عباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا. والجاهل: هو السَّفيه الذي لا يزن الكلام، ولا يضع الكلمة في موضعها، ولا يدرك مقاييس الأمور. فعباد الرحمن لا يلتفتون إلى جهل الجهلاء، وسفه السفهاء، ويترفعون عن الرد عن كل سب وشتم واستهزاء، إنما هم أكرم وأرفع: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]. عبد الله، إذا خاطبك الجاهل، فحذارِ أن تكون مثله في الردِّ عليه، فتَسْفَه عليه كما سَفِهَ عليك، بل قرِّعه بأدب وقُلْ: ﴿ سَلاَمًا ﴾ [الفرقان: 63]؛ لتُشعِره بالفرق بينكما. الباحث القرآني. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ [القصص: 55]. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي قال: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلقٍ حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء»؛ [الترمذي وابن حبان في صحيحه]. وحُسْن الكلام مع الأعداء يُطفئ خصومتهم ويكسر شوكتهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].
- وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض
وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض
عباد الله، أخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له؟». وروى أبو داود والترمذي والحاكم عن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول: «أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة، فكُن». رسالة في آية.. صفات عباد الرحمن - بوابة الأهرام. عباد الرحمن هم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا، إنهم عباد الرحمن: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: 17]. عباد الله، شتان بين من يقضي الليل في طاعة الله، وبين من يقضيه في معصية الله. شتان بين من يسهر في لهوٍ وعبث حتى قُرب الفجر، فإذا قرب الفجر نام، وبين من يقضي الليل صلاةً واستغفارًا وتسبيحًا ونومًا على ذكر الله. عبادُ الرحمن:
إذا ما الليل أظلم كابدوه
فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا
وأهل الأمن في الدنيا هجوع
قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غُرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قيل: هي لمن يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام»؛ حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي «1616».
يقولون: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زال زال تقلعاً ويخطو تكفؤاً، والتكفؤ: هو الإسراع، وكأنه يندفع إلى الأمام صلوات الله وسلامه عليه، قال: ويمشي هوناً، أي: ليس في مشيته صفة الكبر، أو التعاظم على الخلق، ولكن يمشي في تؤدة صلوات الله وسلامه عليه، فالتؤدة والطمأنينة لا تنافي الإسراع في المشي، ثم قال: ذريع المشية: أي أن خطوته صلى الله عليه وسلم واسعة، فهو لا يمشي مشية الشيخ الكبير الضعيف، ولكن مشيته مشية القوي صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال: كأنما ينحط من صبب، أي: أن مشية النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض، كمشية النازل من فوق جبل، أو من مكان عالٍ. وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يسرع في المشي جبلاً لا تكلفاً أيضاً. وعباد الرحمن الذين يمشون تفسير. وهناك فرق بين إنسان طريقته في المشي الإسراع حين يقضي حوائجه، وبين إنسان يتكلف ذلك، إذ الناظر إلى من يتكلف الإسراع يراه كأنه يجري جرياً، والجري يدل على أنه تكلف لا خلقة، وقد كانت هيئة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي هيئة فيها سكون وطمأنينة مع إسراع في قضاء حوائجه صلوات الله وسلامه عليه. قال العلماء في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63]: إنما يمشي هوناً العالم بالله سبحانه، الخائف منه سبحانه، العارف بأحكامه، يخشى عذابه وعقوبته.