النوع
الأول: فإن بعض الناس يهبه الله عزّ وجل حياءً، فتجده حيياً من حين الصغر، لا
يتكلم إلا عند الضرورة، ولا يفعل شيئاً إلا عند الضرورة، لأنه حيي. الثاني: مكتسب يتمرن عليه الإنسان، بمعنى أن يكون الإنسان غير حيي ويكون فرهاً
باللسان، وفرهاً بالأفعال بالجوارح، فيصحب أناساً أهل حياء وخير فيكتسب منهم،
والأول أفضل وهو الحياء الغريزي. اعلم أن الحياء خلق محمود إلا إذا منع مما يجب، أو أوقع فيما يحرم، فإذا منع مما
يجب فإنه مذموم كما لو منعه الحياء من أن ينكر المنكر مع وجوبه، فهذا حياء مذموم،
أنكر المنكر ولا تبالِ، ولكن بشرط أن يكون ذلك واجباً وعلى حسب المراتب والشروط،
وحياء ممدوح وهو الذي لا يوقع صاحبه في ترك واجب ولا في فعل محرم. 4
- أن من خلق الإنسان الذي لا يستحيي أن يفعل ما شاء ولا يبالي، ولذلك تجد الناس
إذا فعل هذا الرجل ما يستحيى منه يتحدثون فيه ويقولون: فلان لا يستحيي فعل كذا
وفعل كذا وفعل كذا. 5
- ومن فوائد الحديث على المعنى الثاني: أن ما لا يستحيى منه فالإنسان حل في فعله
لقوله: إذَا لَم تَستَحْيِ فَاصنَع مَا شِئت. 6
- فيه الرد على الجبرية، لإثبات المشيئة للعبد. والله الموفق. إذا لم تستح فاصنع ما شئت. الحمد لله رب العالمين
( 1) أخرجه البخاري كتاب: الأدب، باب: إذا لم تستح
فاصنع ما شئت، ( 6120)
( 2) انظر الروايات في ذلك في الدر المنثور
للسيوطي ( 7/155-163)
( 3) سبق تخريجه صفحة ( 162)
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
- حديث
- إذا لم تستح فاصنع ما شئت
- ص26 - كتاب شرح الأربعين النووية عبد الكريم الخضير - شرح الأربعين النووية - المكتبة الشاملة
حديث
ذهاب الحياء جعل طلبةَ المدارس - وخصوصًا طلبةَ الثانوية العامة - يعتمدون على الغش في امتحاناتهم باستخدام القصاصات الورقية ( احجابات) فتفننوا فيها بشكل كبير، لدرجة أن الأستاذ المشرف الذي يكون على قدر عالٍ من التحفظ والمراقبة لا يلحظُهم؛ بل إن بعض الطلبة مَنْ يأخذ الآيات القرآنية من كتابه المدرسي - بانتزاع الورقة المكتوب فيها هذه الآيات من الكتاب - ويغشها، وبعد انتهاء الامتحان يرميها من دون حياء ولا خجل، لا من الله، ولا من الناس، ولا من نفسه. ذهاب الحياء جعل تاجر الملابس يعرض أمام محله ملابسَ نسائيةً فاضحة، ومن غير خجل يقف أمام محله يُساوم عليها، لدرجة أن المارَّ في الشارع مع والده أو صديقه أو أستاذه؛ بل مع والدته وأخته - يستحيي وتنقبض نفسه. بذهاب الحياء أخذ الموظفُ الرِّشوة، وضيَّع أمانة عمله، وأكل المسؤول وصاحب المنصبِ المالَ العام، واعتدى الجارُ على جاره، وهجر الأخ أخاه، وعقَّ الابن أمَّه و أباه، وضيع الأب تربية أبنائه، فتجدهم في مشاجراتٍ ومعاركَ مع جيرانهم. حديث. حدِّث ولا حرج عمَّا يُحدِثه غياب الحياء عن الناس، وكما قال القائل:
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلاَ وَاللَّهِ مَا فِي العَيْشِ خَيْرٌ وَلاَ الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
إذا لم تستح فاصنع ما شئت
وأما
ما يؤثر عن النبوة الأولى: فهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم
الأول: ما شهد شرعنا بصحته، فهو صحيح مقبول. الثاني: ما شهد شرعنا ببطلانه، فهو باطل مردود. الثالث: ما لم يرد شرعنا بتأييده ولا تفنيده، فهذا يتوقف فيه، وهذا هو العدل. ولكن
مع ذلك لا بأس أن يتحدث به الإنسان في المواعظ وشبهها إذا لم يخشَ أن يفهم
المخاطَب أنه صحيح.
ص26 - كتاب شرح الأربعين النووية عبد الكريم الخضير - شرح الأربعين النووية - المكتبة الشاملة
قال
داود: ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ
وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ
أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ*
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ ﴾
( ص: 24-25). زعم
اليهود أن لداود عليه الصلاة والسلام جندياً له امرأة جميلة، وأرادها داود، ولكي
يتوصل إليها أمر هذا الجندي أن يذهب في الغزو من أجل أن يقتل فيأخذ داود زوجته (2)
وهذا لا شك أنه منكر، فهذا لا يقع من عامة الناس فكيف يقع من نبي؟!! لكنهم افتروا
على الله كذباً وعلى رسله كذباً. ان لم تستحي فاصنع ما شات صوتي. فإن
قال قائل: ما وجه قوله: ﴿ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ
وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ ﴾
( ص: 24). فالجواب:
أن هذا الذي حصل من داود عليه السلام فيه شيء من المخالفات، منها:
أولاً:
أنه انحبس في محرابه عن الحكم بين الناس، وكان الله تعالى قد جعله خليفة يحكم بين
الناس، ولكنه آثر العبادة القاصرة على الحكم بين الناس. ثانياً:
أنه أغلق الباب مما اضطر الخصوم إلى أن يتسوروا الجدار، وربما يسقطون ويحصل في هذا
ضرر.
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
حديث ِ ( إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) الأربعين
النووية
الحياء
من الإيمان: الحديث العشرون
عَنْ
أَبيْ مَسْعُوْدٍ عُقبَة بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ البَدْرِيِّ رضي الله عنه
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ ( إِنَّ مِمَّا أَدرَكَ النَاسُ مِن كَلاَمِ النُّبُوَّةِ
الأُولَى إِذا لَم تَستَحْيِ فاصْنَعْ مَا شِئتَ) (1) رواه البخاري. ص26 - كتاب شرح الأربعين النووية عبد الكريم الخضير - شرح الأربعين النووية - المكتبة الشاملة. الشرح
"إِنَّ"
أداة توكيد خبرها مقدم وهو قوله: "مِما أَدرَكَ الناسُ" واسم إن قوله:
"إذا لَم تَستَحْيِ فَاصْنَع مَا شِئت" وهذه الجملة على الحكاية ،
فتكون الجملة كلها اسم إن، والتقدير: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى هذا
القول. وقوله:
" إِنَّ مِما أَدرَكَ الناسُ " ( من) هنا للتبعيض، أي إن بعض الذي أدركه الناس من
كلام النبوة الأولى... الخ. النبوَةِ الأُولَى يعني السابقة، فيشمل النبوة الأولى على الإطلاق، والنبوة الأولى
بالنسبة لنبوة النبي ﷺ فعليه نفسر:
النبوَةِ الأُولَى أي السابقة.
" إذا لَم تَستَحْيِ فَاصْنَع مَا شِئت " هذه
الكلمة من كلام النبوة الأولى،
والحياء
هو عبارة عن انفعال يحدث للإنسان عند فعل ما لا يجمله ولا يزينه، فينكسر ويحصل
الحياء.
"