˝ ومَنْ فاتته هذه النِّيَّة الصَّالحة لجهله أو تهاونه فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه. وفي "الصَّحيح" عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: (( إنَّكَ لنْ تعمل عملاً تبتغي بهِ وجه الله إلاَّ أجرت عليه، حتى ما تجعله في فيِّ اِمْرأتِك)) ( [9]). فعُلِمَ بهذا: أنَّ هذا الحديث جامع لأمور الخير كلّها. فحقيق بالمؤمن الَّذي يُريد نجاة نفسه ونفعها أنْ يفهم معنى هذا الحديث، وأنْ يكون العمل به نصيب عينيه في جميع أحواله وأوقاته. وأمَّا حديث عائشة: فإنَّ قولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ أحدثَ في أمْرِنا هَذَا ما ليسَ منهُ فهوَ ردٌّ ـ أوْ مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمْرُنا فهوَ ردٌّ)) ( [10]). شرح حديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية " مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا .... فيدلّ بالمنطوق وبالمفهوم: • أمَّا منطوقه: فإنه يدل على أن كل بدعة أحدثت في الدين ليس لها أصل في الكتاب ولا في السُّنَّة، سواءً كانت من البدع القوليَّة الكلاميَّة، كالتَّجهُّم والرَّفض والاعتزال وغيرها، أو مِن البدع العمليَّة كالتَّعبُّد لله بعبادات لم يشرعها الله ولا رسُوله. فإنَّ ذلك كلهُ مردودٌ على أصحابه. وأهله مذمومون بحسب بدعهم وبُعدها عن الدِّين. ° فمَنْ أخبر بغير ما أخبر الله به ورسُوله، أو تعبَّد بشيءٍ لم يأذن لم يأذن الله به ورسُوله ولم يشرعه: فهو مبتدعٌ.
- 65 من: (باب في النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور)
- شرح حديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية " مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا ...
65 من: (باب في النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور)
غريب الحديث:
♦ من أحدث: أنشأ واخترع من قِبل نفسه وهواه. ♦ في أمرنا: في ديننا وشرعنا الذي ارتضاه الله لنا. ♦ ما ليس منه: مما ينافيه ويناقضه. ♦ فهو ردٌّ: مردود على فاعله؛ لبطلانه وعدم الاعتداد به. منزلة الحديث:
قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -: هذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، وقال: يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع [2]. قال النووي - رحمه الله -: إنه قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وإنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صريح في رد البدع والمختَرَعات، وهو مما يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات [3]. قال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -: هو قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، بل من أعظمها وأعمها نفعًا من جهة منطوقه؛ لأنه مقدمة كلية في كل دليل يستنتج منه حكم شرعي [4]. قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وهو من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صريح في رد كل بدعة وكل مخترع، واستدل به بعض الأصوليين على أن النهي يقتضي الفساد [5]. قال السعدي - رحمه الله -: هذان الحديثان العظيمان يدخل فيهما الدين كله، أصوله وفروعه، ظاهره وباطنه، فحديث عمر ((إنما الأعمال بالنيات... حديث من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. )) ميزان للأعمال الباطنة، وحديث عائشة ميزان للأعمال الظاهرة، ففيهما الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول، اللذان هما شرط لكل قول وعمل، ظاهر وباطن [6].
شرح حديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية " مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا ...
الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ)
وفي لفظٍ [1]: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ). بعض ما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ) من الفوائد:
الأولى: ترك الإحداث وهو قسمان:
الأول: إحداث بالقول: وهذا كالأذكار المبتدعة ونحوها. الثاني: إحداث بالفعل: وهو كالذبح عند الموت ونحوه. من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رش مبيدات بالرياض. الثانية: ترك العمل بالمحدثات؛ لأنها سبب لدخول النار، ففي حديث العرباض رضي الله عنه عند النسائي (1578)، وهي في "صحيح ابن ماجه" برقم (45)، عن جابر رضي الله عنه: (وكل ضلالة في النار). الثالثة: بيان أن الابتداع في الدين اتهام لهذا الدين بالنقص، وهذا يوافق زعمَ مَن قال من طوائف الضلال: إن القرآن ناقص، وإن الصحابة خونة كتَّامة للحق، والعياذ بالله تعالى. الرابعة: أن الابتداع اتهام للرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة، ولربنا بعدم إتمام دينه، حتى يأتي مَن يزعم أنه أغيرُ على دين الله من الله، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن الماجشون: سمعت مالكًا يقول: من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا قد خان الرسالة؛ لأن الله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذِ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا؛ رواه الشاطبي في "الاعتصام" (1 /29)؛ اهـ.
فإنَّ العبرة بنيَّته وقصدهنَ لا بظاهر لفظه؛ فإنَّما الأعمال بالنِّيَّات. وذلكَ: بأنْ يضمَ إلى أحد المعوّضين ما ليس بمقصود، أو يضمَ إلى العقد عقدًا غير مقصود. (قالهُ شَيْخُ الإسلام) ( [2]). وكذلكَ شرط الله في الرَّجعة وفي الوصيَّة: أنْ لا يقصد العبد فيهما المضارَّة ( [3]). ويدخل في ذلك جميع الوسائل الَّتي يتوسَّل بها إلى مقاصدها؛ فإنَّ الوسائل لها أحكام المقاصد، صالحة أو فاسدة. واللهُ يعلم المُصلحَ مِنَ المُفسد. • وأمَّا نيَّة المعمول له: فهو الإخلاص لله في كلِّ ما يأتي العبد وما يذر، وفي كلِّ ما يقول ويفعل. قالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ ﴿البيِّنة:5﴾ ، وقالَ: ﴿ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ ﴿الزُّمر:3﴾. وذلكَ: أنَّ على العبد أنْ ينوي نيَّة كليَّة شاملة لأموره كلِّها، مقصودًا بها وجه الله، والتَّقرُّب إليه، وطلب ثوابه، واحْتساب أجره، والخُوف مِنْ عقابه. 65 من: (باب في النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور). ثمَّ يستصحب هذه النِّيَّة في كلِّ فردٍ مِنْ أفراد أعماله وأقواله، وجميع أحواله، حريصًا فيه على تحقيق الإخلاص وتكميله، ودفع كلّ ما يضادّه: مِن الرِّياء والسُّمعة، وقصد المحمدة عند الخلق، ورجاء تعظيمهم، بل إنْ حصل شيءٌ مِنْ ذلكَ فلا يجعله العبد قصده، وغاية مراده، بل يكون القصد الأصيل منه: وجه الله، وطلب ثوابه مِنْ غير التفات للخلق، ولا رجاء لنفعهم أو مدحهم.