وأما ابن الزبير فإنه خبٌ ضبٌ، فإذا شَخَص لك فالبدُّ له، إلا أن يلتمس منك صلحًا، فإن فعل فاقبل، واحقن دماء قومك ما استطعت". (4)
ثلاث من أهم وصايا معاوية بن أبي سفيان، كانت خلاصة عشرات السنين له أميرًا وملكًا، وجمعت مشاعره أبًا وخليفة، ووصايا أضاعها المُلك من ذهن يزيد. تحليل في إمارته على المسلمين:
"وَلِي حُزْنُ يَعْقوبٍ وَوَحْشَةُ يُونُسٍ
وآلاَمِ أَيُّوبٍ، وحَسْرةُ آدَمِ
وَعَيْشِكَ مَا هَذَا خِضَابًا عَرَفْتُهُ
فَلا تَكُ بالبُهْتانِ وَالزُّورِ مُتْهِمِي"(5)
تلك أبيات نُسِبت ليزيد، وكانت قبل أن اقتطعها في سياق شعر الغزل، لكن حين مسستها تفكيرًا، كانت كأنما كتبها هو في رثاء نفسه، وكأنما سطرها ليلخص سيرتهُ لكافة الأُمة، فبعد كل ما أحدثت يدا يزيدٍ من مآسي… كان هو مأساته الكُبرى، فظُلمهُ نزّه ورفع جميع من ظلم، إنما ظلمهُ لنفسه ما زاده إلا حسرات، ولم يكفي كارهيه ما افتعل ليتذكره التاريخ بالندم والإنكار، فزوروا عليهِ الكثير.
خالد بن يزيد بن معاويه بن ابي سفيان Show
ومن هنا أوفد منهم عشرة إلى معاوية فزينوا له بيعة يزيد. ثم أرسل معاوية إلى عامله على البصرة زياد وطلب منه أن يمهد لذلك الأمر في البصرة. لكن زياد طلب منه أن يتريث في هذا الأمر. فعمل معاوية بنصيحة زياد الذي يثق فيه. وبعد موت زياد أرسل كتاباً إلى مروان بن الحكم والي المدينة يطلب فيه مبايعة يزيد. قصة عشق!. وعندما فض مروان الكتاب جمع الناس ثم قرأه عليهم. وهنا ثارت ثائرة القوم وقام عبد الرحمن بن أبي بكر وقال: تريدون أن تجعلوا أمة محمد هرقلية، كلما مات هرقل خلفة هرقل. وأنكر الحسين بن علي هذا الأمر أيضاً، وكذلك فعل عبد الله بن الزبير. اقرأ أيضًا: عثمان بن عفان: ماذا فعل ثالث الخلفاء الراشدين ليستحق القتل؟
معاوية يطلب مبايعة ابنه
ولما بلغ معاوية من أمر هؤلاء في المدينة انطلق إليهم واجتمع بالحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وشرع يحدثهم بشأن بيعة يزيد فقال له عبد الله بن الزبير: نخيرك بين ثلاثة إما أن تصنع كما صنع الرسول ولم يستخلف أحد، فاختار الناس أبو بكر. فقاطعه معاوية وقال: ليس فيكم مثل أبي بكر. فقال: إذن افعل كما فعل أبو بكر، فإنه استخلف رجلاً من قاصية قريش ليس من يني أمية، أو إن شئت فافعل كما فعل عمر.
خالد بن يزيد بن معاويه اصابك عشق
هناك عامل مهم يغفله البعض، وهو أن عبيد الله بن زياد قد ورث ولاية العراق عن أبيه، الذي تحدث بعض الباحثون عن كونه صاحب سلطة شبه مستقلة على العراق، فربما انتقلت تلك الاستقلالية من الأب للإبن، فصعُب على يزيد استئصاله، حتى جائت قبيلة نخع ومخلصي آل علي وحتى الشيعة مثل المختار الثقفي، بإيعازٍ خفي من الأخ الموتور، محمد بن علي بن أبي طالب، فأهلكوا القتلة بعد موت يزيد، الذي مات جائرًا ظالمًا، وإن لم تكن كربلاء دليلًا كافيًا على ظُلمه، فبعد ضربه مكة بالمجانيق، وفعله ما فعل بأهل المدينة
الخلط بين معاوية ويزيد:
البعض يروا معاوية علّامًا للغيب! فرموه بمسؤولية كربلاء كاملة، متغافلين وصيته ليزيد بعد موته، مغفِلين بلائه في الفتح والإسلام، منذ حارب مع المسلمين في اليمامة حتى موته خليفة مبايعًا من أشراف الأمة بما فيهم الحسن والحسين، الذين لا يرتضون مبايعة جائرٍ وإن أخذ المسلمين عليه اصطفائه ليزيد، يستحيل غض النظر عن عشرات السنين من التاريخ الإسلامي ، كان فيها محرّك الفتوح والعاكف على استقرار الدين بين الناس. مصادر:
1– الطبري: ج5، ابن كثير: ج8
2- الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، ابن الطقطقي
3- الطبري: ج5، ص226
4- الطبري ج5 ، ص322 -323
– 5 –
6– الدولة الأموية، محمد سهيل طقوش
7- الحزبية السياسية منذ قيام الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية
8- الدولة الأموية، محمد سهيل طقوش
9 – الأخبار الطوال، الدينوري
10– الطبري، ص 409، عمر بن سعد بن أبي وقاص
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن سياسة المحطة.
1984* * باحث وأكاديمي مغربي «1935 - 2010».