لك أن تتخيل صديقي القارئ أن بلاغاً واحداً من شخص مجهول الهوية يكفي لأن يفتح موظف السوسيال بتلك البلدية قضية تحقيق بشأن أطفالك، وبالطبع لا بد من قرار في نهاية ذلك التحقيق، والذي سيرفع بدوره لأحد أعضاء لجنة الرعاية الاجتماعية في البلدية للتوقيع عليه، لتذهب أنت للعمل وتعود فلا تجد أطفالك! لا، بالطبع الأمر ليس بهذه البساطة، ستقول لنفسك! لذا لإيجاد الحقيقة أنصحك بمحاولة قراءة قانون ( LVU Lag 1990:52) ، والتركيز على الفقرة السادسة فيه " Omedelbart omhändertagande" أي الرعاية العاجلة، وستجده على محرك بحث غوغل بكامل تفاصيله. مقال رأي- هل حقاً تدرك السويد الحجم الحقيقي لقضية سحب الأطفال؟ | أكتر. لكن السؤال هنا، هل يعاني السويديين أيضاً مع هذا القانون؟ بالطبع ستجد هناك مع يعاني وستجد من ظلم أيضاً، لكن ليس على الإطلاق بنفس الحجم الذي قد يعاني منه اللاجئين في هذه البلاد الذين يتعرضون بطبيعة الحال للتمييز بصورة فجة في كل مكان، عند البحث عن عمل، عند طلب الرعاية الصحية، في المدارس وفي كل مكان آخر بحسب اعتراف مؤسسات هذه الدولة ذاتها. لكن خطورة حدوثه تحديداً مع دائرة السوسيال قد تعني باختصار أن حياتك وحياة أسرتك قد تحطمت للأبد، خاصة عندما تكون ثقتك بمؤسسات هذا البلد متدنية بسبب ما تعرضت له سابقاً هنا وهناك، بينما ستكون ثقة أبناء هذه البلاد راسخة عميقة، لأن لا سبب لديهم يدعوهم للشك في أن بلديتهم ستعاملهم بعنصرية، إضافة لشعورهم الداخلي بالثقة والقوة النابعين بشكل رئيسي من انتمائهم لهذه البلاد ومعرفتهم بصغيرها وكبيرها واتقانهم للغتها.
- مقال رأي- هل حقاً تدرك السويد الحجم الحقيقي لقضية سحب الأطفال؟ | أكتر
مقال رأي- هل حقاً تدرك السويد الحجم الحقيقي لقضية سحب الأطفال؟ | أكتر
لكن لكي نتمكن من الإجابة على السؤال المطروح في عنوان المقال وجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن نفهم بعض الاختلافات الأساسية بين عقلية أصحاب القضية (العائلات) والمناصرين لهم، وبين عقلية المجتمع السويدي بما فيه من سياسيين ومشرعين وعامة الشعب. حيث إنه من المستحيل بمكان أن تصل السويد إلى أية حلول ناجعة ما لم تتمكن من رؤية المشكلة كما هي بعيون أصحابها، كذلك يمكن للحلول الخاطئة أن تدفع حتى أبسط وأصغر المشاكل لتصبح كوارث خطيرة لا يمكن لأحد أن يسيطر على نتائجها. ولأن الغرض الأساسي من السلطة هو تحقيق مصالح الشعب وحل مشاكلهم، وجب على السياسيين الإنصات أولاً. أدرك تماماً هنا أن أولئك الذين ينتقدون طريقة عمل السوسيال ينتمون إلى بيئات وبلدان مختلفة، لذا سأخصص الحديث بهذا المقال عن الاختلافات الموجودة بيننا كجالية عربية وشرقية في هذه البلاد وبين عقلية المجتمع السويدي. لكن وجب التنبيه قبل كل شيء أن الهدف من المقارنات القادمة ليس على الإطلاق إصدار الأحكام الجمعية على مجتمع أو سلوك ما، إنما الهدف هو فقط إظهار نقاط الاختلاف بغرض البحث عن الحلول الممكنة ليس أكثر. إن مفهوم العائلة لدينا نحن العرب والقادمين من الشرق عموماً يعد واحداً من أكثر نقاط الاختلاف مع المجتمع السويدي، فبينما يعد الترابط الأسري لدى معظمنا شيء مقدس يجب على المرء التضحية بكل شيء في سبيل الحفاظ عليه مدى الحياة، ينظر المجتمع السويدي إليه بالمجمل على أنه مجرد حالة زمنية عابرة على المرء التأقلم على فكرة تغييره في أي لحظة.
فالنزوع العنصري لدى بني عبس قد يجد ما يسوغه في قيم الجاهلية وأعرافها، ولكن اضطهاد بني الحسحاس لسحيم لا يجد مسوغاً مقنعاً له، في ظل دعوة الإسلام المتكررة إلى نبذ العنصرية ونظام الرق. ولهذا بدا إذلالهم للشاعر وتعاملهم المهين معه، أكثر قسوة وإيلاماً من تعامل بني عبس مع شاعرهم الفارس. وهو ما يفسر إلحاح عنترة، مسلحاً بشجاعته، على رأب الصدع مع القبيلة، فيما كان سحيم، المعروف بعدم أهليته القتالية، يؤثر يائساً النزوع إلى العزلة الكاملة تجنباً لأذى الآخرين وسخطهم عليه.