وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية عطف على جملة كذبت ثمود وعاد بالقارعة. وقد جمع في الذكر هنا عدة أمم تقدمت قبل بعثة موسى - عليه السلام - إجمالا وتصريحا ، وخص منهم بالتصريح قوم فرعون والمؤتفكات لأنهم من أشهر الأمم ذكرا عند أهل الكتاب المختلطين بالعرب والنازلين بجوارهم ، فمن العرب من يبلغه بعض الخبر عن قصتهم. وفي عطف هؤلاء على ثمود وعاد في سياق ذكر التكذيب بالقارعة إيماء إلى أنهم تشابهوا في التكذيب بالقارعة كما تشابهوا في المجيء بالخاطئة وعصيان رسل ربهم فحصل في الكلام احتباك. والمراد بفرعون فرعون الذي أرسل إليه موسى - عليه السلام - وهو منفطاح الثاني. وإنما أسند الخطء إليه ؛ لأن موسى أرسل إليه ليطلق بني إسرائيل من العبودية قال تعالى اذهب إلى فرعون إنه طغى فهو المؤاخذ بهذا العصيان وتبعه القبط امتثالا لأمره وكذبوا موسى وأعرضوا عن دعوته. [ ص: 121] وشمل قوله ومن قبله أمما كثيرة منها قوم نوح وقوم إبراهيم. وإذا بطشتم بطشتم جبارين - سعيد عبد العظيم - طريق الإسلام. وقرأ الجمهور ومن قبله بفتح القاف وسكون الباء. وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسر القاف وفتح الباء ، أي ومن كان من جهته ، أي قومه وأتباعه. والمؤتفكات: قرى قوم لوط الثلاث ، وأريد بالمؤتفكات سكانها وهم قوم لوط وخصوا بالذكر لشهرة جريمتهم ولكونهم كانوا مشهورين عند العرب إذ كانت قراهم في طريقهم إلى الشام ، قال تعالى وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون وقال ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها.
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) قوله تعالى: وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة قوله تعالى: وجاء فرعون ومن قبله قرأ أبو عمرو والكسائي " ومن قبله " بكسر القاف وفتح الباء; أي ومن معه وتبعه من جنوده. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتبارا بقراءة عبد الله وأبي " ومن معه ". وقرأ أبو موسى الأشعري " ومن تلقاءه ". الباقون قبله بفتح القاف وسكون الباء; أي ومن تقدمه من القرون الخالية والأمم الماضية. والمؤتفكات أي أهل قرى لوط. وقراءة العامة بالألف. وقرأ الحسن والجحدري " والمؤتفكة " على التوحيد. قال قتادة: إنما سميت قرى قوم لوط " مؤتفكات " لأنها ائتفكت بهم ، أي انقلبت. وذكر الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: خمس قريات: صبعة وصعرة وعمرة ودوما وسدوم وهي القرية العظمى. " بالخاطئة " أي بالفعلة الخاطئة وهي المعصية والكفر. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الحاقة - الآية 9. وقال مجاهد: بالخطايا التي كانوا يفعلونها. وقال الجرجاني: أي بالخطأ العظيم; فالخاطئة مصدر.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القصص - الآية 43
وقوله: ( فأخذهم أخذة رابية) يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة ، يعني أخذة زائدة شديدة نامية ، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا; يقال: أربيت فربا رباك ، والفضة والذهب قد ربوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. [ ص: 577]
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أخذة رابية) قال: شديدة. حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثنى عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( فأخذهم أخذة رابية): يعني أخذة شديدة. Altafsir.com -تفسير ايآت القرآن الكريم (1-1-9-69). حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد في قول الله: ( فأخذهم أخذة رابية) قال: كما يكون في الخير رابية ، كذلك يكون في الشر رابية ، قال: ربا عليهم: زاد عليهم ، وقرأ قول الله عز وجل: ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب) وقرأ قول الله عز وجل: ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) يقول: ربا لهؤلاء الخير ولهؤلاء الشر. وقوله: ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حده المعروف ، كان له ، وذلك زمن الطوفان.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الحاقة - الآية 9
وقد روي في غاية المرام، من طرق الفريقين ستة عشر حديثا في ذلك وقال في البرهان إن محمد بن العباس روى فيه ثلاثين حديثا من طرق العامة والخاصة.
وإذا بطشتم بطشتم جبارين - سعيد عبد العظيم - طريق الإسلام
والخاطِئَةِ: إمّا مَصْدَرٌ بِوَزْنِ فاعِلَةٍ وهاؤُهُ هاءُ المَرَّةِ الواحِدَةِ فَلَمّا اسْتُعْمِلَ مَصْدَرًا قَطَعَ النَّظَرَ عَنِ المَرَّةِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ (الحاقَّةُ) فَهو مَصْدَرٌ خَطِئَ، إذا أذْنَبَ. والذَّنْبُ: الخِطْءُ بِكَسْرِ الخاءِ، وأمّا اسْمُ فاعِلٍ خَطِئَ وتَأْنِيثُهُ بِتَأْوِيلِ: الفَعِلَةِ ذاتِ الخِطْءِ فَهاؤُهُ هاءُ تَأْنِيثٍ. والتَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ عَلى كِلا الوَجْهَيْنِ، فالمَعْنى: جاءَ كُلٌّ مِنهم بِالذَّنْبِ المُسْتَحَقِّ لِلْعِقابِ. وفُرِّعَ عَنْهُ تَفْصِيلُ ذَنْبِهِمُ المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالخاطِئَةِ فَقالَ ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ وهَذا التَّفْرِيعُ لِلتَّفْصِيلِ نَظِيرُ التَّفْرِيعِ في قَوْلِهِ ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وقالُوا مَجْنُونٌ وازْدُجِرَ﴾ [القمر: ٩] في أنَّهُ تَفْرِيعُ بَيانٍ عَلى المُبَيَّنِ. وضَمِيرُ عَصَوْا يَجُوزُ أنْ يَرْجِعَ إلى فِرْعَوْنَ بِاعْتِبارِهِ رَأْسَ قَوْمِهِ، فالضَّمِيرُ عائِدٌ إلَيْهِ وإلى قَوْمِهِ، والقَرِينَةُ ظاهِرَةٌ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ، وأمّا عَلى قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو والكِسائِيِّ فالأمْرُ أظْهَرُ وعَلى هَذا الاعْتِبارِ في مَحَلِّ ضَمِيرِ (عَصَوْا) يَكُونُ المُرادُ بِ ﴿رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ): يعني المكذّبين. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَالْمُؤْتَفِكَاتُ) هم قوم لوط، ائتفكت بهم أرضُهم. وبما قلنا في قوله: ( بِالْخَاطِئَةِ) قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( بِالْخَاطِئَةِ) قال: الخطايا.
وقوله: ( وتعيها أذن واعية) يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. [ ص: 579]
حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( وتعيها أذن واعية) يقول: حافظة. حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وتعيها أذن واعية) يقول: سامعة ، وذلك الإعلان. حدثنا نصر بن علي ، قال: ثنا أبي ، قال: ثنا خالد بن قيس ، عن قتادة ( وتعيها أذن واعية) قال: أذن عقلت عن الله. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( وتعيها أذن واعية): أذن عقلت عن الله ، فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( أذن واعية) قال: أذن سمعت ، وعقلت ما سمعت. حدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد ، قال: الضحاك يقول في قوله: ( وتعيها أذن واعية): سمعتها أذن ووعت. حدثنا علي بن سهل ، قال: ثنا الوليد بن مسلم ، عن علي بن حوشب ، قال: سمعت مكحولا يقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وتعيها أذن واعية) ثم التفت إلى علي ، فقال: "سألت الله أن يجعلها أذنك" قال علي رضي الله عنه: فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسيته.