فعلى هذا فينبغي أن ينتهز الفرصة فيدعو بين الخطبتين وأما رفع اليدين بذلك فلا أعلم به بأساً لأن الأصل في الدعاء أن من آدابه رفع اليدين فإذا رفع الإنسان يده فلا حرج وإذا دعا بدون رفع يد فلا حرج. وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي في شرح الزاد: رفع اليدين بالدعاء بين الخطبتين قول طائفة من العلماء، وأنه مما يتحرى لإجابة الدعوة أي أنه مما يظن أن فيه الساعة التي هي ساعة الجمعة، ولذلك يدعو فيها ولكن رفع اليدين بقصد القربة يعتبر من الحدث، أما لو أنه دعا دعوة مطلقة فلا حرج عليه في ذلك، أو لم يتخذ ذلك ديمة ولم يعتقد فيه فضلاً فلا حرج عليه، لمطلق الأحاديث في جواز رفع اليدين في الدعاء، والوقت الذي بين الخطبة الأولى والخطبة الثانية يشرع فيه الكلام، ويشرع فيه الفعل، وهذا دل عليه الحديث في صحيح البخاري أن الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عمر رضي الله عنه وأرضاه. انتهى. وقد تكلم المباركفوري في شرح الترمذي على رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة فقال بعد نقاش أدلة المسألة: القول الراجح عندي أن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة جائز لو فعله أحد لا بأس عليه إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم. انتهى. ولكن الأحاديث التي اعتمد عليها متكلم فيها وقد خالفه جمع من المحققين فيما ذهب إليه.
حكم رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة
وكذلك روى عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال " اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد" وفى صحيح مسلم عن عمر: رفع النبى(صلى الله عليه وسلم) يديه بالدعاء يوم بدر.
وعلى القول بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء رويت عدة حالات فى كيفية الرفع ، منها جعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها، وجعل بطونهما مما يلى وجهه.
وروى عكس ذلك.
ومنها جعل كفيه إلى السماء وظهورهما إلى الأرض ، وروى عكس ذلك وكان ذلك فى الاستسقاء كما رواه مسلم "نيل الأوطار ج 4 ص 9 ".
قال ابن حجر فى الفتح:قال العلماء: السنة فى كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلاً ظهر كفيه إلى السماء ، وإذا دعا بحصول شيء أو تحصيله أن يجعل بطن كفيه إلى السماء.
وكذلك قال النووى فى شرح صحيح مسلم ، حاكيًا لذلك عن جماعة من العلماء.
وقيل: الحكمة فى الإشارة بظهر الكفين فى الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل فى تحويل الرداء.
هذا ، ويكره عند الدعاء النظر إلى السماء ، لحديث مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء فى الصلاة إلى السماء ، أو ليخطفن اللَّه أبصارهم ".
وقد يحمل النهى على رفع البصر فى الصلاة، أما فى غيرها فلا مانع ، لرواية للبخارى جاء فيها: فنظر إلى السماء، وكان ذلك فى الاستسقاء " نيل الأوطار ج 4 ص 10 "
فجعل من أسباب الإجابة رفع اليدين. ومن أسباب المنع وعدم الإجابة أكل الحرام والتغذي بالحرام. فدل على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، سواء في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في المراكب الفضائية، أو في غير ذلك، إذا دعا ورفع يديه فهذا من أسباب الإجابة إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي ﷺ فلا نرفع فيها، مثل خطبة الجمعة، فلم يرفع فيها ﷺ، إلا إذا استسقى فهو يرفع يديه فيها، كذلك بين السجدتين وقبل السلام في آخر التشهد لم يكن يرفع يديه ﷺ فلا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي لم يرفع فيها ﷺ؛ لأن فعله حجة وتركه حجة، وهكذا بعد السلام من الصلوات الخمس، كان ﷺ يأتي بالأذكار الشرعية ولا يرفع يديه، فلا نرفع في ذلك أيدينا اقتداء به ﷺ. أما المواضع التي رفع ﷺ فيها يديه فالسنة فيها رفع اليدين تأسيا به ﷺ، ولأن ذلك من أسباب الإجابة، وهكذا المواضع التي يدعو فيها المسلم ربه ولم يرد فيها عن النبي ﷺ رفع ولا ترك فإنا نرفع فيها للأحاديث الدالة على أن الرفع من أسباب الإجابة كما تقدم [1]. مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (6/158). فتاوى ذات صلة
رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة
انتهى
وممن أجاز رفع اليدين في الدعاء الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى – يقول:
قال العلماء بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء بل بالندب اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم غير أن جماعة كرهوا رفع اليدين فى غير الاستسقاء ، لحديث أنس "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا فى الاستسقاء ،فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ". رواه البخارى ومسلم.
والقائلون بالجواز فى غير الاستسقاء ردوا على هؤلاء بأن كون أنس نفى الرؤية عنه لا يستلزم نفى رؤية غيره ، كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة ، والمثبت مقدم على النافى.
أو يحمل حديث أنس على الرفع البليغ الذى يرى فيه بياض الإبطين وهو لا ينافى الرفع بغير ذلك ، كمجرد مد اليدين وبسطهما عند الدعاء.
والبعض كره رفع اليدين مطلقًا فى الاستسقاء وغيره ، لحديث مسلم عن عمارة بن رويبة ، وقد رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه ، فقال:
قبح اللَّه هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بأصبعه المسبحة "تفسير القرطبى ج 7 ص 255 " ويرد عليهم بما رد على غيره.
يقول القرطبى: والدعاء حسن كيفما تيسر،وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى اللَّه عز وجل والتذلل له أو الخضوع ، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن وإن شاء فلا، فقد فعل ذلك النبى صلى الله عليه وسلم حسبما ورد فى الأحاديث وقد قال تعالى{ادعو ربكم تضرعًا وخفية}[ الأعراف:55]، ولم ترد صفة من رفع يدين وغيرهما ، وقال تعالى{الذين يذكرون اللّه قيامًا وقعودًا} [آل عمران: 191]، فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر، وقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم الجمعة وهو غير مستقبل القبلة.
[2]
رفع اليدين بالدعاء في الوتر
إنَّ رفع اليدين في الدعاء في الوتر مستحب وهو مروي وصحيح عن جميع الصحابة الكرام، وتدل عليه عموم الأحاديث النبوية الشريفة، وأباح رفع اليدين الكثير من علماء المسلمين وعليه أجمع المسلمون، جاء في حاشية كتاب الروض: " فيرفع يديه إلى صدره ويبسطهما وبطونهما نحو السماء -ولو كان مأموما- لحديث مالك مرفوعا: إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها.. "، ويستحب للمسلم أن يرفع يديه في دعاء القنوت سواء كان الدعاء ثناءً على الله أو كان مسألة يطلبها العبد من ربه، والله تعالى أعلم.
حكم رفع اليدين في الدعاء يوم الجمعة
وأياً كان الأمر فإن حديث عمارة يدل على أنه لا ترفع الأيدي في خطبة
الجمعة وإنما هي إشارة بالسبابة، وحديث أنس يدل على رفعها في
الاستسقاء، والاستصحاء، فيؤخذ بحديث عمارة فيما عدا الاستسقاء،
والاستصحاء، ليكون الخطيب عاملاً بالسنة في الرفع والإشارة بدون
رفع. ومثال ما ورد فيه عدم الرفع استلزاماً: دعاء الاستفتاح في الصلاة،
والدعاء بين السجدتين، والدعاء في التشهدين، فإن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يضع يديه على فخذيه في الجلوس، ويضع يده اليمنى على اليسرى
في القيام، ولازم ذلك أن لا يكون رافعاً لهما. وأما الدعاء أدبار الصلوات ورفع اليدين فيه فإن كان على وجه جماعي،
بحيث يفعله الإمام ويؤمن عليه المأمومون، فهذا بدعة بلا شك. وإن كان
على وجه انفرادي فما ورد به النص فهو سنة، مثل الاستغفار ثلاثاً فإن
الاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء ومثل قول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك" عند من يرى أن ذلك بعد السلام، ومثل قول: "رب أجرني من
النار سبع مرات" بعد المغرب والفجر إلى غير ذلك مما وردت به
السنة. أما ما لم يرد في السنة تعيينه بعد السلام فالأفضل أن يدعو به قبل
السلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله
عنه حين ذكر التشهد: " ثم يتخير من الدعاء
أعجبه إليه فيدعو " (رواه البخاري)، ولأنه في الصلاة يناجي ربه
فينبغي أن يكون دعاؤه قبل أن ينصرف.
ومنها: ما رواه البخاري بأسانيد صحيحة، وذَكَرَهُ النووي في كتابه " المجموع "؛ باب رفع اليدين في الدعاء، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو رافعًا يديه، يقول: ((إنما أنا بشر فلا تعاقبني، أيما رجل من المؤمنين آذيته أو شتمته، فلا تعاقبني فيه)). وهذه الأحاديث غيض من فيض، نستدل منها أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه أثناء الدعاء، والطلب من الله - سبحانه وتعالى. هذا؛ وإنَّ رفع اليدَيْن في دعاء خطبة الجمعة ليس أمرًا منهيًّا عنه، بل هو جائز، واستحبَّه العلماءُ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في دعاء خطبة الجمعة، وقد بوَّب له الإمام البخاري تحت عنوان: باب رفع اليدين في الخطبة، وحديث الباب: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع (جماعة الخيل)، وهلك الشاء، فادعُ الله أن يسقينا، فمدَّ يديه ودعا؛ انظر "فتح الباري شرح صحيح البخاري" ج 3 ص 78. ورفْع اليدين عند الدعاء إنما هو تعبير عن طَلَب الأدنى من الأعلى، مستجديًا متضرِّعًا، وقد ساق البخاري في ذلك عدَّة أحاديث، وقال النووي في "شرح صحيح مسلم": هي أكثر من أن تُحصَر، ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري، قال: دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه، وما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن سلمان الفارسي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا))، أو قال: ((خائبتين))؛ " الترغيب والترهيب " ج 2 ص 195.