مقالات متعلقة
تاريخ الإضافة: 14/9/2013 ميلادي - 10/11/1434 هجري
الزيارات: 25881
1- حادثة شق الصدر:
كانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمِسوا المراضع لأولادهم، ابتعادًا لهم عن أمراض الحواضر؛ لتقوى أجسامهم، وتشتدَّ أعصابهم، ويُتقِنوا اللسانَ العربيَّ في مهدهم، وقد استرضع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من بني سعد بن بكر - وهي حليمة بنت أبي ذؤيب - وزوجها الحارث بن عبدالعزى المُكنَّى بأبي كَبْشة، من نفْس القبيلة. وإخوته هناك من الرَّضاعة:
عبدالله بن الحارث، وأنيسة بن الحارث، وحذافة أو جذامة بنت الحارث - وهي الشيماء - وكانت تَحضُن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم. وكان عمه حمزة بن عبدالمطلب مُسترضعًا في بني سعد بن بكر، فأرضعتْ أمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا وهو عند أمه حليمة، فكان حمزة رضيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجهين: من جِهة ثويبة، ومن جهة السعديَّة. - السّيرة النّبويّة (9) حادثة شقّ الصّدر الأولى. ورأت حليمة من بركته - صلى الله عليه وسلم - العجبَ العُجاب، والتي ظهرت في نسماتِ البَركة التي استشعرتْها مع إرضاعها له، والبركات التي حلَّت على المرعى والمكان وما يملِكون، وقد سعِدت به سعادةً كبيرة، حتى بقي معهم إلى أن بلَغ السنةَ الرابعة أو الخامسة من مولده - صلى الله عليه وسلم - فوقع حادث شَقِّ صدره.
خرافة حادثة شق الصدر للرسول محمد 2 - Youtube
خرافة حادثة شق الصدر للرسول محمد 2 - YouTube
القسم الثاني: هو رحلة الإسراء. القسم الثالث: هو رحلة المعراج. وسوف نتناول الأحاديث أو أجزاءها التي شرحت كل قسم على حدة ليُمكن لنا استيعاب الصورة بشكل متكامل؛ وذلك مع العلم أن هناك أحاديث ذكرت أمرين من الثلاثة، أو حتى الأمور الثلاثة مجتمعة؛ ولكن باختصارات قد تُذهب بعض التفاصيل التي يحتاجها الدارس لكي يفهم الصورة بشكل واضح. خرافة حادثة شق الصدر للرسول محمد 2 - YouTube. قصة شق الصدر:
نبدأ في هذا المقال بقصة شق الصدر، وردت هذه القصة في روايات كثيرة منها ما يلي:
روى البخاري: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أنس بن مالك ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: "بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ [1]، -وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ[2]– (شَكٌّ مِنْ قَتَادَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْحَطِيمِ هُنَا الْحِجْرُ) مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ - قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ. -فَقُلْتُ (أي قتادة) لِلْجَارُودِ -وهو أحد أصحاب أنس رضي الله عنه- وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ[3]، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ- فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ.. "[4].
- السّيرة النّبويّة (9) حادثة شقّ الصّدر الأولى
وقد اشتملتْ بعضُ الرواياتِ على أنّه وبعد أنْ تمَّ استئصالُ العلَقةِ التي هي مغزى الشيطان الكائن في قلبِه وبعد أن تمَّ غسلُ علَقِ الدمِ أمرَ أحدُ الملكينِ الآخر بأنْ يخيطَ بطنَ رسولِ الله (ص). قال (ص): "أتاني ملكانِ وأنا ببطحاء مكة.. حادث شق الصدر. ثم قال أحدُهما لصاحبِه شُقّ بطنَه فشقَّ بطني ثم قال أحدهما لصاحبه: أخرِجْ قلبَه أو قال: شقَّ قلبَه فشقَّ قلبَه، فشقَّ قلبي فأخرج مغزى الشيطان وعلَقَ الدم فطرحها ثم قال أحدُهما للآخر: اغسلْ بطنَه غسْلَ الإناء وإغسل قلبَه غسْلَ الملاءة ثم رمى بسكينةٍ كأنَّها زُمردةٌ بيضاء فأُدخلتْ قلبي ثم قال أحدهما للآخر: خطْ بطنَه فخاط بطني.. "(3). وفي روايةٍ أخرى قال النبيُّ (ص): "فاقبل طيرانِ أبيضانِ كأنَّهما نسران فقال أحدُهما لصاحبِه: أهو هو؟ قال: نعم، فاقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا فشقَّا بطني ثم استخرجا قلبي فشقَّاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدُهما لصاحبه: ائتني بماء ثلجٍ فغسلا به جوفي ثم قال: إئتني بماءِ بَرَد فغسلا به قلبي.. "(4). فمثل هذه الروايات صريحةٌ في أنَّ ما وقع للنبيِّ (ص) كان جراحةً حسِّية فُتح فيها صدرُه وقلبُه واستُئصلَ من قلبِه جزء فكان أثرُ ذلك هو عصمتَه من الشيطان.
ولنراجع اللفظ النبوي العجيب: "ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي". فهما أمران يُحملان في طست، ويُفرغان في الصدر؛ بل إنه في رواية الرؤيا التي حكاها أنس بن مالك رضي الله عنه فصَّل في الشرح، فقال: "فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ.. فهو لم يكتفِ بحشو الصدر أو القلب، إنما أضاف لذلك حشو عروق الحلق! وهناك مؤيدات كثيرة في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية لهذا المعنى؛ ولكن المجال لا يتسع هنا لهذا التفصيل. كانت هذه العملية العجيبة بمنزلة الإعداد للرحلة المهولة القادمة؛ رحلة الإسراء والمعراج؛ بل إن شئت فقل: إن عملية شقِّ الصدر ورحلة الإسراء كانتا بمنزلة الإعداد لرحلة المعراج إلى الملكوت الأعلى، واختراق السموات، والحوار مباشرة مع ربِّ العالمين! لقد كان إفراغ الإيمان والحكمة في القلب بشكل مباشر أمرًا ضروريًّا لإتمام الحدث المهيب! ومع أنَّ الله قادر على أن ينقل رسوله صلى الله عليه وسلم دون شقِّ صدر أو إعداد، فإننا تعوَّدنا في رؤية تفاصيل حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملاحظة مبدأ احترام الأسباب، والأخذ بها؛ بل إننا سنرى هذا مرارًا في رحلة الإسراء والمعراج؛ وذلك من ركوبه لدابَّة معينة للذهاب ل بيت المقدس ، ومن ربطه للدابَّة عند دخوله المسجد، ومن طلب جبريل عليه السلام من حُرَّاس السموات أن يفتحوا لهم أبوابها، وغير ذلك من أمور تُعَلِّمنا أن الكون له معايير وسنن وضعها الله عز وجل، ولا يجوز أن يتجاوزها أحد.
حادث شق الصدر
قال أنسٌ: «وقد كنتُ أَرى أثرَ ذلكَ المِخْيَطِ في صدرِه». 25
8
25, 797
تقول حليمة كما في (1/301) من " السّيرة النبويّة " لابن هشام:
" فرجعنا به، فوالله إنّه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفي بَهْمٍ [1] لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتدّ، فقال لي ولأبيه:
ذَاكَ أَخِي القُرَشِيّ! قَدْ أَخَذَهُ رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ ، فَهُمَا يَسُوطَانِهِ [2] ". قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوَه، فوجدناه قائماً منتقعا وجهُه، فالتزمتُه والتزمه أبوه، فقلنا له:
- ما لك يا بُنَيَّ ؟! - قال: جَاءَنِي رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي ، فَالْتَمَسِا شَيْئًا لاَ أَدْرِي مَا هُوَ ؟
قالت: فرجعنا إلى خبائنا، وقال لي أبوه:
- يا حليمة! لقد خشِيتُ أن يكون هذا الغلام قد أصِيب، فألحِقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به. فاحتملناه، فقدمنا به على أمّه، فقالت:
- ما أقدمك به يا ظئرُ ؟ [والظّئر: هي المرضعة المستأجرة]، وقد كنت حريصة عليه ، وعلى مكثه عندك ؟! - فقلت: فقد بلغ الله بابنِي، وقضيت الّذي عليّ، وتخوّفت الأحداثَ عليه، فأدّيته إليكِ كما تحبّين. - قالت: ما هذا شأنك! فاصدُقيني خبرَك. فلم تدعْنِي حتّى أخبرتها [3] ". كان عمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينها ثلاث سنوات كما في " سيرة ابن إسحاق "، و لكن..
كيف بقِي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحده، وقد كان أخوه من الرّضاعة معه ؟
فاعلم أنّ الله إذا أراد شيئا هيّأ له أسبابه.