بن رضوان غاليري | Linktree
تسجيل الدخول إلى حسابك
في أحاديث سابقة لولي العهد السعودي ذكر عام 1979 الذي انفجرت فيه ثلاثة أحداثٍ شغلت المسلمين والعالم خلال أربعة عقود: اقتحام جهيمان للبيت الحرام، والثورة الدينية الإيرانية، والتدخل السوفياتي في أفغانستان وبروز ظاهرة المجاهدين. وطوال العقود اللاحقة تفاقم الثوران الديني لدى السُنة والشيعة، فعصف باستقرار المجتمعات والدول، ونشر العنف في ديار المسلمين وفي العالم، وتسبب في تصاعد موجات الإسلاموفوبيا على مدى العالم أيضاً. تسجيل الدخول إلى حسابك. وبعد نضالٍ طويلٍ بالأمن والعسكر والفكر، أمكن كسر حلقات العنف التخريبي هذه، من دون أن يعني ذلك خمود الظواهر أو اضمحلالها. ولذلك جاءت خطط ولي العهد السعودي في مسارين: مسار سياسات الدولة في التنمية الشاملة من خلال مشروع 20 - 30 لتجديد تجربة الدولة الوطنية وشرعيتها واستعادة جمهورها - ومسار التجديد الفكري والديني الجذري، بما يُزيل القتام عن وجه الإسلام، ويصحح علائق الدين بالمجتمعات والعالم المعاصر. ما كان الإصلاح بالاجتهاد كافياً إذن لاستعادة الانسجام بين الدين والدولة، ولا كان كافياً لبعث السلامة في علاقة المسلمين بدينهم. فالدين رسالةٌ ومتلقّون، وعملياتٌ زاخرةٌ للتحاور والتعايش بين هذين القطبين: الدين العريق، والجمهور العائش وسط الأزمنة الحديثة.
بن رضوان غاليري, Dubai (00971509428999)
الحرب أفقدتنا قدسية كل شيء، فأصبحنا كلنا يهوذا وكلنا بطرس وكلنا توما وكلنا المسيح أيضاً، لكن لا قوتَ لنا في هذا الجحيم المستمر والمُسْتَعِر. خسرنا الإيمان والأمان، والحب والرغبة، وحقوقنا مسلوبة رغماً عنّا نقرأ عنوان "العشاء السري" على عمل يعلو طاولةً خشبيةً، توضَّعت فوقها حمائم بيضاء تحمل صحوناً معدنيةً، يُحرِّكها الهواء فتعلن فَراغَها من أي شيء. نسأل الفنان بيير حاماتي الذي صاغ هذا التجهيز: من هو المسيح هنا؟ وأين يهوذا الخوّان؟ ومَنْ مِنْ تلك الحمائم هي بطرس الذي سيكون الصخرة التي ستبنى عليه الكنيسة؟ وأين توما الشَّكَّاك؟ يُجيب: "الحرب أفقدتنا قدسية كل شيء، فأصبحنا كلنا يهوذا وكلنا بطرس وكلنا توما وكلنا المسيح أيضاً، لكن لا قوتَ لنا في هذا الجحيم المستمر والمُسْتَعِر. بن رضوان غاليري, Dubai (00971509428999). خسرنا الإيمان والأمان، والحب والرغبة، وحقوقنا مسلوبة رغماً عنّا، ولم يعد يحكمنا سوى الفراغ، ومع ذلك كان لا بد لنا من توثيق الحرب بالفن، فهو الأصدق والأكثر شفافيةً، والفن وحده القادر على ذلك من دون تشويه أو مواربة". وبالرغم من كل طموحاتك ورغبتك في الإنجاز والانطلاق نحو الأفق، إلا أن ثمة عجزاً ما يُكبِّلك، ويحدّ من كل أمنياتك.
الفخامة للعود
وهذا العجز، كما تراه الفنانة جلنار الصريخي، ناجم عن "الخوف والألم والتعب، نتيجة واقعنا المقلوب"، الذي جسدته بحمائم معلَّقة نحو الأسفل، لكن ما سعت إليه هو تجميل خوفها بالرغم من قباحته، لأنها تؤمن بأن وجود الخوف يدفعك للاستيقاظ أكثر، والتَّمعُّن في رؤيتك ورؤياك، وفي المغزى الكامن وراء ذاك الخوف. تقول الفنانة المتخرجة حديثاً من كلية الفنون الجميلة: "تساءلت كثيراً منذ بداية الورشة ورؤيتي لعنصر الحمامة، لماذا لم أرَ سوى هذا المشهد البصري بعقلي: الحمائم معلّقة بهذه الطريقة، والإضاءة عليها بهذا الأسلوب، وسألت نفسي ما الفكرة من هذا المشهد؟ ولماذا لا أراه سوى بهذه الطريقة؟ بعدها استنتجت أن الفن لا يرينا ما نحب أن نرى، بل ما نحنّ عليه من الداخل. الفخامة للعود. هذا المشهد يشبه كل واحد فينا، خائف وموجوع ومتعب، وعاجز بسبب خوفه". الحمام يحوم ويحوم. هل ستأتي علامة السلام إلى هذه المدينة الرمادية التي تفوح منها رائحة الألم؟ ربما إن قلبنا الصورة وصرنا ضمن الكشّة، سنعيش بطريقة مغايرة ونرى ماذا فعلنا بأنفسنا، وقد يكون ذلك سبيلنا إلى السلام مستقبلاً وطالما أن الواقع مقلوب، لماذا لا نعيش حرية "كشّة الحمام" التي كانت شاهدةً على ما تمَّ تدميره طوال اثني عشر عاماً من عمر الحرب؟ هذا ما قادنا إليه عمل الفنان مهند السريع، الذي ضمّ عشرات الحمائم، وفيه يتساءل: "الحمام يحوم ويحوم.
العالم الهندي شبلي النعماني تحدث في كتابه: علم الكلام الجديد (1902) عن اجتراح علم كلام آخر. إذ الحلّ ليس في إلغاء علم الكلام أو البحث الاعتقادي بسبب جموده وفشله، أي وقف التفكير في الدين؛ بل المخرج في التجديد التصوري للدين ووظائفه وعلائقه بالعالم وجمهور المسلمين. وهو الأمر الذي تابعه محمد إقبال في كتابه: تجديد التفكير الديني في الإسلام، في عشرينات القرن العشرين. إنّ المطلوب إذن هو التجديد وليس الإصلاح. فالإصلاح ما أوقف الثوران ولا حال دون الانشقاقات. والتجديد يقتضي براديغماً آخر يضع الدين والتدين في السياقات المعاصرة التي تقتضي نظراً جديداً في ماهية الدين ووظائفه وأساليب عمله وإعماله دون افتياتٍ ولا تعسفٍ أو تجاهُل. ما هي وظيفة أو وظائف علماء الدين ومؤسساته في التفكير الجديد؟ ولي العهد السعودي لاحظ أنّ الأصوليات والانشقاقات ما لقيت جواباً من (علماء الدين). إنما ما هي وظائف العلماء المعتادة؟ هي أربع: العمل على استمرار وحدة العقيدة والعبادة، والتعليم الديني، والفتوى، والإرشاد العام. وهذه المهام تبدأ اعتقاديةً ، وتنتهي إرشادية. وما كان هناك تفكير في العقديات بسبب النظر السلفي المعارض لذلك.
المفارقة أن يصنف رجال مثل الشيخ المصري «المجدد» محمد عبده والقاسمي رجالات إصلاح سلفي وبعضهم اتهم بالوهابية مثل القاسمي، لأن هؤلاء الأعلام كانوا ضد الخرافات الصوفية وعبادة الأضرحة ودروشة الأولياء، وأبدوا إعجابهم بالإصلاح الديني النجدي، وأمثاله في العالم الإسلامي، لكنهم في الوقت نفسه، تحديداً محمد عبده، يصنفون من رجال التجديد والعقلانية. الدكتور رضوان السيد، كان متحدثاً في (الندوة) وعبَّر صراحة عن الحاجة الماسة للتجديد، وضرب أمثلة بأنه في الماضي كان هناك رجال تجديد على قدر عالٍ من الجرأة، وفي صدمة من رضوان للتصورات النمطية، ضرب السيد المثل بعالمين من علماء الحنابلة، وهما ابن تيمية وقبله أبو الوفاء بن عقيل، والأخير لم ينصف كثيراً، وذكر رضوان برسالة نادرة لأبي الوفاء يرد بها على الشافعية الذين يرون أن السياسة هي الشرع، فقال أبو الوفاء بل السياسة هي تقدير السلطان، يعني الدولة! أو ما معناه. وضرب مثلاً آخر عن التجديد لا يقل جرأة، وهو مثل العالم الشافعي الكبير أبي المعالي الجويني، المشهور بإمام الحرمين، الذي جزم أن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، ومن العقائد موضوع ملاحم آخر الزمان وأشراط الساعة، ومنها حكاية المهدي المنتظر!