بسم الله الرحمن الرحيم
من الأدعية المأثور الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "متعنا
بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا, واجعله الوارث منا... " [
صحيح الجامع 1268]. فما معنى: "واجعله الوارث منا"؟
ــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: الضمير[الهاء] في اجعل للمصدر اجعل الجعل,
والوارث: هو المفعول الأول، ومنا:في محل المفعول الثاني, بمعنى
اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة عنا. أو الضمير للتمتع, ومعناه: اجعل تمتعنا بها باقياً عنا موروثاً لمن بعدنا
أو محفوظاً لنا ليوم الحاجة. وهو [أي الضمير]: المفعول الأول, والوارث: مفعول ثان,
ومنا: صلة أو الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده
وتذكيره وتأنيثه بتأويل المذكور ومعنى وراثتها: لزومها له عند موته لزوم
الوارث له. من "فصل الخطاب" مع قليل تصرف
ـــــــــــــــــــــــــــ
قال البغوي في " شرح السنة ":
قيل: أراد بالسمع: وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما
يرى، وقيل: يجوز أن يكون أراد بقاء السمع والبصر بعد الكبر وانحلال
القوى، فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى، والباقيين بعدها، ورد الهاء
إلى الامتاع، فلذلك وحده، فقال: " واجعله الوارث منا ".
- واجعله الوارث من و
- واجعله الوارث
- واجعله الوارث منازل
واجعله الوارث من و
قوله: ((متِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوَّتنا ما أحييْتنا))؛ أي: اجعلْنا متمتِّعين ومنتفعين بأسْماعِنا وأبصارِنا وقوَّتنا، أي: بأن نستعملها في طاعتِك. قال ابن الملك: التمتُّع بالسَّمع والبصَر إبْقاؤُهُما صحيحَين إلى الموت، وإنَّما خصَّ السَّمع والبصر بالتَّمتيع من الحواسّ؛ لأنَّ الدَّلائل الموصّلة إلى معرفة الله وتوْحيده إنَّما تحصل من طريقها؛ لأنَّ البراهين إنَّما تكون مأخوذة من الآيات القُرآنيَّة، وذلك بطريق السَّمع، أو من الآيات الكونيَّة في الآفاق والأنفُس بطريق البصَر، والإنسان إذا تمتَّع بهذه الحواسّ حصل على خيرٍ كثيرٍ، وإذا افتقدها فاته خيرٌ كثير، قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [ الملك: 23]. كان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو متمتِّع بقوَّته وعقله، فوثب يومًا وثبةً شديدة، فعوتب في ذلك، فقال: هذه جوارحُ حفِظْناها عن المعاصي في الصِّغَر، فحفِظها الله عليْنا في الكبر [3]. قوله: ((واجعله الوارث منَّا)) واجعله: أي المذْكور من الأسماع والأبصار والقوَّة، (الوارث)؛ أي: الباقي؛ بأن يبقى إلى الموْت.
واجعله الوارث
فكذلك جعل هذه القوة التي هي السمع والبصر، بمنـزلة الوارث. وقوى الإنسان كلها تضعف، ويبقى السمع والبصر محفوظاً كأنه يرث الإنسان أي: يبقى معه إلى آخر عمره، فقوله:{واجعله الوارث منا} أي: اجعلها بمنـزلة الوارث الذي يبقى بعد زوال غيره.
واجعله الوارث منازل
قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه، ومتِّعنا، ومعناه: اجعل تمتعنا بها باقيًا عنَّا مورُوثًا لمن بعدنا، أو محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة. وهو المفعول الأول، "والوارث" مفعول ثان، و"منَّا" صلة له. وقيل: الضمير لما سبق من الأسماع، والأبصار، والقوة، وإفراده، وتذكيره على تأويل المذكور، كما في قول رؤبة:
فِيهِ خُطوطٌ مِنْ سَوادٍ وبَلَقْ *** كأَنها فِي الجِسْمِ تَوْليعُ البَهَق
والمعني بوراثتها؛ لزومها له عند موته لزوم الوارث له]. وفي (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 5/ 1727): [(وَاجْعَلْهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ يَعْنِي اجْعَلْ مَا مُتِّعْنَا بِهِ، (الْوَارِثَ) أَيِ الْبَاقِيَ (مِنَّا) بِأَنْ يَبْقَى مَا مَتَّعْتَنَا بِهِ إِلَى الْمَوْتِ. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ الزَّمَخْشَرِيّ ُ: أَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ أَيِ اجْعَلِ الْجَعْلَ أَوْ جَعَلًا الْوَارِثَ مِنْ عَشِيرَتِنَا، فَمِنَّا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعَلَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ لِلْمَصْدَرِ أَيِ اجْعَلِ الْجَعْلَ، وَالْوَارِثُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَمِنَّا فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي؛ أَيِ اجْعَلِ الْوَارِثَ مِنْ نَسْلِنَا لَا كَلَالَةً خَارِجَةً عَنَّا.