وقرأ ذلك جماعة من قراء أهل الكوفة والبصرة: ( يرثني ويرث) بجزم الحرفين على الجزاء والشرط ، بمعنى: فهب لي من لدنك وليا فإنه يرثني إذا وهبته لي. وقال الذين قرءوا ذلك كذلك: إنما حسن ذلك في هذا الموضع ، لأن يرثني من آية غير التي قبلها. قالوا وإنما يحسن أن يكون مثل هذا صلة ، إذا كان غير منقطع عما هو له صلة ، كقوله: ( ردءا يصدقني). القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة مريم - الآية 6. قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأه برفع الحرفين على الصلة للولي ، لأن الولي نكرة ، وأن زكريا إنما سأل ربه أن يهب له وليا يكون بهذه الصفة ، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أنه سأله وليا ، ثم أخبر أنه إذا وهب له ذلك كانت هذه صفته ، لأن ذلك لو كان كذلك ، كان ذلك من زكريا دخولا في علم الغيب الذي قد حجبه الله عن خلقه. وقوله ( واجعله رب رضيا) يقول: واجعل يا رب الولي الذي تهبه لي مرضيا ترضاه أنت ويرضاه عبادك دينا وخلقا وخلقا. والرضي: فعيل صرف من مفعول إليه.
تفسير يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا [ مريم: 6]
وقرأه أبو عمرو ، والكسائي بالجزم على أنه جواب الدعاء في قوله { هَبْ لِي} لإرادة التسبب لأن أصل الأجوبة الثمانية أنها على تقدير فاء السببية. و { ءَال يَعْقُوبَ} يجوز أن يراد بهم خاصة بني إسرائيل كما يقتضيه لفظ { آل المشعر بالفضيلة والشرف ، فيكون يعقوب هو إسرائيل؛ كأنه قال: ويرث من آل إسرائيل ، أي حملة الشريعة وأحْبار اليهودية كقوله تعالى: { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} [ النساء: 54] ، وإنما يذكر آل الرجل في مثل هذا السياق إذا كانوا على سننه ، ومن هذا القبيل قوله تعالى: { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه} [ آل عمران: 68] وقولِه: { ذرية من حملنا مع نوح} [ الإسراء: 3] ، مع أن الناس كلهم ذرية من حملوا معه. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة آل عمران - الآية 38. ويجوز أن يراد يعقوب آخر غير إسرائيل. وهو يعقوب بن ماثان ، قاله: معقل والكلبي ، وهو عمّ مريم أخو عمران أبيها ، وقيل: هو أخو زكرياء ، أي ليس له أولاد فيكون ابنُ زكرياء وارثاً ليعقوب لأنه ابن أخيه ، فيعقوب على هذه هو من جملة الموالي الذين خافهم زكرياء من ورائه.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة آل عمران - الآية 38
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ْ} أي: عبدا صالحا ترضاه وتحببه إلى عبادك، والحاصل أنه سأل الله ولدا، ذكرا، صالحا، يبق بعد موته، ويكون وليا من بعده، ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه، وهذا أفضل ما يكون من الأولاد، ومن رحمة الله بعبده، أن يرزقه ولدا صالحا، جامعا لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم. فرحمه ربه واستجاب دعوته
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة مريم - الآية 6
الثالثة: قوله تعالى: من آل يعقوب قيل: هو يعقوب بن إسرائيل ، وكان زكريا متزوجا بأخت مريم بنت عمران ، ويرجع نسبها إلى يعقوب ؛ لأنها من ولد سليمان بن داود وهو من ولد يهوذا بن يعقوب ، وزكريا من ولد هارون أخي موسى ، وهارون وموسى من ولد لاوي بن يعقوب ، وكانت النبوة في سبط يعقوب بن إسحاق. وقيل: المعني بيعقوب هاهنا يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم أخوان من نسل سليمان بن داود - عليهما السلام - ؛ لأن يعقوب وعمران ابنا ماثان ، وبنو ماثان رؤساء بني إسرائيل ؛ قاله مقاتل وغيره. وقال الكلبي: وكان آل يعقوب أخواله ، وهو يعقوب بن ماثان ، وكان فيهم الملك ، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى. وروى قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يرحم الله - تعالى - زكريا ما كان عليه من ورثته. ولم ينصرف يعقوب لأنه أعجمي. الرابعة: قوله تعالى: واجعله رب رضيا أي مرضيا في أخلاقه وأفعاله. وقيل: راضيا بقضائك وقدرك. وقيل: رجلا صالحا ترضى عنه. وقال أبو صالح: نبيا كما جعلت أباه نبيا.
وأما وراثة المال فلا يمتنع ، وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا نورث ، ما [ ص: 11] تركنا صدقة فهذا لا حجة فيه ؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع. وقد يؤول هذا بمعنى: لا نورث ، الذي تركناه صدقة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخلف شيئا يورث عنه ؛ وإنما كان الذي أباحه الله - عز وجل - إياه في حياته بقوله تبارك اسمه: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول لأن معنى لله لسبيل الله ، ومن سبيل الله ما يكون في مصلحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما دام حيا ؛ فإن قيل: ففي بعض الروايات إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة ففيه التأويلان جميعا ؛ أن يكون ( ما) بمعنى الذي. والآخر لا يورث من كانت هذه حاله. وقال أبو عمر: واختلف العلماء في تأويل قوله - عليه السلام -: لا نورث ما تركنا صدقة على قولين: أحدهما: وهو الأكثر وعليه الجمهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث وما ترك صدقة. والآخر: أن نبينا - عليه الصلاة والسلام - لم يورث ؛ لأن الله تعالى خصه بأن جعل ماله كله صدقة زيادة في فضيلته ، كما خص في النكاح بأشياء أباحها له وحرمها على غيره ؛ وهذا القول قاله بعض أهل البصرة منهم ابن علية ، وسائر علماء المسلمين على القول الأول.