فمع هذه الشرور المتراكمة ، والأمواج المتلاطمة ، والمزعجات الملمة ، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث. ولكن مع ذلك ، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله ، ولا ييأس من روح الله ، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة ، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب ، الكريم الوهاب ، ويكون الفرج بين عينيه ، ووعده الذي لا يخلفه ، بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات. فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال: " لا حول ولا قوة إلا بالله " و" حسبنا الله ونعم الوكيل. على الله توكلنا. اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى. وأنت المستعان. حديث القابض علي دينه كالقابض علي الجمر. وبك
المستغاث. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير ، إذا لم يمكن الكثير. وبزوال بعض الشر وتخفيفه ،إذا تعذر غير ذلك: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} ، { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [ الطلاق: 2 ، 3 ، 4]
- حديث القابض على دينه كالقابض على الجمر ؟ الشيخ مصطفي العدوي - YouTube
حديث القابض على دينه كالقابض على الجمر ؟ الشيخ مصطفي العدوي - Youtube
ولكن المتمسك بدينه ، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين ، وأهل الإيمان المتين ، من أفضل الخلق ، وأرفعهم عند الله درجة ، وأعظمهم عنده قدرا. حديث القابض على دينه كالقابض على الجمر ؟ الشيخ مصطفي العدوي - YouTube. و أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة ، وأن يعرفوا أنه لا بد منها ، وأن من اقتحم هذه العقبات ، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات ، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه ، فإن المعونة على قدر المؤونة. وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم ، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، إيمان ضعيف ، وقلوب متفرقة ، وعداوات وبغضاء باعدت بين الناس، وأعداء ظاهرون وباطنون ، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين ، ودعايات إلى فساد الأخلاق ،
ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا ، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم ، وأكبر همهم ، ولها يرضون ويغضبون ، وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله ، وبكل ما ينسب إليه ، وفخر وفخفخة ، واستكبار. فمع هذه الشرور المتراكمة ، والأمواج المتلاطمة ، والمزعجات الملمة ، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث.
فلا نجاة للعبد من الفتن صغيرها وكبيرها إلا بالامتثال لأمر الله تعالى ، والأخذ بما أمر، وليس هذا فحسب.. بل علينا أن نتواصى فيما بيننا بالحق وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، وأن نرضى بذلك بقلوبنا، فإننا رُكَّابُ سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَنَحْنُ قَدْ فُضِّلْنَا عَلَى الْأُمَمِ بِالْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، لَا كَمَا يَحْدُثُ فِي بَعْض بلاد المسلمين فإنك تجد من لا يتقبل ذلك بقلبه فضلا عن أن ينقاد له بجوارحه وبدنه. ، وعلى المؤمن في هذا الزمان أن يبحث عن المؤمنين الصابرين مثله، لكي يخفف من وحدته وغربته، فيتواصوا بالحق و بالصبر. فصحبة المؤمنين ومجالستهم ورؤيتهم من أنجع أساليب تذكر الآخرة، وتجديد النشاط لمواجهة النفس، والشياطين من الإنس والجن. فلا تكن كالشاة المنفردة حيث يسهل على الذئب افتراسها. كما لا بد من إكثار ذكر الله تعالى بالليل والنهار سراً وعلانية. فاستعينوا بقيام الليل فإنه خير معين على الآخرة والدنيا، لأننا في زمن الغربة والغرباء. قال ابن القيم رحمه الله: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده.