عن عدي بن عميرة قال: سمعت رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم يقول: «إن اللّه عزَّ وجلَّ لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب اللّه الخاصة والعامة» [رواه أحمد] قال ابن كثير: لم يخرجه في الكتب الستة أحد وفيه رجل متهم. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}: قال الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن اللّه أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم»، وقال حذيفة رضي اللّه عنه: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم فيصير منافقا، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتحاضُنَّ على الخير، أو ليسحتكم اللّه جميعا بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. حديث آخر: قال الأمام أحمد أيضا عن عامر رضي اللّه عنه قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول – وأومأ بأصبعيه إلى أذنيه – يقول: مثل القائم على حدود اللّه والواقع فيها والمدهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا!
- القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الأنفال - الآية 25
- واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الأنفال - الآية 25
الداء الأول:
استبعاد الناس لحكم الله تعالى الذي أنزله لعباده ليضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة واستبدالهم له بأحكام بشرية ما أنزل الله تعالى بها من سلطان. والدواء:
الرجوع إلى حكم الله تعالى حكاماً ومحكومين وتطبيقه تطبيقاً صحيحاً كما طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، قال تعالى: { إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40]، وقال تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]. الداء الثاني:
التنافس الشديد على أمر الدنيا وبذل الغالي والنفيس من أجلها حتى تكاد تهلك الناس، الأمر الذي قد يؤدي إلى هلاك المجتمع بأسره كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أبشروا، وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم » [رواه البخاري (3158) ومسلم (2961)]. والدواء:
ترك التنافس على الدنيا ولنجعل تنافسنا على الآخرة، قال تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26].
هناك نصوص كثيرة تدعو إلى النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صحيح أن هناك منها ما له علاقة بالحاكم، ولكن لا بد من فهمها فهما صحيحا، فقوله عليه الصلاة والسلام: "إنه يُستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم؛ ولكن من رضي وتابع! قالوا: يا رَسُول اللَّهِ ألا نقاتلهم قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة"، فالنص لا يمنع من النصح والتوجيه ونقد المنهج الخاطئ. ومن هذه النصوص قوله عليه الصلاة والسلام: "لا إله إلا اللَّه! ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلّق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها. فقيل: يا رَسُول اللَّهِ أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث"، وقوله: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن اللَّه أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم"، وقوله: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، وقوله: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق اللَّه ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب اللَّه قلوب بعضهم ببعض"، وقوله: "لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن اللَّه بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم"، يعني بني إسرائيل.
{ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45]
هكذا لخصت الآية الكريمة الأمر ببساطة ووضوح؛ بالقرآن؛ بكلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ كثيرًا ما يكون مفتاح شخصية الإنسان وسبيل تغييره - فقط - في التذكير بالقرآن؛ القرآن وحسب. دون وسيط أو إضافة أو تكلف أو كثير من كلام البلغاء ونظم الفصحاء الذي ربما تكون له مواطن أخرى ولا نقلل منها ولا من أثرها لكنها لن ترقى أبدا لذلك العلاج الرباني؛ القرآن. رغم ذلك فإن قليلًا من الناس من ينتبه وقليلًا من يدرك هذه الحقيقة البسيطة النقية.. حقيقة كونك في لحظة ما تحتاج إلى أن يُخلَّى بينك وبين كلام ربك مباشرة.. يخاطب قلبك ويمس فؤادك وتهفو إليه روحك؛ لكن هذا لا يحدث لكل من يقرأ القرآن بل كثيرا ما يشتكي القاريء من عدم التأثر ويجد جدرانا تحول بينه وبين آيات ربه إن حدوث التذكرة والتأثر بالقرآن يستلزم وجود قلب حي يتأثر بالموعظة القرآنية وتهز أركانه تلك المعاني المبهرة المبثوثة من خلال الوحي الكريم. واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب} [ق:37]
هكذا قالها الله واضحة جلية؛ من كان له قلب؛ هذا هو من يتذكر؛ قلب سليم؛ قلب يخشى الله ويتقيه؛ قلب يخاف الوعيد؛ لكن هذا القلب السليم ليس متوفرا بشكل دائم.. بل هو في الحقيقة من الندرة بمكان!!
واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[ الأعراف:97-98]. وعلينا أن نعيش في قلق دائم خاصة بانتشار الفاسدين وكثرة العاصين فهذا قرب عذاب من الله تعالى إلا أن يرحمنا الله عز وجل فهو القائل سبحانه: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء:16]. وأخيرًا علينا أن نعود لله تعالى فهو القائل سبحانه وتعالى: { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[ الإسراء من الآية:59]. فهذه آيات يرسلها الله لنا باستمرار لنتذكر ونتوب ونعود لرشدنا لننجوا من عذاب الله تعالى. وإياك إياك من الغفلة قال تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[ مريم:39]. وهو القائل سبحانه وتعالى: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد من الآية:31]. فعلينا أن نعود سريعًا لله تعالى فهو الناصح لنا فهو القائل وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ.
أى: نحن- أيها الرسول الكريم- أعلم بما يقوله هؤلاء المشركون في شأنك وفي شأن دعوتك، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقونه من عقاب، فاصبر على أقوالهم، وبلغ رسالة ربك دون أن تخشى أحدا سواه. وأنت لست بمسلط عليهم لتجبرهم على اتباعك، وتقهرهم على الدخول في الإسلام، وإنما وظيفتك التذكير بهذا القرآن لمن يخشى عذابي، ويخاف وعيدي. كما قال- سبحانه-: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ. وكما قال- تعالى-: وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ. وبعد فهذا تفسير محرر لسورة «ق» التي حفظها بعض الصحابة من فم النبي صلّى الله عليه وسلّم خلال تكراره لها في خطب الجمعة. نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وأنس نفوسنا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قوله تعالى: نحن أعلم بما يقولون أي من تكذيبك وشتمك. وما أنت عليهم بجبار أي بمسلط تجبرهم على الإسلام; فتكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال. والجبار من الجبرية والتسلط إذ لا يقال جبار بمعنى مجبر ، كما لا يقال خراج بمعنى مخرج; حكاه القشيري. النحاس: وقيل معنى " جبار " لست تجبرهم ، وهو خطأ لأنه لا يكون فعال من أفعل.