القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( 222))
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إن الله يحب التوابين " ، المنيبين من الإدبار عن الله وعن طاعته ، إليه وإلى طاعته. وقد بينا معنى " التوبة " قبل. واختلف في معنى قوله: " ويحب المتطهرين ". فقال بعضهم: هم المتطهرون بالماء. ذكر من قال ذلك: [ ص: 395]
4302 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يحيى بن واضح قال: حدثنا طلحة عن عطاء قوله: " إن الله يحب التوابين " ، قال: التوابين من الذنوب " ويحب المتطهرين " قال: المتطهرين بالماء للصلاة. 4303 - حدثني أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا طلحة عن عطاء مثله. 4304 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع عن طلحة بن عمرو عن عطاء: " إن الله يحب التوابين " من الذنوب ، لم يصيبوها " ويحب المتطهرين " ، بالماء للصلوات. وقال آخرون: معنى ذلك: " إن الله يحب التوابين " ، من الذنوب " ويحب المتطهرين " ، من أدبار النساء أن يأتوها. ذكر من قال ذلك:
4305 - حدثنا أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا إبراهيم بن نافع قال: سمعت سليمان مولى أم علي قال سمعت مجاهدا يقول: من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين.
حل سؤال قال الله تعالى (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) دلت الآية على أن الله يحب صنفين من الناس هما - موقع المتقدم
فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية: الحمد لله. الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الإقرار على الذنوب كبارها وصغارها وهم بما أخبر الله به عنهم من التوبة يرفع درجاتهم ويعظم حسناتهم فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وليست التوبة نقصا; بل هي من أفضل الكمالات وهي واجبة على جميع الخلق كما قال تعالى: { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} فغاية كل مؤمن هي التوبة ثم التوبة تتنوع كما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين. والله تعالى قد أخبر عن عامة الأنبياء بالتوبة والاستغفار: عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم. فقال آدم: { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وقال نوح: { رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} وقال الخليل: { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} وقال هو وإسماعيل: { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} وقال موسى: { أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} وقال تعالى: { فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}.
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين
"المحيض": مصدر، يقال: حاضت محيضا، كقولك: جاء مجيئا، وبات مبيتا قل هو أذى: أي الحيض شيء يستقذر ويؤذي من يقربه؛ نفرة منه وكراهة له فاعتزلوا النساء: فاجتنبوهن; يعني: فاجتنبوا مجامعتهن. روي: أن أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجالسوها على فرش، ولم يساكنوها في بيت، كفعل اليهود والمجوس، فلما نزلت أخذ المسلمون بظاهر اعتزالهن فأخرجوهن من بيوتهم، فقال ناس من الأعراب: يا رسول الله، البرد شديد، والثياب قليلة، فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحيض، فقال -عليه الصلاة [ ص: 433] والسلام-: "إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم". وقيل: إن النصارى كانوا يجامعونهن، ولا يبالون بالحيض، واليهود كانوا يعتزلونهن في كل شيء، فأمر الله بالاقتصاد بين الأمرين. وبين الفقهاء خلاف في الاعتزال، فأبو حنيفة وأبو يوسف: يوجبان اعتزال ما اشتمل عليه الإزار، ومحمد بن الحسن لا يوجب إلا اعتزال الفرج.
ولو سار النبي في نظم الشعر لخرج بذلك إلى الاتساع في القول لتحقق الفصاحة والبيان في كلامه، ولله حكمة عظيمة في ذلك، فإن الشاعر تغلب عليه سجية المنافسة والمغالبة والحمية وهذه الأشياء تصرف صاحبها عن دعوة ملؤها التسامح والإخلاص والحمية لدين الله لا شيء آخر ولذلك قال تعالى:
(وما علمناه الشعر ما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين)
لا شك أن ذلك تأديب من الله أراد به تحويل اهتمام النبي عن الشعر وقوله مع أن الشعر كان سجية في بني عبد المطلب رجالاً ونساءً.
تفسير سورة يس الآية 69 تفسير السعدي - القران للجميع
• مفاسد الشعر والشعراء: جاءت النصوص في الكتاب والسنة بذم الشعر والشعراء.. فمن ذلك:
* قول تعالى: ( والشعراء يتبعهم الغاوون) والغاوون هنا يشمل ضلال الإنس والجن ، فهم غالبا أتباع الشعراء الغاوون ، وهم أتباع الشيطان ، كما قال تعالى عن الشيطان ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) الحجر 42. وقال عكرمة عن ( الغاوين): كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس. ولهذا فئام الناس 0
* قال تعالى: ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) قال ابن عباس:أي في كل لغو. تفسير سورة يس الآية 69 تفسير السعدي - القران للجميع. * قال الحسن: قد رأينا والله أوديتهم التي يهيمون فيها مرة في شتيمة فلان ، ومرة في مدح فلان. * قال قتادة: الشاعر يمدح قوما بباطل ويذم قوما بباطل. * وقد جاء في السنة ما فيه ذم الشعر في قوله صلى الله عليه وسلم: " لئن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خيرا له من أن يمتلىء شعرا " رواه البخاري. ومن المفاسد:
1- نسيان ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن فمن ، أكثر من الشعر كان ذلك على حساب الذكر وقراءة القرآن ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا " رواه البخاري.
وعن الخليل بن أحمد: كان الشعر أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كثير من الكلام ، ولكن لا يتأتى له. الثانية: إصابته الوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر ، وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلامه ما يدخل في وزن ، كقوله يوم حنين وغيره: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وقوله: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب [ ص: 50] فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن ، وفي كل كلام ، وليس ذلك شعرا ولا في معناه ، كقوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقوله: نصر من الله وفتح قريب وقوله: وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الآيات. وقد ذكر ابن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن ، على أن أبا الحسن الأخفش قال في قول: " أنا النبي لا كذب " ليس بشعر. وقال الخليل في كتاب العين: إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا. وروي عنه أنه من منهوك الرجز. وقد قيل: لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقف على الباء من قوله: " لا كذب " ، ومن قوله: " عبد المطلب ". وما علمناه الشعر. ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن العربي: والأظهر من حاله أنه قال: " لا كذب " الباء مرفوعة ، ويخفض الباء من عبد المطلب على الإضافة.