54 سورة الدخان. وقوله: وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ بيان لنعمة أخرى من النعم التي يتلذذون بها. أى: وفضلا عن كل ذلك، فقد زوجناهم بنساء جميلات. وبذلك نرى أن هؤلاء المتقين، قد أكرمهم الله- تعالى- بكل أنواع النعيم، من مسكن طيب، ومأكل كريم، ومشرب هنيء، وأزواج مطهرات من كل سوء. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله: ( متكئين على سرر مصفوفة) قال الثوري ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس: السرر في الحجال. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمرو; أنه سمع الهيثم بن مالك الطائي يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحول عنه ولا يمله ، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ". وحدثنا أبي ، حدثنا هدبة بن خالد ، عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال: بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة ، عنده من أزواجه وخدمه وما أعطاه الله من الكرامة والنعيم ، فإذا حانت منه نظرة فإذا أزواج له لم يكن رآهن قبل ذلك ، فيقلن: قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيبا.
إعراب قوله تعالى: كذلك وزوجناهم بحور عين الآية 54 سورة الدخان
أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ (39)
ألِلهِ سبحانه البنات ولكم البنون كما تزعمون افتراء وكذبًا؟
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)
بل أتسأل -أيها الرسول- هؤلاء المشركون أجرًا على تبليغ الرسالة, فهم في جهد ومشقة من التزام غرامة تطلبها منهم؟
أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)
أم عندهم علم الغيب فهم يكتبونه للناس ويخبرونهم به؟ ليس الأمر كذلك; فإنه لا يعلم الغيب في السموات والأرض إلا الله. كتب وزوجناهم بحور عين - مكتبة نور. أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ (42)
بل يريدون برسول الله وبالمؤمنين مكرًا، فالذين كفروا يرجع كيدهم ومكرهم على أنفسهم. أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)
أم لهم معبود يستحق العبادة غير الله؟ تنزَّه وتعالى عما يشركون، فليس له شريك فى الملك، ولا شريك في الوحدانية والعبادة. وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنْ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
وإن ير هؤلاء المشركون قطعًا من السماء ساقطًا عليهم عذابًا لهم لم ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب, ولقالوا: هذا سحاب متراكم بعضه فوق بعض.
فليس في الجنة إلا النعيم والسرور ، ولا مكان للحقد والغل في قلوب أهل الجنة ، والحور العين خلْق من الله تعالى إكراماً لأهل الجنة زيادة
في نعيمهم ، ثم إن الرجل يُعطى قوة مئة رجل في الجماع ، فليس ثمة ما يؤثر كثرة العدد على المرأة ، ولن يكون في قلبها ما يكون في الدنيا تجاه ضرائرها أو
تجاه إماء زوجها. عن زيد بن أرقم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع
" ، فقال رجل من اليهود: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد
ضمر ". أي: انهضم ما في بطنه من الطعام. ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
المائدة / 50. موقع هدى القرآن الإلكتروني. رواه أحمد ( 18827) ، وصححه ابن حبان ( 16 / 443) ، والشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1627). وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يُعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع ، قيل: يا رسول الله أو يطيق ذلك ؟ قال:
يُعطى قوة مائة ". رواه الترمذي ( 2536) ، وصححه ابن حبان ( 16 / 413) ، والشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 8106).
كتب وزوجناهم بحور عين - مكتبة نور
القول في تأويل قوله تعالى: كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يقول تعالى ذكره: كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالناهم الجنات, وإلباسناهم فيها السندس والإستبرق, كذلك أكرمناهم بأن زوّجناهم أيضا فيها حورا من النساء, وهن النقيات البياض, واحدتهنّ: حَوْراء. وكان مجاهد يقول في معنى الحُور, ما حدثني به محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) قال: أنكحناهم حورا. قال: والحُور: اللاتي يحار فيهنّ الطرف بادٍ مُخُّ سوقهنّ من وراء ثيابهنّ, ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهنّ كالمرآة من رقة الجلد, وصفاء اللون. وهذا الذي قاله مجاهد من أن الحور إنما معناها: أنه يحار فيها الطرف, قول لا معنى له في كلام العرب, لأن الحُور إنما هو جمع حوراء, كالحمر جمع حمراء, والسود: جمع سوداء, والحوراء إنما هي فعلاء من الحور وهو نقاء البياض, كما قيل للنقيّ البياض من الطعام الحُوَّارِيُّ. وقد بينَّا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال سائر أهل التأويل.
علم العروض أوجد الخليل بن أحمد الفراهيدي علم العروض للتمييز بين مدى صحة أوزان الشعر العربي من فسادها، وما قد يطرأ عليها من فساد وعلل، ويعدّ هذا النوع من العلوم حديثاً نسبيّاً ولم يكن معروفاً لدى العرب القدماء، ويركز هذا العلم جُلّ اهتمامه على أوزان الشعر العربي وتفعيلاتها التي يندرج كل نوع منها تحت ما يسمى بالبحر الشعريّ. بحور الشعر يستند الشعراء على ما يسمّى ببحور الشعر في نظم قصائدهم، والمقصود ببحور الشعر أنّها مجموعة من التفعيلات أو الأوزان التي يقيس عليها الشاعر أبيات قصيدته، ويكتبها على وزنها، ويعتبر الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس هذه البحور، أما صفي الدين الحلي فهو واضع مفاتيح هذه البحور، ويتألف بحر الشعر من قسمين متطابقين تماماً من حيث نوع وعدد التفعيلات. وكما يمكن تعريف بحور الشعر بأنّها عدد من الأوزان أو الإيقاعات التي ترتبط بشكل وثيق بالشعر والموسيقى بمختلف أنواعها في الشعر العربي، وجاءت تسمية البحر بهذا الاسم نظراً للتشابه بينه وبين البحر الحقيقيّ، إذ يعتبران لا متناهيين في السعة بالرغم مما يُغترف منهما. اعتمد الفراهيدي في وضع بحور الشعر على منهج يشير إلى أنّ الكلمات في اللغة العربية تتكوّن من متحرّكات وساكنات، ويُعتمد في بحور الشعر أسلوب وكيفية النطق وليس وفقاً للكتابة، وأوضح الفراهيدي أنّ أي حرف غير منطوق يسقط في الوزن، حتى لو كان مكتوباً، ويطلق مفهوم التفاعيل على المجموعات التي تُصنّف تحتها المتحركات والساكنات.
موقع هدى القرآن الإلكتروني
* ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) قال: بيضاء عيناء, قال: وفي قراءة ابن مسعود ( بعِيس عِين). حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( بِحُورٍ عِينٍ) قال: بيض عين, قال: وفي حرف ابن مسعود ( بعِيس عِين). وقرأ ابن مسعود هذه, يعني أن معنى الحور غير الذي ذهب إليه مجاهد, لأن العيس عند العرب جمع عيساء, وهي البيضاء من الإبل, كما قال الأعشى: وَمَهْمَـهٍ نَـازِحٍ تَعْـوِي الذّئـابُ بِـهِ كَــلَّفْتُ أَعْيَسَ تَحْـتَ الرَّحْـلِ نَعَّابـا (5) يعني بالأعيس: جملا أبيض. فأما العين فإنها جمع عيناء, وهي العظيمة العينين من النساء. وقوله ( يَدْعُونَ فِيهَا)... الآية, يقول: يدعو هؤلاء المتقون في الجنة بكلّ نوع من فواكه الجنة اشتهوه, آمنين فيها من انقطاع ذلك عنهم ونفاده وفنائه, ومن غائلة أذاه ومكروهه, يقول: ليست تلك الفاكهة هنالك كفاكهة الدنيا التي نأكلها, وهم يخافون مكروه عاقبتها, وغبّ أذاها مع نفادها من عندهم, وعدمها في بعض الأزمنة والأوقات. وكان قتادة يوجه تأويل قوله: (آمِنِينَ) إلى ما حدثنا به بشر.
فمنَّ الله علينا بالهداية والتوفيق، ووقانا عذاب سموم جهنم, وهو نارها وحرارتها. إنا كنا من قبلُ نضرع إليه وحده لا نشرك معه غيره أن يقينا عذاب السَّموم ويوصلنا إلى النعيم، فاستجاب لنا وأعطانا سؤالنا, إنه هو البَرُّ الرحيم. فمن بِره ورحمته إيانا أنالنا رضاه والجنة, ووقانا مِن سخطه والنار. فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29)
فذكِّر -أيها الرسول- مَن أُرسلت إليهم بالقرآن، فما أنت بإنعام الله عليك بالنبوة ورجاحة العقل بكاهن يخبر بالغيب دون علم، ولا مجنون لا يعقل ما يقول كما يَدَّعون. أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
أم يقول المشركون لك -أيها الرسول-: هو شاعر ننتظر به نزول الموت؟ قل لهم: انتظروا موتي فإني معكم من المنتظرين بكم العذاب، وسترون لمن تكون العاقبة. أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)
بل أتأمر هؤلاء المكذبين عقولهم بهذا القول المتناقض (ذلك أن صفات الكهانة والشعر والجنون لا يمكن اجتماعها في آن واحد)، بل هم قوم متجاوزون الحدَّ في الطغيان.