هل المرأة عدوة المرأة ؟
جاءتني أختي من الجامعة غاضبة قائلةً لي: "أهؤلاء من تدافعين عن حقوقهن ؟ صدقيني المرأة عدوة المرأة. " والدافع لقولها وغضبها كان الصعوبات والعقبات التي واجهتها عند طلبها لإخلاء طرف من الجامعة، فأمرها لا يحتاج إلا (لتوقيعات)، ولكن وجدت استهتار بطلبها وامتناع عن إنهاء معاملتها من الموظفات والتأجيل بلا سبب، إضافة لعدم وجود الموظفات بمكاتبهن إما لشرب القهوة في المباني الأخرى والتسلية أو غياب كلي عن الدوام أو التأخير.. المرأة عدوة المرأة بين المشروع والممنوع. فقلت في نفسي: هل السبب وراء ذلك الاستهتار وعدم الفاعلية في أوساط عمل المرأة (أن المرأة عدوة المرأة) أم سبب آخر؟ وما الذي يدفعها أن تكون عدوة لبنات جنسها؟ فتوصلت من وجهة نظري الخاصة: أن السبب غير مختص بعداء المرأة للمرأة الأخرى, بقدر ما يختص بعداوة المرأة لنفسها، نعم. إن المرأة السعودية التي تربت ببيتها منذ المهد على أنها (شيء) غير كامل الأهلية يجب أن يُقاد و يُحفظ بصندوق حتى لا يقع بالفضيحة، وأنها قاصرة حتى الممات بسبب أن لديها عقلاً ناقصاً لا يؤهلها أن تقرر، وتُستشار, وتعمل وتقود. فالمرأة التي لا تستطيع التنقل بعربة لأداء أدق تفاصيل حياتها البديهية، والمرأة التي لا تستطيع أن تتعالج إلا برجل يقودها للمشفى ، والمرأة التي لا تستطيع أن تملك شريحة جوال إلا بمعرّف رجل ، والمرأة التي تتساوى مع المقيم غير المواطن في حاجتها لكفيل يكفل لها حق التجارة والبيع والشراء ، كل ذلك يدل على أنها مواطنة من الدرجة الثانية.. وكل هذا يبني وينتج نساء غير قادرات على تحمل المسؤولية، ولا يمتلكن القدرة على الإنتاج الإيجابي عندما يتواجدن في مناصب أو يحصلن على فرصة وظيفية لأنهن مهزوزات من الداخل غير واثقات من أنفسهن ومن قدراتهن على العمل والإبداع.
- المرأة عدوة المرأة بين المشروع والممنوع
المرأة عدوة المرأة بين المشروع والممنوع
لكنه كرهٌ قائمٌ أيضاً في واقع مجتمعاتنا حيث تسود القاعدة الذهبية: "حتمية" زواج الرجل من امرأة تصغره سناً. هكذا، فإن طبيعة الهرم السكاني (هناك عدد أكبر من الأصغر سناً، وعدد أقل من الأكبر سناً) لا تتيح للنساء خيارات متكافئة مع خيارات الرجل، وتُطلق- مبدئياً وموضوعياً - التنافس على "الموارد البشرية"/ الرجال الأقل عدداً. هو التنافس الذي يغذّي الكره ليستوي صفة ملازمة، موضوعياً، للمتنافِسات على الرجال النادرين عدداً قبل أن يكونوا نادرين كفاءةً! التحليل النفسي جاهزٌ أبداً لتأويل عميق لكل ما هو "غير منطقي" و"لا عقلاني" في عداء النساء بعضهن للبعض الآخر. المرأة عدوة المرأة عورة. فهذا العداء يجد أصوله لدى فرويد، مثلاً، في كره الفتاة الصغيرة جنسَ الإناث غير المزوّدات آلة فخمة شبيهة بآلة الذكور، لذا فهن كائنات دونيات يستحققن الازدراء والكره. هو كره الفتاة الصغيرة لذاتها الناقصة، أساساً، لكنها أسقطته (بشكل لا واعٍ، طبعاً) على أشباهها من الإناث في الصغر (والنساء في الكبر) في الخارج رفقاً بتلك الذات واقتصاداً في شحنة المشاعر السلبية المرافقة لذلك الكره للذات. هو كره تستمر وطأته ثقيلة على مشاعر الإناث حتى في حيواتهن الراشدة. لكنها حيوات "راشدة" لمن تبقى من النساء مسجونة نسبياً، في طفولتها.
هما منطلقان- من منطلقات أخرى؟- لفهم مقولة "عداء المرأة للمرأة"؛ والاثنان ينطويان على سعي لجعل هذا العداء موضوعاً واقعياً وفي نطاق السيطرة والمعالجة، لا حقيقة ذات أصول ثابتة تعصى على المواجهة والتعديل. * باحثة في شؤون المرأة والجندر