ثناياً: المؤمن بالله يقر بأنه لا يحيط علماً بالله لأن اللحظة التي يحيط بها علماً بالله هي ذاتها اللحظة التي يتحول فيها الخالق إلى مخلوق، قال تعلى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الانعام 103). ثالثاً: المؤمن بالله يعتقد بأن الله محيط به عالم بسره وجهره، وهذا الاعتقاد هو الذي يجعل مناجاة الإنسان لربه أمر مبرر عقلاً، فالإنسان يتكلم عندما يعتقد أن المخاطب يسمع قوله ويرى مكانه، والله محيط بالإنسان فلذلك يندفع الإنسان في مسألته والطلب منه، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (16 ق). فالإنسان يخاطب الله ليس لأنه يرى الله وإنما لأنه يعتقد بأن الله يراه، وكذلك يطلب من الله لأنه يعتقد بأن الله يسمعه لكونه محيط به، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186 البقرة). {ما يملكون من قطمير}. إذا أتضح ذلك نأتي للأصنام التي يعتقد المشركون بكونها آلهة.
{ما يملكون من قطمير}
وبهذا تصبح الآية تنبيه الإنسان من أجل ايقاظ عقله إذ كيف يدعو جماداً لا يسمع ولا يرى، في حين أن الإنسان أكرم منه يسمع ويرى. ثانياً: عبادة الاصنام كانت قائمة على التقليد وإتباع الإباء ولم تقم على رؤية فلسفية واضحة، بمعنى أن عبادة الاصنام كانت تتوارثه المجتمعات من غير وعي وبصيرة، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170 البقرة). ومن هنا استخدم القرآن أسلوب التذكير عن طريقة الصدمة التي ترجعهم إلى عقولهم وهذا ما حدث مع إبراهيم عليه السلام عندما قال لهم (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ)، مما جعلهم يعودوا إلى رشدهم من شدة الصدمة إذ كيف يعبدون هذه الاخشاب الجامدة التي لا تنطق فقال: (فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ) (64 النبياء). ثالثاً: التواصل مع الأصنام يجب أن يكون عن طريق المخاطبة المباشرة لكونه محسوس وملموس، فإن كان لا يسمع ولا ينطق فهذا نقص غير مقبول، وبالتالي هي دون مستوى الإنسان فكيف جاز بعد ذلك جعلها إله؟.
في حين أن التواصل مع الله لا يمكن أن يكون مباشراً لكونه غير محكوم بقوانيين الطبيعة، فمع أنه لا يشبه الخلق إلا أنه قريب منه بعلمه وقدرته ولطفه ورحمته فيتواصل معه الإنسان بروحه وقلبه، ولا يمكن أدعاء هذا النوع من التواصل مع الاصنام لأنها من جنس المادة العاجزة والفقيرة والمحتاجة.