وجملة { ما كنت تدري ما الكتاب} في موضع الحال من ضمير { أوحينا} أي أوحينا إليك في حال انتفاء علمك بالكتاب والإيمان ، أي أفضنا عليك موهبة الوحي في حال خلوّك عن علم الكتاب وعِلم الإيمان. وهذا تحدَ للمعاندين ليتأملوا في حال الرّسول صلى الله عليه وسلم فيعلموا أن ما أوتيه من الشريعة والآداب الخُلقية هو من مواهب الله تعالى التي لم تسبق له مزاولتها ، ويَتضمن امتناناً عليه وعلى أمته المسلمين. ومعنى عدم دراية الكتاب: عدم تعلق علمه بقراءة كتاب أو فهمه. ومعنى انتفاء دراية الإيمان: عدم تعلق علمه بما تحتوي عليه حقيقة الإيمان الشرعي من صفات الله وأصول الدين وقد يطلق الإيمان على ما يرادف الإسلام كقوله تعالى: { وما كان الله ليضيع إيمانكم} [ البقرة: 143] وهو الإيمان الذي يزيد وينقص كما في قوله تعالى: { ويزداد الذين آمنوا إيماناً} [ المدثر: 31]. فيزاد في معنى عدم دراية الإيمان انتفاء تعلق علم الرّسول صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام. صحيفة تواصل الالكترونية. فانتفاء درايته بالإيمان مثل انتفاء درايته بالكتاب ، أي انتفاء العلم بحقائقه ولذلك قال: { ما كنت تدري} ولم يقل: ما كنت مؤمناً. وكلا الاحتمالين لا يقتضي أن الرّسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مؤمناً بوجود الله ووحدانية إلهيته قبل نزول الوحي عليه إذ الأنبياء والرّسل معصومون من الشرك قبل النبوءة فهم مُوحّدُون لله ونابذون لعبادة الأصنام ، ولكنهم لا يعلمون تفاصيل الإيمان ، وكان نبيئنا صلى الله عليه وسلم في عهد جاهلية قومه يعلم بطلان عبادة الأصنام ، وإذ قد كان قومه يشركون مع الله غيره في الإلهية فبطلان إلهية الأصنام عنده تمحِّضه لإفراد الله بالإلهية لا محالة.
صحيفة تواصل الالكترونية
{وإنك لتهدي} أي تدعو وترشد {إلى صراط مستقيم} دين قويم لا اعوجاج فيه. وقال علي: إلى كتاب مستقيم. وقرأ عاصم الجحدري وحوشب {وإنك لتهدى} غير مسمى الفاعل؛ أي لتدعى. الباقون {لتهدي} مسمى الفاعل. وفي قراءة أبي {وإنك لتدعو}. قال النحاس: وهذا لا يقرأ به؛ لأنه مخالف للسواد، وإنما يحمل ما كان مثله على أنه من قائله على جهة التفسير؛ كما قال: {وإنك لتهدي} أي لتدعو. وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} قال: ولكل قوم هاد}[الرعد: 7]. {صراط الله} بدل من الأول بدل المعرفة من النكرة. قال على: هو القرآن. وقيل الإسلام. ورواه النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم. {الذي له ما في السماوات وما في الأرض} ملكا وعبدا وخلقا. {ألا إلى الله تصير الأمور} وعيد بالبعث والجزاء. قال سهل بن أبي الجعد: احترق مصحف فلم يبق إلا قوله: {ألا إلى الله تصير الأمور} وغرق مصحف فأمحى كله إلا قوله: {ألا إلى الله تصير الأمور}. والحمد لله وحده. إعراب قوله تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الآية 52 سورة الشورى. اكسب ثواب بنشر هذا التفسير
تحميل كتاب خطبة جمعة مكتوبة وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا Pdf - مكتبة نور
ومثل هذا الظن يكفي المتعبدين اليوم بشرع نبينا عليه الصلاة والسلام فإن أكثر الفروع ظنية ، ومن يتتبع الأخبار يعلم أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين إبراهيم عليه السلام من الحج والختان وإيقاع الطلاق والغسل من الجنابة وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر وغير ذلك ، وأن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم كان أحرص الناس على اتباع دين إبراهيم عليه السلام. وفي الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم كان أي قبل البعثة يتحنث بغار حراء ، وفُسر التحنث بالتحنف أي اتباع الحنفية وهي دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والفاء تُبدل ثاء في كثير من كلامهم ، وفي رواية ابن هشام في السيرة يتحنف بالفاء بدل الثاء ، نعم! تحميل كتاب خطبة جمعة مكتوبة وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا pdf - مكتبة نور. فُسر أيضا بالتعبد كما في صحيح البخاري وباتقاء الحنث ، أي الإثم كالتحرج والتأثم ، وكل ذلك مما ذكره الحافظ القسطلاني في شرح الصحيح. ثم إن الظاهر أن من قال: إنه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم كان متعبدا بشرع من قبله ليس مراده أنه عليه الصلاة والسلام كان متعبدا بجميع شرع من قبله بل بما ترجح عنده صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ثبوته. والذي ينبغي أن يرجح كون ذلك من شرع إبراهيم عليه السلام لأنه من ذريته عليهما الصلاة والسلام وقد كلفت العرب بدينه.
إعراب قوله تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الآية 52 سورة الشورى
وقال: {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء: 79] وقد ذكر من حكم سليمان وهو صبي يلعب في قصة المرجومة وفي قصة الصبي ما اقتدى به أبوه داود. وحكى الطبري أن عمره كان حين أوتي الملك اثني عشر عاما. وكذلك قصة موسى عليه السلام مع فرعون وأخذه بلحيته وهو طفل. وقال المفسرون في قوله تعالى: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل} [الأنبياء: 51]: أي هديناه صغيرا؛ قال مجاهد وغيره. وقال ابن عطاء: اصطفاه قبل إبداء خلقه. وقال بعضهم: لما ولد إبراهيم بعث الله إليه ملكا يأمره عن الله تعالى أن يعرفه بقلبه ويذكره بلسانه فقال: قد فعلت؛ ولم يقل أفعل؛ فذلك رشده. وقيل: إن إلقاء إبراهيم في النار ومحنته كانت وهو ابن ست عشره سنة. وإن ابتلاء إسحاق بالذبح وهو ابن سبع سنين. وأن استدلال إبراهيم بالكوكب والقمر والشمس كان وهو ابن خمس عشرة سنة. وقيل أوحي إلى يوسف وهو صبي عند ما هم إخوته بإلقائه في الجب بقوله تعالى: {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا} [يوسف: 15] الآية؛ إلى غير ذلك من أخبارهم. وقد حكى أهل السير أن أمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولد حين ولد باسطا يديه إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء، وقال في حديثه صلى الله عليه وسلم: (لما نشأت بغضت إلي الأوثان وبغض إلي الشعر ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين فعصمني الله منهما ثم لم أعد).
فإن قيل: فقد روى عثمان بن أبي شيبة حديثا بسنده عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم ، فسمع ملكين خلفه أحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى تقوم خلفه ، فقال الآخر: كيف أقوم خلفه وعهده باستلام الأصنام فلم يشهدهم بعد ؟ فالجواب أن هذا حديث أنكره الإمام أحمد بن حنبل جدا وقال: هذا موضوع أو شبيه بالموضوع. وقال الدارقطني: إن عثمان وهم في إسناده ، والحديث بالجملة منكر غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه ، والمعروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه عند أهل العلم من قوله: بغضت إلي الأصنام وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي - صلى الله عليه وسلم - باللات والعزى إذ لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي ، ورأى فيه علامات النبوة فاختبره بذلك ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما فقال له بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، فقال: سل عما بدا لك. وكذلك المعروف من سيرته - عليه السلام - وتوفيق الله إياه له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركين في وقوفهم بمزدلفة في الحج ، وكان يقف هو بعرفة ، لأنه كان موقف إبراهيم عليه السلام.