ولهذا ذكر ابن كثير رحمه الله وجماعة آخرون من أهل العلم: أن الإقامة بين أظهر الكفار وهو عاجز عن إظهار دينه محرمة بالإجماع، ليس للمسلم أن يقيم بين الكفار وهو يقدر على الهجرة، وهو لا يستطيع إظهار دينه بل هو مغلوب على أمره، بل يجب عليه أن يهاجر بإجماع المسلمين لهذه الآية الكريمة؛ لأن الله وصفهم بأنهم ظلموا أنفسهم بهذه الإقامة وتوعدهم بالنار، فدل ذلك على أنهم قد عصوا الله في هذه الإقامة. والهجرة لم تنقطع ما دام هناك دينان فالهجرة باقية، وإنما الذي انقطع الهجرة من مكة لما فتحت، قال النبي ﷺ فيها: لا هجرة بعد الفتح يعني: من مكة؛ لأنها صارت بلد إسلام بعدما فتحها الله على نبيه ﷺ صارت بلد إسلام، فقال فيها النبي ﷺ: لا هجرة بعد الفتح يعني: من مكة بعد فتحها، أما الهجرة في أصلها فهي باقية، ولهذا في الحديث الآخر لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، فكل بلد ظهر فيها الكفار ولم يستطع المسلم فيها إظهار دينه ولا إقامة دينه وهو يستطيع الخروج فإنه يلزمه أن يهاجر، فإن أقام كان عاصياً بالإجماع. أما المستضعف من الرجال والنساء والولدان فقد عذرهم الله وهم الذين لا يستطيعون حيلة لعدم النفقة أو لأنهم مقيدون مسجونون، أو لا يهتدون سبيلاً لأنهم جهال بالطريق لا يعرفون الطريق، لو خرجوا هلكوا، لا يعرفون السبيل فهم معذورون حتى يسهل الله لهم فرجاً ومخرجاً من بين أظهر المشركين، والله المستعان.
الآية السابعة والتسعين - ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها - عبد الله بن بدر عباس
عن يزيد بن أبي حكيم عن الحكم بن أبان، قال: سمعت عكرمة يقول: اسم الرجل الذي خرج من بيته مُهاجرًا إلى رسول اللَّهِ ضمرة بن العيص. قال عكرمة: طلبت اسمه أربع عشرة سنة حتى وقفْتُ عليه. [5]
2. يقال: بل هو العيص بن ضمرة بن زنباع. هذا قول سعيد بن جبير [6]
3. رواه أَشعث بن سَوَّار، عن عكرمة، عن ابن عباس. [7]
المراجع [ عدل]
جمعية الاتحاد الإسلامي ما معنى قوله تعالى: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاْسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) [سورة النساء: 97]، وهل يلزم البقاء في أرض ولو كان أهلُها ظَلَمةً، حيث &Quot;لا هجرة بعد الفتح&Quot;؟ - جمعية الاتحاد الإسلامي
فهم متوعَّدون بالنَّار؛ لأنَّهم أقاموا بين أظهر الكفَّار من دون عذر، وكان الواجب عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام، إلى المدينة المنورة، فلمَّا أجبروا على الخروج وأكرهوا، صار ذلك ليس عذراً لهم، وكان عملهم سبباً لهذا الإكراه، وسبباً لهذا الخروج؛ فجاء فيهم هذا الوعيد. لكونهم عصوا الله بإقامتهم مع القدرة على الهجرة، ولم يكفروا لأنَّهم مكرهون، أخرجوا إلى ساحة القتال، ولم يقاتلوا لكن قتلوا، قتل من قتل منهم. أمَّا لو قاتلوا مختارين راضين غير مكرهين لكانوا كفَّاراً، لأنَّ من ظاهر الكفَّار وساعدهم يكون كافراً مثلهم، لكن هؤلاء لم يقاتلوا، وإنَّما أكرهوا على الحضور، وتكثير السَّواد فقط، فقتلوا من غير أن يقاتلوا. الآية السابعة والتسعين - ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها - عبد الله بن بدر عباس. وقال آخرون من أهل العلم: إنَّهم كفروا بذلك، لأنَّهم أقاموا من غير عذر، ثمَّ خرجوا معهم، وفي إمكانهم التَّملُّص، والخروج من بين الكفرة في الطَّريق، أو في حين التقاء الصَّفَّين، وفي إمكانهم أن يلقوا السَّلاح ولا يقاتلوا، وبكلِّ حال فهم بين أمرين: من قاتل منهم وهو غير مكره فهو كافر، حكمه حكم الكفرة الذين قتلوا، وليس له عذر في أصل الإكراه، لأنَّه لما أكره باشر وقاتل، وساعد الكفَّار، فصار معهم، وصار مثلهم، ودخل في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}المائد : 51.
معنى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)
[2] [3] [4] وقيل ضمرة بن العيص ( 1) ، أو العيص بن ضمرة بن زنباع ( 2) ، أو ضَمْرَة بن جُنْدَب ( 3)
قصته [ عدل]
روى طاووس بن كيسان عن ابن عباس: « أن رجلاً من بني ليث، اسمه جندب بن ضمرة ، كان ذا مال، وكان له أربعة بنين، فقال: اللهم إني أنصر رسولك بنفسي، غير أني أذود عن سواد المشركين إلى دار الهجرة، فأكون عند النبي ، فأكثر سواد المهاجرين والأنصار ، فقال لبنيه: احملوني إلى دار الهجرة، فأكون مع النبي، فحملوه، فلما بلغ التنعيم مات، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ الآية. » [5]
قال أبو عمر: « جندب بن ضمرة الجندعي ، لما نزلت: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ﴾ فقال: اللهم قد أبلغت في المعذرة والحجة، ولا معذرة ولا حجة، ثم خرج وهو شيخ كبير، فمات في بعض الطريق، فقال بعض أصحاب النبي: مات قبل أن يهاجر فلا ندري أعلى ولاية هو أم لا؟ فنزلت: ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللَّهِ ﴾ ولم ينقل من الاختلاف شيئاً » أخرجه الثلاثة.
هاتان الآيتان الكريمتان ذكر العلماء أنَّهما نزلتا في أناس تخلَّفوا في مكَّة، ولم يهاجروا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا كانت غزوة بدر أجبرهم الكفَّار على الخروج معهم، وحضروا القتال، فنزلت الآية الكريمة فيهم لما قتل من قتل منهم(1)، وإنَّ قوله جلَّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} معنى ظالمي أنفسهم: أي بالإقامة بين أظهر المشركين، وهم قادرون على الهجرة، {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} يعني قالت لهم الملائكة فيم كنتم؟. معنى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ). { قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}، يعني في أرض مكَّة، {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً}، يعني قالت لهم الملائكة: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ}.. الآية. فهم متوعَّدون بالنَّار؛ لأنَّهم أقاموا بين أظهر الكفَّار من دون عذر، وكان الواجب عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام، إلى المدينة المنورة، فلمَّا أجبروا على الخروج وأكرهوا، صار ذلك ليس عذراً لهم، وكان عملهم سبباً لهذا الإكراه، وسبباً لهذا الخروج؛ فجاء فيهم هذا الوعيد.