من آيات الأحكام المتعلقة بالعلاقات الزوجية نقرأ قوله تعالى: { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} (البقرة:135) هذه الآية تنفي الحرج -وهو الإثم- عمن عرَّض بالزواج بالمرأة المتوفى عنها زوجها، أو المعتدة من طلاق بائن. وتفصيل القول فيما تضمنته الآية من أحكام تنظمه المسائل التالية: المسألة الأولى: التعريض بالكلام هو خلاف التصريح به، والمراد به إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره، وهو من عُرْضِ الشيء، وهو جانبه، كأنه يحوم به على الشيء، ولا يظهره. ولك أن تقول في تعريفه: ما تضمن الكلام من الدلالة على شيء من غير ذكر له. ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء - موقع مقالات إسلام ويب. المسألة الثانية: روي في تفسير (التعريض) ألفاظ كثيرة، جماعها يرجع إلى قسمين:
الأول: أن يذكرها لوليها، يقول له: لا تسبقني بها، أو إني بها لراغب، أو إني لها لكفء، ونحو ذلك. الثاني: أن يشير بذلك إليها دون واسطة، فيقول لها: إني أريد التزويج، أو إنك لجميلة، إنك لصالحة، إن الله لسائق إليك خيراً، إني فيك لراغب، ومن يرغب عنك!
- تفسير: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء....)
- إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم "- الجزء رقم1
- ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء - موقع مقالات إسلام ويب
تفسير: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء....)
فالعزم فعل من الأفعال، كما ذكرنا في بعض المناسبات، والنبي ﷺ قال: القاتل والمقتول في النار قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه [3] ، فصار في النار؛ لأنه عزم، فالعزم يُؤاخذ عليه الإنسان، فلو أن أحدًا من الناس عزم على الفجور بامرأة مثلاً، وواعدها، وخرج، لكنه في الطريق حصل له حادث، أو جاء فما وجدها، فهذا يُؤاخذ كما لو أنه قد واقع بالفعل؛ لأنه إنما تخلف عن هذا الفعل لأمر خارج عن يده، وإلا فقد عزم عليه، فالعزم هو فعل من جملة الأفعال، فيُؤجر الإنسان عليه، كما لو فعل الطاعة، فإذا حال بينه وبينها مانع كُتب له، أو عليه. وأيضًا فالله -تبارك وتعالى- يأجر الإنسان بما عزم عليه وقصده، فالنبي ﷺ قال: إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر [4] ، فبلغوا مبلغ من فعل، وهكذا أيضًا في جانب المعصية، لكن هنا في ما يُكنه الإنسان في نفسه، مما يتعلق بالتزوج بفلانة أو فلانة، ممن لا يحل له أن يُبادرها بذلك لكونها في عدة الوفاة، أو الطلاق البائن الثلاث، فهذا لا يُؤاخذ الإنسان عليه، لكن ليس له أن يُصرح ولا يواعد.
إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم "- الجزء رقم1
وقيل: السر الزنا، أي: لا يكونن منكم مواعدة على الزنا في العدة، ثم التزوج بعدها. واختار هذا القول الطبري. وقيل: السر الجماع، أي: لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع؛ ترغيباً لهن في النكاح، فإن ذكر الجماع مع غير الزوج فحش، وهذا قول الشافعي. المسألة السابعة: أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها، وللأب في ابنته البكر. إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم "- الجزء رقم1. ثم قال مالك فيمن يواعد في العدة، ثم يتزوج بعدها: فراقها أحب إلي، دخل بها، أو لم يدخل، وتكون تطليقة واحدة، فإذا حلت خطبها مع الخطاب. وفي رواية عنه أنه يفرق بينهما إيجاباً. وقال الشافعي: إن صرح بالخطبة وصرحت له بالإجابة، ولم يعقد النكاح حتى تنقضي العدة، فالنكاح ثابت، والتصريح لها مكروه؛ لأن النكاح حادث بعد الخطبة. المسألة الثامنة: إذا عقد على المعتدة في عدتها، ولم يدخل بها، يجب فسخ العقد بينهما، ويفرق بينهما، وهذا بالاتفاق، ثم اختلفوا هل تحرم عليه على التأبيد، فمذهب مالك أنها تحرم عليه على التأبيد، ومذهب الحنفية والشافعية أن لها مهر مثلها، فإذا انقضت عدتها من الأول، تزوجها الآخر إن شاء. وإن عقد عليها في عدتها، ودخل بها قبل انقضائها، فمذهب مالك و أحمد أنه يفرق بينهما، ويتأبد التحريم بينهما، فلا يحل له الزواج منها بعدُ، وتكون كأم الزوجة.
ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء - موقع مقالات إسلام ويب
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أخرجه البخاري في كتاب الطلاق باب الطلاق في الإغلاق والكره، والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره برقم: (5269) ومسلم في كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب، إذا لم تستقر برقم: (127). أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، وإذا هم بسيئة لم تكتب برقم: (130). أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [سورة الحجرات:9] برقم: (31) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما برقم: (2888). أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم: (4423) ومسلم في كتاب الإمارة، باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر برقم: (1911). أخرجه البخاري في باب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟ برقم: (1) ومسلم في كتاب الإمارة بقوله قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنية برقم: (1907). أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة برقم: (6491) ومسلم في الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت... برقم: (131). أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب ، وخالد بن الوليد ، إلى اليمن قبل حجة الوداع برقم: (4351) ومسلم في الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم برقم: (1064).
روي أن سكينة بنت حنظلة بانت من زوجها فدخل عليها أبو جعفر محمد بن علي الباقر في عدتها وقال: يا بنت حنظلة أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام فقالت سكينة أتخطبني وأنا في العدة وأنت يؤخذ العلم عنك؟ فقال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي في عدة زوجها أبي سلمة فذكر لها منزلته من الله عز وجل وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله على يده. والتعريض بالخطبة جائز في عدة الوفاة أما المعتدة عن فرقة الحياة نظر: إن كانت ممن لا يحل لمن بانت منه نكاحها كالمطلقة ثلاثا والمبانة باللعان والرضاع: يجوز خطبتها تعريضا وإن كانت ممن للزوج نكاحها كالمختلعة والمفسوخ نكاحها يجوز لزوجها خطبتها تعريضا وتصريحا. وهل يجوز للغير تعريضا؟ فيه قولان: أحدهما يجوز كالمطلقة ثلاثا والثاني لا يجوز لأن المعاودة لصاحب العدة كالرجعية لا يجوز للغير تعريضها بالخطبة.