انتهى. وذهب العلامة ابن عاشور إلى وجه آخر في الإنسان، ففسره بالكافر، وفسر الكبد بما هو فيه من العناء بسبب التكذيب بالحق. قال -رحمه الله-: فَالَّذِي يَلْتَئِمُ مَعَ السِّيَاقِ وَيُنَاسِبُ الْقَسَمَ، أَنَّ الْكَبَدَ التَّعَبُ الَّذِي يُلَازِمُ أَصْحَابَ الشِّرْكِ مِنِ اعْتِقَادِهِمْ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ. وَاضْطِرَابُ رَأْيِهِمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ادِّعَاءِ الشُّرَكَاءِ لِلَّهِ -تَعَالَى- وَبَيْنَ تَوَجُّهِهِمْ إِلَى اللَّهِ بِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَبِطَلَبِ النَّجَاةِ إِذَا أَصَابَهُمْ ضُرٌّ. وَمِنْ إِحَالَتِهِمُ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ. فَقَوْلُهُ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ. [ليس] دَلِيلا مَقْصُودا وَحْدَهُ، بَلْ هُوَ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ... اهـ. خلق الانسان في كبد تفسير ابن كثير. وبكل حال فالإشكال مندفع بحمد الله، وحسبك أن تؤمن إذا أشكل عليك في حكمة الله -تعالى- شيء، بأنه -تعالى- لا يسأل عما يفعل، وذلك لكمال حكمته وعدله، جل ربنا وتقدس. والله أعلم.
لقد خلقنا الإنسان في كبد
أي خلقنا الإنسان في دنيا مليئة بالكرب والابتلاءات، وفي حقيقة الأمر فان الابتلاء في حد ذاته خير من الله. فإن الإنسان يبتلي تطهيراً لذنوبه في الدنيا تحديدا. بدلاً من أن يلاقي الله بها في الآخرة ويعذب بها، ويلقى بها في نار جهنم. أو في بعض الأحيان يجعل الله للعبد مكانة ً في الجنة، ولكن لا يصل العبد بعمله لها. ولقد خلقنا الإنسان في كبد للشعراوي - مقال. فعندها يبتليه الله، ويرزقه الصبر الجميل؛ حتى يبلغ ما كتبه الله له من مكانةً في الجنة. بصبره على الابتلاء واحتسابه لوجه الله سبحانه. يقول الله في هذا الشأن:
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). قد يهمك: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي
في نهاية مقالنا الذي تناولنا فيه شرح آية (ولقد خلقنا الانسان في كبد) للشعراوي، وكذلك تناولنا لما حفت الجنة بالمكاره، وأيضاً سيدنا محمد الأسوة الحسنة لنا في تكبد المشاق والعناء، وكذلك تناولنا إجابة سؤال نحن عباد الله فلما يبتلينا. نرجو أن نكون قد قدمنا لكم محتوى مفيد وهادف، ونتمنى منكم نشر المقال على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتعم الفائدة.
ولقد خلقنا الإنسان في كبد للشعراوي - مقال
واستلزمت العبودية تحمل المشاق و مجاهدة النفس والهوى. وكل هذا أمرنا به الله وذلك؛ لإقامة المجتمع الإسلامي الصحيح. ولو شاء الله لجعل السبيل إلى إقامة المجتمع الإسلامي بعد الإيمان به سهلاً. ولو كان سهلاً ً فما الذي يدل على عبودية العبد لربه؟
وعلى أنه باع حياته وماله لله عز وجل؟
تابع نحن عباد الله فلما يبتلينا
وأن كل حركاته، وسكونه، وأهوائه، منقادة إلى ما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وعلى ذلك فيتشابه المؤمن، والمنافق، والصادق، والكاذب، فلا يتمحص أيهم عن الآخر. فلو تركت العبودية للسان فقط لأستوى الصادق، والكاذب، ومن هنا كانت الفتن والبلاءات هما الميزان الذي يميز المؤمن من المنافق. وصدق الله رب العالمين في محكم آياته إذ يقول رب العزة تبارك وتعالى:
(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (العنكبوت ١-٣). وقال سبحانه:
(أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) آل عمران ١٤٢. لقد خلقنا الإنسان في كبد. هذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، حتى مع أنبيائه، ومن أجل ذلك؛ أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خلق الإنسان في كبد - أبو حيان الأندلسي - الديوان
يتكبد الإنسان في بداية حياته التعليمية معاناة أداء الواجبات المدرسية، كما يتوجب عليه استذكار الدروس حتى يكمل السنة الدراسية، ويصل إلى السنة أو المرحلة التي تليها، حتى يصبح لديه هدف وحلم يسعى لتحقيقه من خلال التعليم. خلق الإنسان في كبد - أبو حيان الأندلسي - الديوان. وأثناء فترة الدراسة يتحمل الإنسان عناء السهر والاستذكار والامتحانات، وقلق وتوتر انتظار النتائج، وبمرور الأيام تتأكد الآية "لقد خلقنا الانسان في كبد " ، حيث يشعر بالألم عندما لا يستطيع أن يتحقق أمله في الوصول إلى المركز العلمي الذي يتمناه. مرحلة العمل
ومع اقتراب انتهاء المرحلة الدراسية، يشعر الإنسان أن صعوبات الحياة قد انتهت، ولا يدري أن كل مرحلة في الحياة سوف يواجه فيها تحديات وصعوبات أكبر من التي قبلها، حيث يتكبد بعد الدراسة مهمة البحث عن العمل، ومشقة التدريب واختبارات التقدم للوظيفة. يتحمل الموظف الشاب تكبد عناء أحقاد الزملاء المنافسين في العمل، وهموم الحفاظ على الوظيفة، كما بتحمل عناء ظلم المديرين، وبعد أن يبدأ في التأقلم في وظيفته، يبدأ رحلة السعي والبحث عن زوجة، ومهمة الاستقرار وإنشاء أسرة، ويتحمل مسؤولية الأسرة. ومع توالي المسؤوليات على الإنسان، يتأكد قوله تعالى لقد خلقنا الانسان في كبد أكثر فأكثر، مع بداية مسؤولية تربية الأبناء وتوجيههم، ويعاني المعاناة التي كان يعانيها والديه من أجل تربيته وتقويمه، كما يتكبد عناء المشاكل الأسرية، إلى أن يصل إلى مرحلة الضعف والكهولة.
والفطرة الإيمانية توجه الإنسان نحو بارئه تعلو به للسمو والرفعة، يهفو بها بنظره للسماء يبحث عن آثار مبدعه ويرنو بهذه الفطرة الصافية للتعرف على خالقه، وهي نفسها مبعث كل خير وصدق وأمانة وإحسان بالنفس الإنسانية، إنها وميض كامن خفي في أعماق النفس يشع دائمًا بنور الإيمان ، إنها الحصن المتين الذي تصطدم به دوافع الشر، وهي قوة تقاوم بها النفس الهوى، بهذه الفطرة يتصل الإنسان بعالم البقاء وسر الوجود الدائم، بها تميز الإنسان وبها اختصه الله، بها يعلو على نفسه ويعلو على عقله بروحه، فلا يرى غير الفضيلة مبدأ، ولا يختار غير الخير بديلا. إن الفطرة الإيمانية تؤكد أن الإنسان طيب الأصل نقي السجية سليم الفطرة قويم الكينونة، إنها أصل الصفات الطيبة وهي الأصل في السلوك السوي، أما صفات الشر والهبوط التي قد تطفو على صفحة النفس وتطبع الإنسان أحيانًا وتغاير حقيقته وتشوه فطرته الطيبة، فهي طارئة تلازمه في لحظات ضعفه وغفلته ونسيانه وانقياده، وظهورها يؤكد وهن وضعف قواعد الفطرة الإيمانية وانحراف الطبيعة السوية. وفطرة الإيمان صفة مشتركة بين جميع البشر يحس بها كل فرد في لحظات سكينته مع نفسه، بها تأهل الإنسان ليكون خليفة لله في الأرض، وبها نال كمال التشريف وأعطي بسببها القدرة على الارتقاء في حب الله وعبادته، فالارتقاء يكون في أعظم معانيه كلما اتصل بمصدر تلك النفخة الإلهية الطاهرة واستمد منها نور الهداية والصلاح، ويهبط الإنسان إلى حضيض مراتب الارتقاء حين يبتعد عن مصدر النفخة.
تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1443 هـ - 5-12-2021 م
التقييم:
رقم الفتوى: 451483
12741
0
السؤال
أريد أن أفهم بعض الأشياء في القرآن، وأنا لا أقول بالطبع إن هناك تناقضا، فقط أريد أن أفهم. في سورة البلد يقول الله عز وجل: لقد خلقنا الإنسان في كبد. ولكن من المعروف أن الله رحيم بالإنسان. أريد أن أفهم من فضلكم. الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ {البلد:4}. فقيل معناه في استواء خلق وانتصاب قامة، فهو كقوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ {التين:4}، وقيل معناه في قوة وشدة من الخلق فهو كقوله: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ {الإنسان:28}. وقيل معناه: خلقناه في تعب ومكابدة للأمور. وفي معناه أقوال أخرى. قال ابن الجوزي: قوله عزّ وجلّ: فِي كَبَدٍ، فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: في نَصَبٍ، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، وأنهم قالوا: في شدة. قال الحسن: يكابد الشكر على السّرّاء والصبر على الضّرّاء، ولا يخلو من أحدهما، ويكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة.