بيان المفارقة في المنهج: هناك افتراق في الموقف من السمع وإن اشتركا في اعتباره فالتطبيق عند الأشعري خاصة في الصياغة الثانية لا يقع قريب منه للماتريدي. - وكذا العقل فهما وإن اشتركا في اعتباره إلا أن الماتريدي يسلك في مآخذه طريقة فضلاء المعتزلة، وهو يشبه في هذا ما يقع في كلام أبي الحسين البصري المعتزلي وإن كان متأخرًا عنه لكن المقصود أنه من جنسه في العقليات ، كموقفه من طريق إثبات وجود الباري وبم تجب والموقف من التحسين والتقبيح العقليين وغير ذلك.. Books طريقة الخلاف في الفقه بين الائمة الاسلاف - Noor Library. والمتأمل لكلام الماتريدي في كتابه "التوحيد" يظهر له أنه يعطي العقل اعتبارا واسعًا قوي التأثير. وهذا التباين في الموقف من العقل والسمع من أسبابه: ١ _ عدم عناية الماتريدي بمعرفة مذهب أهل الحديث، بل عدم إيمانه بصحة هذا المذهب الذي يسميه عند ذكره "مذهب الحشوية".. أما الأشعري فهو وإن لم يحقق مذهب أهل الحديث إلا أنه رام اتباعهم، وتطلب ذلك، وتحصل له جمل ذكر في المقالات أنه يقول بها. ٢ _ ميل الأشعري عن المعتزلة فوق ميل الماتريدي الذي شارك المعتزلة في بعض أقوالهم كالقول في العلو ونحوه ، الذي كان أئمة الصفاتية كابن كلاب يذكر أم يثبت بالعقل والفطرة والسمع، والمقصود: أن الأشعري يتقصد مفارقة المعتزلة قدر طاقته بخلاف الماتريدي الذي لم يكن يومًا ما معتزليا فهو لا شأن له بالاختصاص عن المعتزلة بالضرورة.
Books طريقة الخلاف في الفقه بين الائمة الاسلاف - Noor Library
[23] سورة هود:88. [24] تفسير بن كثير (ج 4 - ص 344). [25] سورة مريم:37. [26] سبق تفسيرها. [27] نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، محمد الروكي، ط. منشورات كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط: الأولى 1414هـ: (1/ 179-180).
خُلق الإنسان اجتماعيًا بطبعه، يميل بفطرته إلى الاجتماع مع أبناء جنسه، وهذا الميل الطبيعي ينشأ عنه علاقات متنوعة ومتشعبة، كما ينشأ عنه الحاجة إلى التعارف والتعاون، ولكن وبالمقابل فإن للأفراد آراء مختلفة ومصالح متناقضة فيما بينهم، وبالتالي يحدث الاختلاف والخلاف بين الناس وهذا أمر طبيعي ونتيجة منطقية، فالاختلاف سنة كونية في القضايا الإنسانية، اقتضتها المغايرة والتفاضل بين الناس وضرورة انتظام صيرورة الحياة وفرضتها طبيعة الاجتماع الإنساني، تلك الطبيعة القائمة على دافع الاجتماع مع الآخرين. لذلك كان القبول بالاختلاف والإقرار به أمر لا غنى عنه للأسرة الإنسانية بكافة مستويات وجودها أفرادًا وأممًا وحضارات. وذلك إذا ما أرادت أن تنأى بنفسها عـن خطر الانزلاق في شرك آفات الخلاف والجدال والصدام والصراع. وهنا يجدر بنا أن نميز بين الاختلاف والخلاف لغةً واصطلاحًا، ثم الوقوف على الفوارق، بينهما والأسباب المؤدية إليهما والبحث في السبل المنجية من تبعاتهما. أولًا: معنى الخلاف والاختلاف لغةً واصطلاحًا
أ- معنى الخلاف والاختلاف لغةً
خِلاَف هو مصدر خَالَف َ، كما أن الاختلاف مصدر اختلف، والخلاف هو: المضادة، وقد خالفه مخالفة وخلافًا، وتخالف الأمران واختلفا، لم يتفقا، وكل ما لم يتساوَ فقد تخالف واختلف(1).