الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
أثر الإيمان باليوم الآخر على سلوك المسلم &Quot;
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن باليوم الآخر وما فيه من أحداث كبرى؛ يجمع الله فيه الخلائق ليحاسبهم على ما قدموا من أعمال ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان، فقال: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.. "(رواه مسلم)، فيجمع الله الخلائق ليوم لا ريب فيه فيجازي المحسنين بجنات النعم، ويخزي الطالحين بالعذاب المقيم في جهنم، والعياذ بالله-. وإن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، لا يصح إيمان عبد حتى يعلم ويتيقن دون ريب ولا تردد أن ثمة يومًا يرجع فيه الناس إلى الله فيحاسب المحسن والمسيء، فيجازي المحسن بإحسانه ويجازي المسيء بإساءته. أثر الإيمان باليوم الآخر على سلوك المسلم ". والإيمان باليوم الآخر أعظم أركان الإيمان بعد الإيمان بالله، ذلك أن الإيمان باليوم الآخر يقوم على الإيمان والثقة بعدل الله وحكمته، فلا ينتظر العبد من ربه الحكيم العادل أن يسوّي بين الأنبياء وأعدائهم، ولا بين القاتل والمقتول، ولا بين الظالم والمظلوم، ولا بين من صام وقام وعبد ربه، وبين من فجر وعصى، فعدل الله وحكمته تأبى أن يعيش موسى وفرعون ثم يموتان.. ولا شيء بعد ذلك، كلا فالله الحكيم العادل جعل هناك دارًا للجزاء، ولا يظلم ربك أحدًا.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين ولا مغيرين. هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله...
السؤال:
تقول السائلة: هل ورد عن الرسول ﷺ بأنه قال فيما معناه: "بأن اختلاف العلماء والأئمة رحمة"؟ أفتونا في ذلك، مأجورين. الجواب:
لم يأت هذا عن النبي ﷺ، إنما هذا من كلام بعض السلف: أن اختلاف الصحابة رحمة، والصواب: أن الاختلاف ابتلاء وامتحان، والرحمة في الجماعة والاتفاق، ولكن الله سبحانه يبتلي عباده بخلاف، حتى يتبين الراغب بالحق، والحريص على التفقه في الدين، ومعرفة الدليل، قال -جل وعلا-: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود:118-119] فجعل الرحمة للمجتمعين، قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]. الاختلاف ابتلاء وامتحان، والاجتماع على الحق، والتعاون على البر والتقوى من الرحمة، وفق الله الجميع. دار الإفتاء تحسم الجدل حول صحة مقولة "اختلاف العلماء رحمة". المقدم: جزاكم الله خيرًا. فتاوى ذات صلة
الاختلاف رحمة
وأوضح أن الحقيقة التي أجمعت عليها أمة الإسلام إجماعًا عمليا على مر القرون وتوالي الأزمان، أن اختلاف أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الظنيات رحمة كبيرة، وإن كان حديث (اختلاف أمتي رحمة) لم يرد مسندا بهذا اللفظ إلا أن معناه صحيح، والمسند المحفوظ ما أخرجه البيهقي والديلمي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة». وفي سياق متصل، قال الدكتور علي عمر الفاروق، مدير عام إدارة الحساب الشرعي وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن تقنين أحكام الفقه الإسلامي هو حلقة وصل بين الخلاف الفقهي والحكم القضائي لمنع تضارب الأحكام، واستقرار المعاملات بين الناس. وأشار الفاروق إلى أن القضية ذاتها قد يختلف تفسيرها من فقيه إلى فقيه، ومن مذهب إلى مذهب، منوهًا بأن تنوع المذاهب يؤدي إلى السعة والتيسير ورفع الحرج.
دار الإفتاء تحسم الجدل حول صحة مقولة "اختلاف العلماء رحمة"
وقال الإمام عبد الوهاب الشعراني في "الميزان" (1/ 74، ط. عالم الكتب): [الشريعة المُطهرة جاءت شريعةً سمحاءَ واسعةً شاملةً قابلةً لسائر أقوال أئمة الهُدى مِن هذه الأمة المُحمَّدية، وأنَّ كُلَّا منهم –فيما هو عليه في نفسه- على بصيرةٍ من أمره وعلى صراطٍ مستقيم، وأنَّ اختلافهم إنَّما هو رحمة بالأمة، نشأ عن تدبير العليم الحكيم] اهـ. ماصحة حديث (اختلاف أمتي رحمة)؟. ولذلك نصَّ العلماء في قواعد الفقه وأصوله أنَّ الشأن في المسائل الخلافية أنه لا إنكار فيها. وبناءً على ذلك: فإنَّ المقولة المذكورة صحيحة شرعًا؛ لأنَّ الأصلَ في التشريع الإسلامي أنه جاء لتحقيق الرحمة، ودفع المشقة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ اختلاف الصحابة رحمة، وأنَّ الهداية حاصلة بالأخذ بقول أيّ واحد منهم.
ماصحة حديث (اختلاف أمتي رحمة)؟
على ألسنة العامة والخاصة تتردد يومياً عبارة "اختلاف الفقهاء رحمة" من دون أن يدرك كثير ممن يرددونها متى يكون اختلاف فقهاء وعلماء الأمة رحمة؟ ومتى يكون نقمة؟ وما شروط وضوابط الاختلاف المشروع؟ والفرق بينه وبين التشاحن المذموم الذي يشتت أذهان الجماهير، وينشر البغضاء بين العلماء، ويشوه صورة الإسلام، ويظهره في عدد من "النسخ" المختلفة والمتناقضة أحياناً؟!
06:33 م
الثلاثاء 15 أكتوبر 2019
كتب - محمود مصطفى:
تصوير - نادر نبيل:
أكد الدكتور يوشار شريف داماد أوغلو أستاذ مساعد بجامعة آرسطوتاليس بقسم العلوم الإسلامية، ثسالونيكي - اليونان، أن الاختلاف الفقهي ضرورة من ضرورات الشريعة وهو رحمة واسعة على الأمة ما لم يؤد إلى التنازع والشجار والبغضاء، موضحا أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا من قبلنا. وقال يوشار شريف - في بحثه أمام مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد بالقاهرة اليوم الثلاثاء وغدا تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي" والذي ينعقد تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي ويشارك فيه 88 وفدا دوليا من مختلف دول العالم - إن الخلاف نوعان محمود ومذموم فالأول ما كان في فروع الدين وهو مستساغ ومشروع ولا يدعو إلى القطيعة والهجر بين المسلمين، بل هو رحمة وسعة على الأمة وهو الذي عبر عنه باختلاف التنوع، أما الاختلاف المذموم فهو الاختلاف في الأصول وبما كان قطعيا وواضح الدلالة والمخالف فيه خالف عن هوى ومكابرة وقد عبر عن هذا النوع باختلاف التضاد. وتابع قائلا: أهم فوائد الاختلاف الفقهي يمكن أن تتحقق إذا ظل الاختلاف ضمن الحدود والآداب التي يجب الحرص عليها ومراعاتها، ولكنه إذا جاوز حدوده وضوابطه، ولم تراع آدابه فتحول إلى جدال وشقاق كان ظاهرة سلبية سيئة العواقب تحدث شرخا في جسد الأمة، فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء ورحمة، إلى معاول هدم ونقمة.