اما وضعهم النفسي والمعيشي،فعندما تسألهم هل يضايقكم أحد بالدار؟
جميعهم ينظرون حولهم قبل الإجابة ليرى إن كان أحد من الممرضين أو الموظفين بالدار حوله ويقولون الحمدالله، وبعضهم يجيب ليش في محل تاني بيستقبلنا بعد ما الكل تخلّى عنّا كل ما بقي لنا في هذه الحياة أيام؟! أحد الممرضين أخذ إحدى العجائز بينما كانت إحدى المتطوعات تطعم سيدة عاجزة مشلولة اليدين والحجة أن الوقت انتهى! ماذا تفعلون بالنهار كيف تمضون وقتكم؟! في الغرفة معظم النهار نجلس متأملين أن يأتي أحد إلى زيارتنا او ننظر من الشبابيك لنرى بشرا يتجوّلون، واحياناً ننزل الى الباحة! معظمهم كانوا يضعون ما تبقى من طعام في أكياس صغيرة كي يتسحروا،كانوا يأكلون الطعام بطريقة تدل على اشتياقهم للطعام الشهي وبكميات غير محدودة! السلام عليكم انتم السابقون و نحن اللاحقون - بيوتي. أحدهم مضى على وجوده بالدار أكثر من ثلاثين سنة وكان قبلها بدار الايتام! إحداهن لم يزرها أقاربها منذ أكثر من سبع سنوات! كل من في الدار شبّه علينا لأحد أقاربه أو جيرانهم وبدأوا يسألون عن الحياة خارج اسوار الدار. يوجد في الدار فتاة عمرها لا يتجاوز الثلاثين عندما سألناها لماذا أنت هنا؟
"أنا كنت بدار الايتام لكنهم حولوني إلى هنا يقولون أنني مجنونة، ولكنني لست مجنونة هم يقتلونني هنا على البطيء بين المسنين أريد الخروج من هنا أريد أنا أعيش لا أريد أن أبقى هنا وانتظر الموت! "
- هم السابقون ونحن اللاحقون.. - YouTube
- السلام عليكم انتم السابقون و نحن اللاحقون - بيوتي
هم السابقون ونحن اللاحقون.. - Youtube
أظن أن سنة 2020 كانت سنة فريدة من نوعها، سنة عجيبة و متنوعة على مجموعة من الأصعدة، بدءًا بالحرائق التي اندلعت في استراليا و امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر بالإضافة إلى وفاة الأسطورة كوبي برانيت رفقة ابنته في حادث تحطم طائرة ثم الزلزال القوي الذي ضرب تركيا و أخيرًا و ليس آخرًا الانفجار المهول الذي حدث في بيروت وخلف عشرات القتلى و آلاف الجرحى و صولًا إلى انتشار فيروس كوفيد 19 الذي اجتاح العالم وخلف وراءه آلاف الوفيات ومازال يحصي ملايين الإصابات لحدود الساعة. هذه السنة مميزة لا تنساها الذاكرة، لها وقع خاص بالنسبة إلي سنة ذاعت فيها رائحة الموت قريبًا منا أكثر من مرة ليس بسبب فيروس كورونا فقط، وإنما أيضا بسبب تفشي ظاهرة الموت المفاجئ الذي خطف منا من غير إنذار و لا إخطار أحبابًا وأصدقاءً و معارفًا نكن لهم كل الاحترام و الحب و التقدير. بكل صراحة أنا لا أهاب الموت، لأنني أعتبر الموت حق وقدر لا مراد له مصداقًا لقوله تعالى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور}ِ
لكن ما يخيفني هو أن استيقظ يومًا فأجدني فاقدة لأحد أفراد أسرتي القريبة، صحيح أن الموت حقيقة لا نقاش فيها وأن الساعة آتية لا ريب فيها لكن للفراق ألمه ووجعه الخاص، ليس صعبًا استيعاب حقيقة الموت بقدر ما هو صعب استيعاب فكرة أن ذلك الشخص ذهب بلا رجعة وأنه بات من المستحيل رؤيته مستقبلًا.
السلام عليكم انتم السابقون و نحن اللاحقون - بيوتي
اعراب أنتم السابقون ونحن اللاحقون
كل نفس ذائقة الموت..
ذلك هو الدستور الرباني الذي فرض على كل البشر منذ بدء الخليقة..
وها هي الاخت [نسيم البحر] تفارقنا الى الدار الاخرة في بغتة من الزمن تاركاً خلفها قلوباً حزينة ومهجاً متالمة لدى اهلها ومحبيها..
فاجعة رحيل الاخت [نسيم البحر] كبيرة لا توصف..
ولكن ما يزيد الفاجعة هو ان مشيئة الله عز وجل كانت ان ترحل ونحن نعيش..! اللهم ان كنت مخطئاً في حق الراحلة فاغفر لي واعني على التكفير عن زلتي..
واللهم ان كان رحمها الله مخطئاً في حقي فحلله مما لي عليها..
اللهم ثبتها عند السؤال..
وتقبل حسناتها واغفر سيئاتها..
اللهم وبارك في اهلها.. وثبت قلوبهم..
اللهم ارحمنا يوم نصير الى ما صارت اليه..
ولنا العبرة في مشيئة الله.. فكلنا على هذا الدرب سائرون.. فكل نفس ذائقة الموت.. ولو تذكرنا هذه الحقيقة على الدوام وجعلناها نصب اعيننا فلربما فكرنا الف مرة قبل ان نختلف ونتصادم من اجل خير زائل لا ناخذ منه معنا الى قبرنا شيئاً..
رحمكي الله اختي [نسيم البحر]..! ملحق #1 2012/09/27 والله يا افنان حتى انا مثلك..! شكرا للجميع و تقبل الله منا و منك صالح الدعوات لها و لجميع المسلمين..