[ ص: 716] وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو النعمان ، ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين ، لو أتيت المدينة فإن قضى الله موتا دفنت في القبر الرابع مع رسول صلى اله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر. فقال: والله لأن يعذبنا الله بكل عذاب ، إلا النار فإنه لا صبر لي عليها أحب إلي من أن يعلم الله من قلبي أني لذلك الموضع أهل. قالوا: وكان مرضه بدير سمعان من قرى حمص وكانت مدة مرضه عشرين يوما. ولما احتضر قال: أجلسوني. فأجلسوه ، فقال: إلهي ، أنا الذي أمرتني فقصرت ، ونهيتني فعصيت ثلاثا ولكن لا إله إلا الله. ثم رفع رأسه فأحد النظر ، فقالوا: إنك لتنظر نظرا شديدا يا أمير المؤمنين. الدار الآخرة ( الموت فوائد وأحكام WORD). فقال: إني لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جان. ثم قبض من ساعته. وفي رواية أنه قال لأهله: اخرجوا عني. فخرجوا وجلس على الباب مسلمة بن عبد الملك وأخته فاطمة ، فسمعوه يقول: مرحبا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان ، ثم قرأ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين [ القصص: 83] ثم هدأ الصوت ، فدخلوا عليه فوجدوه قد غمض ، وسوي إلى القبلة ، وقبض. وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الملك بن عبد العزيز ، عن الدراوردي ، [ ص: 717] عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، أن عمر بن عبد العزيز لما وضع عند قبره هبت ريح شديدة ، فسقطت صحيفة بأحسن كتاب فقرءوها فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم ، براءة من الله لعمر بن عبد العزيز من النار.
الدار الآخرة ( الموت فوائد وأحكام Word)
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص 83]
إلى كل من اغتر بدنياه.. بماله.. بأولاده... بمنصبه.. تلك الدار الاخره نجعلها. أو بسلطان أعماه. إلى كل من أراد العلو و الاستكبار على عباد الله. إلى كل من سعى إلى فساد أو إفساد في الأرض. هذا جزاء من تكبرت عليهم و حاولت إفسادهم و سعيت في إفساد دنياهم: الملك سبحانه أعد لعباده المتقين دار نعيم لا مكدر لهم فيها و لا منغص, فيها كمال الراحة و السؤدد, فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و أخبرهم تأكيداً أن العاقبة لهم و الفوز في النهاية من نصيبهم مهما طال ليل الفساد و الطغيان و الإفساد.
ذكر سبب وفاته رحمه الله
كان سببها السل ، وقيل: سببها أن مولى له سمه في طعام أو شراب ، وأعطي على ذلك ألف دينار. فحصل له بسبب ذلك مرض ، فأخبر أنه مسموم ، فقال: لقد علمت يوم سقيت السم. ثم استدعى مولاه الذي سقاه ، فقال له: [ ص: 715] ويحك ، ما حملك على ما صنعت ؟ فقال: ألف دينار أعطيتها. فقال: هاتها. فأحضرها فوضعها في بيت المال ، ثم قال له: اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك. ثم قيل لعمر: تدارك نفسك. فقال: والله لو أن شفائي أن أمسح شحمة أذني ، أو أوتى بطيب فأشمه ما فعلت. فقيل له: هؤلاء بنوك وكانوا اثني عشر ألا توصي لهم بشيء; فإنهم فقراء ؟ فقال إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين [ الأعراف: 196] والله لا أعطيهم حق أحد ، وهم بين رجلين; إما صالح فالله يتولى الصالحين ، وإما غير صالح فما كنت لأعينه على فسقه وفي رواية: فلا أبالي في أي واد هلك. وفي رواية: أفأدع له ما يستعين به على معصية الله ، فأكون شريكه فيما يعمل بعد الموت ؟ ما كنت لأفعل. خطبة جمعه تلك الدار الآخرة نجعلها. ثم استدعى بأولاده فودعهم وعزاهم بهذا ، وأوصاهم بهذا الكلام ، ثم قال: انصرفوا عصمكم الله ، وأحسن الخلافة عليكم. قال: فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على ثمانين فرسا في سبيل الله ، وكان بعض أولاد سليمان بن عبد الملك مع كثرة ما ترك لهم من الأموال يتعاطى ويسأل من أولاد عمر بن عبد العزيز لأن عمر وكل ولده إلى الله عز وجل ، وسليمان وغيره إنما يكلون أولادهم إلى ما يدعون لهم من الأموال الفانية ، فيضيعون وتذهب أموالهم في شهوات أولادهم.
وقال ابن عباس: معنى فادعوهم فاعبدوهم. ﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194)قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، موبِّخهم على عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الأصنام: (إن الذين تدعون) أيها المشركون، آلهةً =(من دون الله), وتعبدونها، شركًا منكم وكفرًا بالله =(عباد أمثالكم)، يقول: هم أملاك لربكم, كما أنتم له مماليك. فإن كنتم صادقين أنها تضر وتنفع، وأنها تستوجب منكم العبادة لنفعها إياكم, فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم, (44) فإن لم يستجيبوا لكم، لأنها لا تسمع دعاءكم, فأيقنوا بأنها لا تنفع ولا تضر; لأن الضر والنفع إنما يكونان ممن إذا سُئل سمع مسألة سائله وأعطى وأفضل، ومن إذا شكي إليه من شيء سمع، فضرّ من استحق العقوبة، ونفع من لا يستوجب الضرّ. ----------------الهوامش:(44) انظر تفسير (( الاستجابة)) فيما سلف 3: 483 ، 484 / 7: 486 - 488 / 11: 341.
إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم
وقال أبو حيان في ذكر أوجه أخرى: " وسمى الأصنام عبادًا وإن كانت جمادات:
1- لأنهم كانوا يعتقدون فيها أنها تضر وتنفع، فاقتضى ذلك أن تكون عاقلة وأمثالكم. 2- قال الحسن: في كونها مملوكة لله. 3- وقال التبريزي: في كونها مخلوقة. 4- وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُرَادُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ خُزَاعَةَ كَانَتْ تَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ فَأَعْلَمَهُمْ تَعَالَى أَنَّهُمْ عِبَادٌ أَمْثَالُهُمْ لَا آلِهَةٌ " "البحر المحيط" (5/ 249). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد يطلق لفظ العبد على المخلوقات كلها، كقوله: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/44). وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله:
" إنما أطلق على الأصنام اسم العباد وعبّر عنها بضمائر العقلاء؛ لأن الكفار يصفونها بصفات من هو خير من مطلق العقلاء، أنها معبودات، وأنها تشفع وتقرِّبُ إلى اللهِ زُلْفَى، فبهذا الاعتبار أجرى عليها ضمائر العقلاء، وعبّر عنها بالعباد. ووجه مماثلتهم هنا: أن الكفار العابدين، والأصنام المعبودات كلهم مخلوقات لله لا تقدر أن تجلب لنفسها نفعًا ولا أن تدفع عنها ضرًّا. فهم من قبيل تَسْخِيرِ الله لهم، وخلقه للجميع ، وقدرته على الجميع ، بهذا الاعتبار هم سواء ؛ ولذا قال: عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ بهذا الاعتبار، وفي الآية التي بعدها سيبيّن انحطاط درجة المعبودين عن العابدين، كما سيأتي إيضاحه قريبًا إن شاء الله. "
ان الذين تدعون من دون الله لا يسمعوا دعائكم
وأطلق عليها لفظ عِبادٌ- مع أنها جماد- وفق اعتقادهم فيها تبكيتا لهم وتوبيخا. وقوله فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتهم أى:فادعوهم في رفع ما يصيبكم من ضر، أو في جلب ما أنتم في حاجة إليه من نفع إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في زعمكم أن هذه الأصنام قادرة على ذلك. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها ، أي: مخلوقات مثلهم ، بل الأناسي أكمل منها ، لأنها تسمع وتبصر وتبطش ، وتلك لا تفعل شيئا من ذلك. ﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقينقوله تعالى إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم حاجهم في عبادة الأصنام. تدعون: تعبدون. وقيل: تدعونها آلهة. " من دون الله " أي من غير الله. وسميت الأوثان عبادا لأنها مملوكة لله مسخرة. الحسن: المعنى أن الأصنام مخلوقة أمثالكم. " فادعوهم " ولما اعتقد المشركون أن الأصنام تضر وتنفع أجراها مجرى الناس فقال: " فادعوهم " ولم يقل فادعوهن. وقال: " عباد " ، وقال: " إن الذين " ولم يقل إن التي. ومعنى " فادعوهم " أي فاطلبوا منهم النفع والضر. فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين أن عبادة الأصنام تنفع.
ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا
إن وليي الله الذي نزل الكتاب أي الذي يتولى نصري وحفظي الله. وولي الشيء: الذي يحفظه ويمنع عنه الضرر. والكتاب: القرآن. وهو يتولى الصالحين أي يحفظهم. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا غير مرة يقول: ألا إن آل أبي - يعني فلانا - ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين. وقال الأخفش: وقرئ " إن ولي الله الذي نزل الكتاب " يعني جبريل. النحاس. هي قراءة عاصم الجحدري. والقراءة الأولى أبين; لقوله: وهو يتولى الصالحين.
إن الذين تدعون من دون ه
تجعلها بمعزل عن النفع ، فضلا عن استحقاقها للعبادة ، فقال - تعالى - ( والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). فوصفها - أولا - بالعجز التام ، فقال - تعالى -: ( والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً.. ). أى: وهذه الآلهة التى تعبدونها من دون الله - تعالى - لا تخلق شيئا من المخلوقات مهما صغرت ، بل هم يخلقون بأيديكم ، فأنتم الذين تنحتون الأصنام. كما قال - سبحانه - حكاية عن إبراهيم - عليه السلام - الذى قال لقومه على سبيل التهكم بهم: ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) وإذا كان الأمر كذلك فكيف تعبدون شيئا أنتم تصنعونه بأيديكم ، أو هو مفتقر إلى من يوجده؟! وهذه الآية الكريمة أصرح فى إثبات العجز للمعبودات الباطلة من سابقتها التى تقول: ( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ.. ) لأن الآية السابقة نفت عن المعبودات الباطلة أنها تخلق شيئا ، أما هذه الآية التى معنا فنفت عنهم ذلك ، وأثبتت أنهم مخلوقون لغيرهم وهو الله - عز وجل - ، أو أن الناس يصنعونهم عن طريق النحت والتصوير ، فهم أعجز من عبدتهم ، وعليه فلا تكرار بين الآيتين.
ولست على شك من أمري، بل على يقين وبصيرة، ولهذا قال: { { لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}} بقلبي ولساني، وجوارحي، بحيث تكون منقادة لطاعته، مستسلمة لأمره، وهذا أعظم مأمور به، على الإطلاق، كما أن النهي عن عبادة ما سواه، أعظم مَنْهِيٍّ عنه، على الإطلاق. ثم قرر هذا التوحيد ، بأنه الخالق لكم والمطور لخلقتكم، فكما خلقكم وحده، فاعبدوه وحده فقال: { { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}} وذلك بخلقه لأصلكم وأبيكم آدم عليه السلام. { { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ}} وهذا ابتداء خلق سائر النوع الإنساني، ما دام في بطن أمه، فنبه بالابتداء، على بقية الأطوار، من العلقة، فالمضغة، فالعظام، فنفخ الروح، { { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}} ثم هكذا تنتقلون في الخلقة الإلهية حتى تبلغوا أشدكم من قوة العقل والبدن، وجميع قواه الظاهرة والباطنة. { { ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ}} بلوغ الأشد { { وَلِتَبْلُغُوا}} بهذه الأطوار المقدرة { { أَجَلًا مُسَمًّى}} تنتهي عنده أعماركم. { { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}} أحوالكم، فتعلمون أن المطور لكم في هذه الأطوار كامل الاقتدار، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأنكم ناقصون من كل وجه.