وبطبيعة الحال رأى التيار المضاد للقصبي ورفيقه آنذاك الفنان عبدالله السدحان بأنه استطاع إضفاء طابع الرسمية على الخلاف معهما، وذلك استناداً على مرجعية الفتوى وتأثيرها الاجتماعي، فيما رأى القصبي بأن فتاوى التحريم أعطت الحركة الفنية في السعودية شرعيتها، كون العمل استمر ولم ينقطع الناس عن مشاهدته. تجدر الإشارة إلى أن الفتوى لم ترمه بالكفر أو تخرجه من الملة بل كانت ذات طابع وعظي صرف. هل يستهزئ بالدين؟ لو سألت الناقمين على الفنان ناصر القصبي عن سر الكراهية التي تكنها صدورهم نحوه لأجابوك دون تردد بأنه يستهزئ بالدين والقيم ويسخر من أهل الصلاح والخير ويشوه صورة المجتمع ، والتساؤل البسيط الذي يتم طرحه في هذا الجانب هل يمكن اختزال الدين في شخوص؟ وما هي الطريقة المثلى لانتقاد المسيئين المتسترين بغطاء التدين للتحايل على الناس في قضايا يومية نعيشها كالبيع والشراء والرقية على سبيل المثال لا الحصر يكون فيها الثوب القصير واللحية حاضرة لاستدراج الناس والتغرير بهم. وهناك قضية أخرى نلمحها من خلاف القصبي مع التيار المناوئ تكمن في أن هذا التيار من الأساس يرفض توجيه النقد لأتباعه أو لمظهر من مظاهره، ويمقت الاختلاف معه جملة وتفصيلاً.
- قبل ساعات من عرض العاصوف.. ناصر القصبي مغرداً: أشعر بالمرارة | صحيفة المواطن الإلكترونية
قبل ساعات من عرض العاصوف.. ناصر القصبي مغرداً: أشعر بالمرارة | صحيفة المواطن الإلكترونية
والسؤال الأعم والأشمل الذي يُطرح، هو إن كان القصبي وزمرته يستهزئون بالدين أو العامة هل سيقبل المجتمع ذلك؟ أم أنه حان الاعتراف بأن محاولات التجييش والمقاطعة ضد ما يقدمه القصبي فشلت فشلاً ذريعاً طوال السنوات الماضية، بدليل ردود الفعل الكبيرة على ما يقدمه في مواقع التواصل الاجتماعي إضافة إلى انفراده بأعلى نسب المشاهدة على مستوى الخليج والوطن العربي. جرأة ناصر يُعد الفنان ناصر القصبي أول ممثل خليجي يوظف الكوميديا في تعرية فكر داعش وفق سياق درامي جريء تناول هذا الفكر المتطرف من خلال عرضه ثم تقزيمه وكشفه على حقيقته. ونجح القصبي بصحبة الكاتب خلف الحربي في حلقة بيضة الشيطان في الجزء الأول من مسلسل سيلفي في انتزاع التصفيق والتهليل من مختلف أطياف المجتمع. هذه الحلقة بالذات كان وقعها أشد ألماً على الدواعش من قنابل طائرات التحالف الدولي، فأخرجت الدواعش من جحورهم ووصل معهم الأمر إلى تهديد القصبي بالقتل. القصبي يرى من جانبه أن الفنان الذي لا يملك شجاعة على طرح رؤيته فمن الأفضل له الجلوس في المنزل. ومن خلال هذه الحلقة، التي يمكن تصنيف مشهدها الأخير بأنه أحد أكثر مشاهد الدراما السعودية تأثيراً، نجد أن إثارته لقضية قتل الأقارب، والتي عدها البعض حينها مبالغة ممجوجة، باتت اليوم حقيقة نعيش تفاصيلها.
الفنان ناصر القصبي هو هرمون السعادة الذي يسري في جسد الدراما الخليجية، وهو أيضاً الأكثر إثارة للجدل في فضائها منذ سنوات، تعوَّد السير حافي القدمين بين حقول الألغام والأسلاك الشائكة، ولم تثنه مكامن الخطر على المضي قدماً بقضيته إلى الأمام. طرحه الكوميدي كان الحزام الناسف الذي ارتداه وقض به مضاجع مناوئيه بل أصابهم بقلق مزمن. ناصر أيضاً قد يكون الكوميدي الأوحد محلياً القادر على منحك التفاصيل الصغيرة للشخصية التي يعيشها. منذ قرابة العقدين من الزمن وهو يواجه حملة إقصائية عنيفة أبرز سماتها التكفير والرمي بالنفاق والاستهزاء بالقيم والثوابت، بل إن رموز ما يسمى بـ"الصحوة" طالبوه بالتوبة وحاولوا تأليب الناس ضده، ولكنه جابه تلك الحملات ولم يتزحزح أو ينكص عن مواقفه أو قضيته وطالما ردد: "أنا لا أصفي حسابات مع أحد لأن تصفية الحسابات إذا دخلت الفن فإنها تفسده"، مبيناً أن تلك الهجمات ضد أعماله تعطيه انطباعا على نجاحه في اختراق مختلف الاتجاهات الفكرية. تحريم "طاش" في كانون الأول/ديسمبر عام 2000 أصدُرت فتوى شهيرة في السعودية حرّمت "طاش ماطاش"، وجاء في نص الفتوى بأنه "نظراً لكثرة التشكيات والاستفتاءات على مدى 6 سنوات متواليات من عام 1416 إلى عام 1421 بشأن مسلسل "طاش ما طاش" لما فيها من مخالفات للشرع المطهر والقيم والآداب.... تحرم مشاهدة هذه المسلسلات والجلوس عندها لما فيها من المنكرات وتعدي حدود الله".